رحبت الحكومة السورية بعودة الفارين من مناطق التمرد التي استعادها الجيش. ولكن لم يكن الأمر كذلك لعائلة لاجئة جاءت للتحقق من حالة بيتها، حيث وجدت عائلة أخرى قد انتقلت إليه. تلك مجرد واحدة من العديد من العقبات التي تبقي النازحين في الحرب السورية بعيدا عن ديارهم. كثير من الذين فروا يقولون، إنهم يخشون الاعتقال إذا عادوا إلى ديارهم الواقعة الآن تحت سيطرة الحكومة، أو من أنه سيتم تجنيد أبنائهم في نفس الجيش الذي قصف بلداتهم في وقت ما. في معاقل المعارضة السابقة الأخرى، تنفذ الدولة مشاريع إعادة تطوير دمرت آلاف المنازل. وتتهم المعارضة، حكومة الرئيس بشار الأسد، باستخدام أساليب غير مكشوفة للحد من عودة السكان الذين تنظر إليهم على أنهم غير موالين لها، مغيرة بذلك التركيبة السكانية للمساعدة في تعزيز السيطرة على ممر يمتد من دمشق إلى ساحل البحر المتوسط. وتقول الحكومة، إنها تبذل كل ما في وسعها لإعادة السكان. من جانبه قال وزير الدولة السوري لشؤون المصالحة الوطنية علي حيدر للـ«أسوشيتد برس» الشهر الماضي، «الهدف الرئيسي للحكومة السورية هو إعادة جميع النازحين السوريين إلى ديارهم». تم طرد أكثر من 11 مليون نسمة، أي ما يقرب من نصف سكان سوريا، من ديارهم بسبب الحرب منذ عام 2011، بما في ذلك خمسة ملايين فروا إلى الخارج. وبسبب الدمار الشديد ومع استمرار الحرب في أجزاء كثيرة من البلاد، فإنه من غير المرجح حدوث عودة جماعية في الوقت الراهن. ولذلك فمن الصعب قياس إلى أي مدى تمنع التدابير التي اتخذتها الحكومة الكثير من السوريين المعارضين من العودة. ولكن سقوط عدد من معاقل المعارضة في الأشهر الأخيرة أدى إلى الربط المباشر بقضية من الذي يمكنه العودة. على سبيل المثال، سلسلة من الضواحي المعارضة ذات الغالبية السنية المحيطة بدمشق أصبحت تحت سيطرة الجيش. تم تجفيف تلك الضواحي من جزء كبير من سكانها حيث فر مئات الآلاف من الحصار والقصف في السنوات الأخيرة. الآن يغادر آلاف آخرون بسبب سيطرة الحكومة. وهو سؤال مفتوح عما إذا كانوا سيعودون على الإطلاق. في حلب، كبرى المدن السورية، تحاصر القوات الحكومية المناطق الشرقية الواقعة تحت سيطرة مقاتلي المعارضة، وما يقدر بـ 275 ألف من السكان يرفضون الدعوة إلى الجلاء، وذلك جزئيا بسبب اقتناع العديدين بأنهم لن يسمح لهم بالعودة. حقيقة أن معظم سكان مناطق المعارضة هم من المسلمين السنة يضيف جانبا طائفيا ساما لتهمة التلاعب الديموغرافي. المسلمون السنة هم الأغلبية في سوريا ويشكلون العمود الفقري للتمرد، بينما تدعم بعض الأقليات الأسد إلى حد كبير، ولاسيما طائفته العلوية، وهي فرع من المذهب الشيعي. حمص، ثالثة كبريات مدن سوريا، تقدم مؤشرا على العقبات أمام العائدين المحتملين. في 2014، استسلم آخر الأحياء الرئيسية التي كان يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في حمص. وجاء ذلك بعد حصار وحشي طويل دفع لخروج ما يقدر بـ 300 ألف شخص من المدينة. بعد ذلك بسنتين، تقول الحكومة، إن البلدة القديمة مفتوحة للسكان، لكن حتى الإحصاءات