بعد استعادة القوات العراقية الموصل، سيبقى تنظيم «داعش» مسيطراً على الرقة في سورية المجاورة بعد أن يكون الجزء الأكبر مما يُطلق عليه التنظيم اسم «دولة الخلافة» قد زال. ويشن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضربات على «داعش» في العراق وسورية منذ سنتين، واضعاً استعادة الرقة نصب عينيه لتكون هزيمة التنظيم فيها نهاية للحملة. لكن وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر فاجأ القادة العسكريين الأسبوع الماضي عندما صرح بأن الهجوم الفعلي على الرقة يمكن أن يبدأ «في الأسابيع القليلة المقبلة»، بعد تصريحات مماثلة أدلى بها وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون. وفي الجلسات الخاصة، قال عدد من كبار الضباط الأميركيين إنهم فوجئوا بالأمر، معربين عن شكوكهم في إمكان البدء قريباً بمعركة الرقة نظراً إلى تعقيد النزاع السوري. وقال مسؤول في وزارة الدفاع لوكالة «فرانس برس» طالباً عدم كشف هويته، بعد انتقاء كلماته بدقة، إن برنامج كارتر الزمني «متقدم قليلاً على ما سمعته حتى الآن». وأكد مسؤول آخر في الدفاع أن توقعات العسكريين في شأن الرقة - المدينة التي كان يبلغ عدد سكانها حوالى 220 الف نسمة قبل النزاع - لا تتطابق مع ما قاله كارتر. وأضاف مسؤول عسكري ثالث أن الهجوم على الرقة يمكن أن يبدأ نظرياً خلال أسابيع، لكنه «قد يستغرق بضعة أشهر (...) تسعة أشهر أو أقل». وتابع أن الهجوم يمكن أن يبدأ قبل 2017 «لكنه قد يستمر لفترة أطول لأسباب لا نستطيع السيطرة عليها». وقال: «الأمر متوقف على القوات المحلية. إذا كانوا مستعدين فنحن مستعدون». وقبل بدء هجوم بري، سيكون على طائرات التحالف استكمال «عزل» و «رسم حدود» الرقة و «تغطيتها»، وسيجرى ذلك على الأرجح وفق الخطوط نفسها المعتمدة في الموصل حالياً. وهذا يتطلب ضربات جوية متواصلة على المواقع القتالية لـ «داعش» وقطع طرق الإمدادات إلى الرقة ومنها. وقال الناطق باسم التحالف الكولونيل جون دوريان إن هذه العمليات نجحت جزئياً حتى الآن وقطعت الطرق من الرقة إلى أوروبا وبالعكس (أي عبر الحدود السورية - التركية). وأضاف: «ما نتحدث عنه هو درجة متقدمة من العزل تقلّص إلى حد كبير حرية تنقل داعش إلى خارج المدينة وإلى داخلها». ويشير المسؤولون العسكريون إلى سلسلة عوامل في معركة الرقة غير مطروحة في معركة الموصل. فبينما تشكّل القوات العراقية قوة قتالية متجانسة تخضع لقيادة مركزية واحدة، يعتمد التحالف الذي يقوده الأميركيون على مجموعات من المقاتلين في سورية. وتضم «قوات سورية الديموقراطية» حوالى ثلاثين ألف مقاتل ثلثاهم من الأكراد الذين يقاتلون تحت راية «وحدات حماية الشعب» الكردية، فيما البقية من العرب السوريين. وبعض عناصر «قوات سورية الديموقراطية» متمرس في القتال، لكن هناك أيضاً من أتى حديثاً للمشاركة في النزاع. وأمضى التحالف شهوراً في تدريب «قوات سورية الديموقراطية» بما في ذلك على طريقة استدعاء ضربات جوية، لكن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) اعترفت بأن بعض المقاتلين العرب لم ينهوا بعد التدريب الذي يستمر أسابيع. والغموض الذي يلف مسألة قيادة هجوم الرقة - إذ ستكتفي القوات الأميركية الخاصة بالمراقبة من وراء خطوط الجبهة - تحدّث عنه باقتضاب شديد الناطق باسم «البنتاغون» بيتر كوك الذي قال إن عدد المقاتلين السوريين المدعومين من الولايات المتحدة سيرتفع مع تقدم العمليات. وصرح كوك: «سيبدي مزيد من الأشخاص رغبتهم في الانضمام إلى جهود إخراج» تنظيم «داعش»، من دون أن يضيف أي تفاصيل. والمسألة الأخرى التي تزيد الوضع تعقيداً هي تركيا. فبينما ترى الولايات المتحدة أن «وحدات حماية الشعب» هي أفضل قوة للقتال بتوجيه منها في سورية، تعتبر أنقرة هذا التشكيل مرتبطاً بحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حركة تمرد في تركيا منذ 1984. وتدعم تركيا العضو في حلف شمال الاطلسي، طرد «داعش» من الرقة لكنها تريد الحد من النفوذ الكردي ومنع الأكراد من التمركز على جانبي الرقة، إذ إن أنقرة تعارض إقامة كيان كردي. ويتوقع أن تتقدم «وحدات حماية الشعب» لاستعادة الرقة، لكنها لن تدخل المدينة التي يشكل العرب غالبية سكانها، ممهدة الطريق بذلك للفصائل العربية في «قوات سورية الديموقراطية» للقيام بذلك. والسؤال الآخر هو الدور الذي سيلعبه الجيش التركي، إذ إن التقدم باتجاه الرقة يمكن أن يتباطأ اذا كان المقاتلون مضطرين لحماية ظهورهم من الأتراك. وهناك روسيا أيضاً. فبينما تركّز موسكو حالياً على حلب ومناطق أخرى دعماً للرئيس السوري بشار الأسد، تستخدم الطائرات الروسية المجال الجوي نفسه للتحالف مما يثير مخاوف من تصادم في الجو يمكن أن يعيد خلط الحسابات.
مشاركة :