أكثر سعة من رفوف التاريخ ـ

  • 11/6/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

عن أي مشاعر نتحدث عندما نتنازل عن حساباتنا على تويتر لأشخاص آخرين؟ مهما يكن السبب فنحن سنتخلى عن فكرة وكيان مرتبطين بنا، إلا إذا كنا غير صادقين في ما نغرد! تويتر كالقلم، لا يمكن التنازل عنه، القلم ليس ككيان جامد يمكن إعارته، بل كفكرة وحس تعبيري خاص بنا، لذلك كانت فكرة 140 حرفا ثاقبة عن الاقتضاب والتركيز في التعبير. حساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي ليست ظلا وجد مع وجودنا، أو رداء خارجيا نتخلى عنه متى شئنا، أو نتنازل عنها لآخرين أو نسمح للآخرين بالتعبير في متنها نيابة عنا، إنها ممثل ذاتي صرف عما نكنه وما نتوق إليه في عالم قلق ومتسارع صار فيه المرء ناطقا باسمه لإيصال صوته لأقصى مديات الأرض. لذلك يبدو القبول بأن تكون هناك تغريدات كتبها آخرون في حساباتنا، أشبه بالوظيفة التي لا تعمل على تقديم شيء. مثل تلك الوظيفة غير المعبرة تدفع السياسيين الكبار إلى إناطة فريق من العاملين لإدارة حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي. هل كتب باراك أوباما حقا شيئا في حسابه على تويتر؟ أشك في ذلك! فمن يكتب لا يتخلى عما كتبه، قد يعيد النظر فيه، لكن التنازل فكرة لا تستقيم مع الكتابة. لذلك تبدو تغريدات السياسيين الكبار مستعارة، وليست معبرة بحق عما يكنونه في دواخلهم، ليس ضروريا العودة إلى جملة “السياسيون الكبار كذابون كبار”، لكن التذكير بها قد يبدو ضروريا في ما سيحل بالحساب الشخصي للرئيس الأميركي باراك أوباما بعد مغادرته البيت الأبيض. بعد يومين سيتنازل أوباما عن 11 مليون متابع في حسابه على تويتر للرئيس الجديد، بعد تغيير اسم المستخدم. وسيستلم الرئيس الجديد حساب تويتر في يوم تنصيبه في العشرين من يناير المقبل، وستُحذف تغريدات أوباما عن المنصة، وينطبق الأمر على الحسابات الأخرى في فيسبوك وإنستغرام. وستؤرشف إدارة الأرشيف والوثائق الوطنية الأميركية تغريدات أوباما، بالإضافة إلى تغريدات حساب البيت الأبيض بوصفها وثيقة تاريخية لأول رئيس في الولايات المتحدة امتلك حسابا على مواقع التواصل الاجتماعي. لاستيعاب فكرة التنازل عن الحساب، تجب معرفة أن حساب الرئيس الأميركي يديره فريق مكوّن من عشرين من مساعديه مرتبط بمكتب الاستراتيجية الرقمية في البيت الأبيض، ويعمل هذا الفريق على “إنشاء هوية رقمية للرئيس الأميركي كما يبحث عن سبل لجلب صوت الرئيس إلى الشعب” والفقرة الأخيرة المستلة من تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، تنمّ عن خطاب سياسي واضح، يتم بموجبه استثمار فكرة مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها وسيلة إعلامية مضافة. ويفسر ذلك كوري شولمان، نائب الرئيس التنفيذي للفريق الرقمي في البيت الأبيض، بقوله “هذه البنية التحتية الرقمية هي أحد الأصول ليس فقط بالنسبة إلى الرئيس القادم ولكن لجميع الرؤساء في المستقبل”، معتبرا الانتقال الرقمي السلس بين رئيس سابق ورئيس جديد أصبح من أولويات البيت الأبيض، بالنظر إلى التقدم التكنولوجي على مدى السنوات الثماني الماضية. حسنا، ماذا بشأن أوباما الإنسان مغردا، ألم يعبر عن شيء ذاتي في تغريداته التي قد تتجاوز 317 تغريدة قبل أن يغادر البيت الأبيض؟ وماذا سيحل بتغريدته عن الطالب الأميركي المسلم من أصول سودانية أحمد محمد الذي اعتقل من قبل الشرطة لاعتقادها أن الساعة التي اخترعها كانت قنبلة؟ فكتب له أوباما “ساعة جذابة يا أحمد، هل تود إحضارها إلى البيت الأبيض، يجب أن نشجّع أطفالا آخرين أمثالك على حب العلم، هذا هو ما يجعل أميركا أمة عظيمة”. وتفاعل مع التغريدة الملايين بوصفها أهم التداعيات على اعتقال الطالب الصغير. الأرشيف لم يعد كافيا، لأنه في العصر الرقمي أضحى صورة للتاريخ محبوسة على الرفوف العالية، ومواقع التواصل الاجتماعي هي التاريخ بنفسه الذي لم يعد بحاجة إلى رفوف الأرشيف، سيرفرات غوغل أكبر سعة مما دونه العالم على مدار الآلاف من السنين، في واقع الأمر اختصرت تلك السيرفرات فكرة الأرشيف منذ أن وجد. أرشفة تغريدات أوباما ومنح حسابه للرئيس الجديد يُفقدان تويتر وظيفته بوصفه المايكرفون الأقوى في العالم. لقد قبلنا بالجحيم الذي يستهلك الوقت لأن تويتر كان الوسيلة الأكثر تعبيرا عنا، وليس معقولا بعدها التنازل عن تغريداتنا حتى لعشيقاتنا! كرم نعمة karam@alarab.co.uk

مشاركة :