الرسمية تقول، إن 40 في المئة فقط عادوا. ومن المستحيل التأكد من هذا الرقم من مصدر مستقل، وتعتقد المعارضة أنه مبالغ فيه. في زيارة إلى المدينة القديمة في حمص في وقت سابق من هذا العام، وجد فريق الـ«أسوشيتد برس»، مدينة أشباح. وفي الآونة الأخيرة، أجرت الـ«أسوشيتد برس»، مقابلات مع ست أسر مطرودة من مناطق حمص القديمة، حيث أشارت أسرة واحدة فقط من بين المئات إلى إمكانية عودة بعض الأقارب. كل من تمت مقابلتهم تحدثوا شريطة الكشف فقط عن أسمائهم الأولى خوفا من عمليات انتقامية من الحكومة. وقال أبو زيد، من سكان حي جورة الشياح، «عائلات المدينة القديمة لا تزال في المنفى. اليوم سوف تجدهم في جميع أنحاء العالم، ما عدا في أحيائهم». وقالت هدى التي تعيش الآن في مدينة طرابلس اللبنانية، إنه قيل لها أنها يجب أن تدفع الفواتير المتأخرة قبل أن تتمكن من رؤية منزلها في حمص. لكنها، مثل الآخرين، مترددة بشدة التوجه إلى مؤسسات الدولة للقيام بذلك أو إثبات صحة سجلات ممتلكاتها، لأن ذلك يعني العبور من خلال العديد من نقاط التفتيش التي تديرها الأجهزة الأمنية مرهوبة الجانب. النازحات يخشون قيام قوات الأمن باعتقال أزواجهن وأبنائهن بشأن جرائم ملفقة أو تجنيدهم في جيش الأسد. رابعة اللاجئة السورية من حمص والتي فرت إلى لبنان مع عائلتها في 2012، تقول، «لسنا قادرين على العودة». لديها ابن في العشرين من عمره. وقالت، «أول شيء سيفعلونه هو أخذه إلى الجيش.. نذهب لنرى دارنا؟ أبدا». كما وجدت الأسر أشخاصا غيرهم يعيشون في منازلها. مدى مثل هذه الحوادث غير واضح. يقول النازحون، إن المصادرة موجودة على نطاق واسع، ولكن تقاريرهم لا يمكن التحقق منها بشكل مستقل. الأختان مها وأم علاء وصفتا للـ«أسوشيتد برس»، كيف حاولتا الاطمئنان على شقة أم علاء في بلدة تلكلخ، وهي معقل سابق للمعارضة على بعد 40 كيلومترا شرق حمص. الأختان المقيمتان الآن في طرابلس تحدثتا شريطة عدم الكشف عن هويتيهما بشكل كامل. وقالت مها، إنها زارت المكان ووجدت أسرة أخرى تعيش هناك. وأعقب ذلك جدال صاخب، وتراجعت مها خوفا من وقوف الحكومة إلى جانب الأسرة المحتلة بغير حق. وقالت أم علاء، إن جيرانها أخبروها أن العائلة من منطقة الحصن القريبة. وأضافت أم علاء، أن الجيران قالوا أيضا، إن نازحين آخرين طلبوا من السلطات في تلكلخ أماكن للعيش، وتم توجيههم إلى منازل أولئك الذين لاذوا بالفرار. ولم يتسن الوصول للأسرة في المنزل لأن الهاتف الأرضي كان مغلقا. وتخشى أم علاء هي وزوجها أيضا ألا يستطيعا استعادة بيتهما لأنهما لم يجلبا سند ملكيتهما عندما فرا في سنة 2014. وأضافت، «ظننا أننا سوف نذهب لشهر واحد فقط.. ليس لدينا ما يثبت أنه ملكنا». مخاوف من التجنيد تخرج أيضا السكان من المعاقل السابقة للمعارضة. وتنفي الحكومة اتباعها أسلوب التجنيد لطرد المعارضين، قائلة، إنه واجب وطني. وقال الوزير حيدر، «إنه قانون يعود إلى تأسيس الدولة السورية». وقال، إن الجيش يدرس سبلا لحل هذا المأزق. على سبيل المثال، فقد عرضت الحكومة في بعض المناطق التي