«ذاكرة الماء».. نوتة حزن طويلة عن الجزائر

  • 11/8/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: محمدو لحبيب على مدار سنتين ابتداء من شتاء 1993 وحتى عام 1995 في يوم شتوي هو الآخر كتب هذا النص الروائي، كما يقول مؤلفه واسيني الأعرج. وعلى واجهة بحر خال إلا من كاتبه وامرأة من رخام ونورس مجنون، كان يبحث عن سمكة مستحيلة ضاعت داخل موجة جبلية ولدت حكاية ذاكرة الماء. تتصدر هذه الرواية جناح دار مداد للنشر والتوزيع في المعرض، وتقع في 440 صفحة من الحجم المتوسط. ويكاد هذا النص الروائي أن يكون نوتة حزن طويلة، أو بكائية سيزيفية على وطن كاتبه الجزائري، فهو يتحدث ضمن حكايته السردية عن موجة العنف الدموي التي انفجرت في الجزائر في تسعينات القرن الماضي، ويؤرخ كما يقول لذاكرة جيله في تماه مفسر لذاكرة الماء: هو ذاكرتي أو بعض منها. ذاكرة جيلي الذي ينقرض الآن داخل البشاعة، والسرعة المذهلة والصمت المطبق، ذنبه الوحيد أنه تعلم وتيقن أنه لا بديل عن النور سوى النور في زمن قاتم نزلت ظلمته على الصدور لتستأصل الذاكرة قبل أن تطمس العيون. هو مجرد صرخة من أعماق الظلام ضد الظلام، ومن داخل البشاعة ضد البشاعة، ونشيد مكسور للنور وهو ينسحب بخطى حثيثة لندخل زمناً لا شيء فيه ينتمي إلى الزمن الذي نعيشه. لكن الكاتب أيضا ينبه في نهاية روايته هذه وعبر طرح سؤال رمزي إشكالي هو: وهل للماء ذاكرة؟ إلا أن نصه ليس توثيقاً لتلك الحقبة الدموية التي لفت الجزائر، وتعيشها اليوم الكثير من البلدان العربية، بقدر ما هو أي نصه رواية كتبت داخل القسوة والبرودة والحياة والسر والمنفى، من الجزائر العاصمة، مروراً بمحطات غربة متعددة، لتعود إلى الجزائر، لكنها مع كل ذلك مجرد حكاية وليست كتاب تاريخ. غير أنه مع ذلك وأثناء رحلته السردية القاسية تلك، يشير إلى ذلك الحلم الفتان الذي سكنه طوال تلك المدة الكتابية، وهو أن ينهي هذا العمل وهذه الرواية قبل أن تسرقه رصاصة عمياء، لقاتل أهوج مسربل البصر والبصيرة بقناعات دموية. إنها طريقة الكاتب في مقاومة القتلة، إنها أيضا طريقته في التعبير عن مفهوم الغربة، الذي يتعدى ذلك المشتبك مع مفارقة الوطن جغرافياً، ليتوسع في سرد وتجسيد مفهوم الغربة المتماهي مع التشظي تحت واقع وطن يسكنه الخوف وتتلبسه الفجيعة، ويجسد ذلك في آخر كلمات من الرواية قائلاً: سنتان من الخوف. وهل هما سنتان؟..، طوال هذا الزمن النفسي الذي لا يعد ولا يحصى. كنت أحلم بشيء صغير، صغير جداً لكنه بالنسبة لي كبير، قبل أن تسرقني رصاصة عمياء، هو أن أنهي هذا العمل، نكاية في القتلة. وها أنا ذا بعد هذا الزمن الذي لا يساوي الشيء الكثير أمام الذين فقدوا أرواحهم، وسرق الإرهاب كل ما خزنوه من حب وحنين وأحلام، أخرج من الظلمة إلى النور، مثقلاً برماد الذاكرة المتعبة، أخرج للنور مثقلاً برماد الذاكرة، أمشي على الملوحة والماء وفاءً لهذا الماء وتلك الذاكرة. الرواية تطرح ضمنياً أسئلة اللحظة التاريخية رغم أنها تعالج الماضي، لذلك فهي صالحة كالماء الذي تؤرخ لذاكرته، لأن تحكى في كل وقت وبكل إطار.

مشاركة :