شن عدد من المثقفين الكويتيين هجوماً كاسحاً على تشدد رقابة وزارة الإعلام، رافضين الوصاية الفكرية المتبعة في تحديد ما يقرأه الفرد، معتبرين أن المشهد الثقافي المحلي بدأ يخفت إشعاعه التنويري في البلد ويفقد مكانته المرموقة... «الجريدة» التقت مجموعة من الكتاب للحديث عن جدوى الرقابة في عصر الإنترنت والمكتبات الإلكترونية. استغرب الأدباء والكتاب في الكويت تعسف رقابة وزارة الإعلام في منع الأعمال الأدبية، ولاسيما مع اقتراب موعد معرض الكويت للكتاب من كل عام، معتبرين أن ما يجري يساهم في تشويه سمعة الكويت الثقافية لدى الأشقاء العرب، ويقوض أركان دولة التنوير التي اشتهرت بها الكويت منذ خمسينيات القرن الماضي. وفي مفتتح حديثه، أكد الباحث والروائي حمد الحمد أن ثمة سؤالا يطرح نفسه: هل المجتمع بحاجة إلى رقيب للرأي والفكر؟، أعتقد أن الدول المتقدمة أو التي في طريقها للتقدم ليست بحاجة إلى أن تراقب ما يكتب الناس أو كيف يفكرون، لأن أساس أي تقدم هو حرية الفكر والاعتقاد. وأضاف: "لكن هل عالمنا العربي في وقتنا الحالي في فضاء يسمح بذلك؟، أعتقد لا.. حيث إن المحرمات كثيرة سواء فكرية أو دينية، وحتى لو كانت الحكومات تنزع نحو إطلاق حرية الفِكر فإن المجتمعات تقف لها بالمرصاد وبقوة، لكن هناك خلطا ضبابيا لمفهوم كلمة حرية الفكر أو الرأي، هل هي بلا حدود؟ أعتقد لا. وحول حرية الرأي، يستشهد الحمد بالدول المتقدمة، مؤكدا أن هناك قوانين لضبط حرية الرأي كقوانين المرور، حيث لا تعتبر الإساءة للآخرين والتعدي عليهم بالقول أو إرهابهم حرية، إنما جرم يعاقب عليه القانون، أو أن تثير ما يهدد السلم الاجتماعي وخلق فتن طائفية أو عرقية. في الكويت لدينا قانون للمطبوعات والنشر، وكذلك قانون لما يبث في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وهذا أعتقد أنه ضروري، لأن البعض لا يكتب رأيا عاما، إنما يحقر الآخر ويطعن به، بل ويثير فتنا وإشاعات لغرض ما قد تهدد الأمن الاجتماعي، ومن ينتهج هذا النهج واجب أن تردعه القوانين. وتابع:" لكن عندنا إشكالية في الرقابة في الكويت على المطبوعات، رغم أن الرقابة على الكتب لاحقة وليس سابقة، إلا أنها غير ضرورية، ويفترض ألا يتصفح إنسان آخر، وما يطلق عليه "الرقيب" ما اكتب ويمنع مادة كتابي من أجل جملة أو صفحة في ورقة، وهذا نعتبره نوعا من التعسف، وكان الأجدى لو وجد الرقيب مخالفة ما أن يترك هذا للمحاكم والمجتمع، لهذا ما نراه من منع كتب هو في الحقيقة تعسف رقيب لا تعسف قانون". بدوره، يأسف الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين، طلال الرميضي، للتعسف الذي تنتهجه اللجنة الرقابية في وزارة الإعلام، مما يسبب حرجا كبيرا للمثقفين الكويتيين، لاسيما حينما يشاركون في فعاليات خارج الكويت، معتبرا أن المشهد الثقافي المحلي بدأ يخفف إشعاعه التنويري بسبب التشدد الرقابي في البلد، ومضيفا: نحن نسجل عتبنا على أعضاء في لجنة الرقابة بوزارة الإعلام حول التشدد في منع كثير من الكتب والعناوين من التداول في الكويت، ولا شك في أن هذا المنع سبب حرجا كبيرا لنا كمثقفين عند مشاركتنا مع زملائنا في المؤتمرات والفعاليات المشتركة مع الأدباء في الخليج أو في أي بلد عربي آخر، فهم يعتبون علينا ويتندرون على الدور الثقافي الكبير الذي كانت تلعبه الكويت، مما أثر على مكانتها في الساحة الثقافية العربية، فقد كانت الكويت في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي منارة جميلة يشار إليها بالبنان. عتب على "الرقابة" ويضع الرميضي اللوم في فقدان مكانة الكويت الثقافية والفنية على التشدد الممارس في هذه الفترة، مشيرا إلى أن للرقابة قوانين عامة وقواعد قانونية مجردة، وتتناول المواد 19، و20، و21، المحاذير القانونية في الكتب والمطبوعات، وهذه المحاذير الكل يتفق معها ولا شك في أنها تصب في الصالح العام، ولكن العتب على لجنة الرقابة في تشددها، حيث إن هناك مساحه رمادية بين المنع والفسح، ونحن في رابطة الأدباء نناشدهم إتاحة الفرصة لمزيد من الفسح، وتقليل القائمة السوداء، وهي القائمة المشهورة التي تساهم في بعض الأحيان