استعادتها تأجيل نشر المجندين لمدة ستة أشهر إلى سنة. ولكن العديد من الفارين والمتهربين يرون أن هذا الأمر مجرد أسلوب حكومي لمنحهم مهلة للمغادرة. وقال داني قباني، أحد نشطاء المعارضة، «يعني هذا أن عليك في هذه الشهور الستة أن تحصل على كل شيء كي تفر، والجيش سوف ينظر في الاتجاه الآخر». في ضاحية معضمية الشام قرب دمشق، على سبيل المثال، فر ثلث السكان البالغ عددهم 50 ألف شخص، أثناء حصار الحكومة. وقال المسؤول بالمعارضة بسام كودماني، إنه بعدما استسلمت الضاحية في سبتمبر/ أيلول، من المرجح أن يغادر نحو 10 آلاف آخرين على مدى الأشهر المقبلة خوفا من التجنيد. وبالمثل، فإن نحو 13 ألفا ربما يتركون في ضاحية قدسيا في دمشق جنبا إلى جنب مع عائلاتهم لتجنب التجنيد، حسبما قال مقاتل سابق في قدسيا. وقال المقاتل الذي هو مطلوب للخدمة العسكرية، إنه طلب من السلطات فترة السماح لمدة ستة أشهر، وحصل عليها. وأضاف، أن ذلك أعطاه الوقت لبيع بيته وممتلكاته قبل أن ينتقل مع زوجته وطفليه لمحافظة إدلب شمال غربي البلاد، وهي الأراضي الرئيسية التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة. وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه لم يكن قد غادر بعد المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة. عندما سقطت ضاحية داريا في أغسطس/ آب، تمت إزالة كل من تبقى من السكان، نحو 2700 من أصل 25 ألفا، ووضعوا في مخيمات، ما أثار احتجاج مسؤولي الأمم المتحدة بشأن احتمال وجود تهجير قسري. وتقول الحكومة، إنها في نهاية المطاف سوف تسمح لهم بالعودة. لكن داريا يمكن أن تشهد هذا النوع من مشاريع التجديد الحضري التي يقول مراقبون، إنها أيضا أداة للهندسة السكانية. وحدد تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» في 2014، سبعة أحياء للمعارضة في أنحاء البلاد دمرتها السلطات الحكومية من أجل «إعادة التطوير». واتهمت السلطات بتنفيذ عقاب جماعي. المرسوم الرئاسي 66، الصادر في 2012، يذكر عددا من المناطق، ومعظمها من المعارضة، لمشاريع التجديد الحضري التي تشمل هدم الأحياء الفقيرة. يقول رشاد القطان، المحلل السياسي التابع لمركز الدراسات السورية في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، إن النظام السوري يعاقب المناطق الجامحة بتغير تركيبتها السكانية. في مارس/ أذار، وضع الأسد حجر الأساس لأحد مشروعات التحديث تلك، في حيي كفر سوسة وبساتين الرازي في دمشق. هذا المشروع يهدف لبناء أبراج سكنية جديدة منظمة. ولكن وسائل المعارضة تقول، إنه يتم طرد السكان. وقال تقرير «هيومن رايتس ووتش»، إنه تم هدم ما يصل إلى 3000 من المباني السكنية. كما يخول المرسوم 66 بناء مشاريع مشابهة في داريا، وفقا لمجلة «الاقتصادي» الموالية للحكومة. وتعد داريا والضواحي السنية الأخرى مناطق ذات أهمية استراتيجية كبيرة، حسبما قال كودماني، من الهيئة العليا للمفاوضات المعارضة. وأضاف، «كي تكون دمشق آمنة حقا على المدى الطويل، فيجب أن تكون أية جيوب حول دمشق موالية».
مشاركة :