في شهرة زائفة لبعض الكتاب، ويكون قرار المنع هو بوابة الشهرة لكاتب متواضع لا تتوافر فيه إمكانات الكتابة الإبداعية، لذلك نحن في رابطة الأدباء نأمل بمناسبة اقتراب موعد افتتاح معرض الكتاب أن يكون هناك المزيد من الحريات كما عهدنا الكويت منذ القدم، ومنذ تأسيسها فهي منارة للحرية، ولاتزال، وهذا الكلام بهدف المحافظة على سمعة الثقافة الكويتية وأصالتها وسمعتها في أرجاء الوطن العربي. وفي تعليقها على منع الكتاب والتعسف الرقابي، قالت الروائية ميس العثمان: "منذ أقل من أسبوع كنت فرحة جدا وأنا أشاهد عبر بث مباشر حفل افتتاح دار الأوپرا في الكويت، كنت بإحساس قشعريرة أتمتم: أشكرك يا الله لأنك أبقيتني على قيد الأمل كي أرى دار أوپرا في وطني! لكن ارتباكا لاح في عقلي. متسائلة: كيف ستعرض النصوص الإبداعية العالمية مادامت لدينا رقابة متشددة جداً!؟ هل ستمنع نصوص من العرض؟ محرقة رقابية! وأضافت: " الغريب في الأمر أنني بين احتفال وآخر "أتعثّر" بتصريحات - يقرؤها علينا وزير الإعلام في الكويت- وتأخذها كل الصحف عناوين رئيسة يبدي فيها كل مفردات ومترادفات الدعم والإشادة والتكريم والفخر والرعاية للإبداع، ولكن الواقع أن في وزارة الإعلام/ قسم المطبوعات والنشر، هناك محرقة رقابية بالمعنى الحقيقي للحرق! وتشير العثمان ضمن هذا السياق: "هناك يفترض أن تتم مراجعة الكتب الصادرة حديثا عبر لجنة (أعضاء اللجنة من وزارة الأوقاف) لتجيز أو تمنع ما نكتبه من إبداع على هواها المانع لكل جميل من مفردات ننحتها لقارئ محتمل ينتظر صدور كتبنا بوعي عال". وفيما يتعلق بالحريات التي كفلها الدستور الكويتي تتساءل: "كيف تسمح دولة مخالفة مواد مهمة في الدستور تعطينا الحق في ممارسة حرياتنا الأصيلة عبر "تجنيد" لجنة لوأد الحكايات والأفكار والتطلعات والآراء والرؤى وحرق كل ساعات العطاء التي نمارسها ضمن مسؤولياتنا الكثيرة؟ لائحة التهم وتابعت:" وحين تمنع الكتب تُحرق للتخلص منها، فالممنوع أكثر بمراحل من المجاز، ثم تقدم ورقة مدموغة بـ أعذار (فضفاضة وجارحة) مكتوبة بخط عريض (لائحة بالتهم المدفونة في كتاب) تعطى لصاحب الشأن بعد تظلمه مرفقة بتعبير شفهي "أعد كتابة النص دون المحاذير المرفقة"، وكأنهم يريدون إعادة تربيتنا من جديد! ومن المعيب حقا أن تعاملنا بلدنا بهكذا استخفاف في حين تروج إعلاميا بدعم ورعاية وتكريم وتحفيز لكل الأعمال الإبداعية، الكتّاب في دول العالم يُحتفى بهم على أعلى المستويات ويمنحون تفرغا وظيفيا لمزيد من الإبداع، توضع صورهم على عملات الدولة، وتُسمى أعياد ميلادهم أعياداً وطنية! وعن حرية التعبير، تشير إلى أن الكتّاب في العالم لا يحاسبون على آرائهم السياسية ولا على انتقادهم للسلطات، الكتّاب في العالم يحركون الرأي العام ويعيدون بعث الوعي في المجتمع كلما سارت الأغلبية مع التيار. باختصار، العالم المتحضر يرعى الكاتب حتى ولو كان ليس صديقا جيدا للسلطة، لأن دورنا إزعاجها أساسا! الوصاية الفكرية المفروضة وضمن هذا السياق، استغرب الكاتب الشاب محمود شاكر استمرار رقابة وزارة الإعلام على الكتب في وقتنا الحالي مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسبل النشر الحديثة، إضافة الى المكتبات الالكترونية، معتبرا ما يجري تعسفا رقابيا لا أكثر ولا أقل، ولا يتسق مع التطورات الحديثة، لاسيما إذا أدركنا أن القارئ يستطيع الوصول الى أي إصدار يخطر في باله عن طريق الشبكة العنكبوتية، بمعنى أنه لم يعد ثمة محظور أو ممنوع من النشر، لأن تقنيات العصر أسقطت سلطة الرقابة ومنحت القارئ فرصة التجول والاطلاع على ما يريد في الفضاء الافتراضي المفتوح. وأعرب محمود الذي منعت له الرقابة روايتين هما "منيرة من النزهة"، و"قد لا أعود" من المشاركة في معرض الكتاب المقبل، عن استيائه من المنع غير المجدي، ولاسيما أن القارئ يملك حرية تحديد نوعية الكتب التي يقتنيها ويرفض الوصاية الفكرية المفروضة عليه من وزارة الاعلام. ويجهل شاكر الأسباب التي دفعت الرقابة الى عدم السماح لأعماله الأدبية من التداول في الكويت، بينما هي متاحة للقراء في معارض الدول الخليجية.
مشاركة :