في البداية ربط الدكتور جريبة الحارثي، أستاذ الاقتصاد، الحالة التي يمر بها السوق العقاري حاليا بالقاعدة الاقتصادية الشهيرة المتمثلة في «انخفاض الطلب على جميع السلع نتيجة انخفاض دخل الفرد»، وقال: «من المتوقع بحسب قواعد الاقتصاد فإن الشخص سيبحث في المجال العقاري عن الخيارات الأقل كلفة للتكييف مع الوضع الاقتصادي الجديد بما يتناسب مع مستوى الدخل المادي، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض الطلب على الوحدات السكنية الفاخرة ذات القيمة المرتفعة والتي قد تواجه عزوفًا من قبل المستهلكين بشكل أو بآخر». وأضاف: «نتوقع بأن العديد من العوامل ستؤدي في النهاية إلى انخفاض بشكل مباشر في أسعار إيجارات الشقق والوحدات السكنية وهوما يتحدد وفق قواعد العرض والطلب وبالتالي انخفاض في أسعار الكثير من السلع والتي تستوجب المزيد من المراقبة والمتابعة من قبل الأجهزة المعنية للتأكد من عدم وجود ثغرات أوتشكيل تكتلات من قبل بعض تجار السلع بشكل عام والعقار بشكل خاص للهروب من التكيف مع الواقع الجديد وهوما يتسبب في (الركود التضخمي) في الكثير من السلع والتي لم يجد لها خبراء الاقتصاد أي تفسير حتى الآن». عوامل جديدة ورصد عدد من العوامل التي قد تؤثر بشكل مباشر في نسبة انخفاض الأسعار بنسب تتفاوت بين 15-30 % بسبب نقص الطلب من قبل موظفي القطاع الحكومي على الشقق السكنية ذات القيمة المرتفعة، بالإضافة إلى دراسة توجه المتعاقدين من غير السعوديين نحو استئجار وحدات سكنية جديدة إلى جانب نقص العمالة الأجنبية المستأجرة لمجموع الوحدات السكنية المتاحة في النطاق السكني. رجح اقتصاديون ومختصون في الاستثمارات العقارية انخفاض أسعار الوحدات السكنية للتمليك والإيجار على حد سواء خلال الأشهر القليلة المقبلة على خلفية قرارات الترشيد الأخيرة بشأن العلاوات السنوية والبدلات الخاصة بالموظفين العاملين في القطاع العام، واعتبروها «خطوة أولى» لتصحيح مسار السوق العقاري بالمملكة الذي عاني خلال السنوات الماضية من تشوهات نتيجة الارتفاعات غير المبررة لأسعار الوحدات السكنية رغم الركود وانخفاض تكلفة مواد البناء والأراضي السكنية. «المدينة» فتحت ملف إيجارات الشقق والوحدات السكنية واستطلعت آراء عدد من الاقتصاديين والمطورين العقاريين ومحللي السوق العقاري وناقشتهم حول أسباب ارتفاع قيمة الإيجار ورؤيتهم لمستقبل السوق خلال الأشهر القليلة المقبلة. اقترح عبدالله الأحمري رئيس لجنة التقييم العقاري بالغرفة التجارية بمحافظة جدة، على الجهات المختصة بتحديد سقف أعلى للقيمة الإيجارية وقال: «يجب أن تتدخل وزارتا الإسكان والتجارة لوضع القوانين الواضحة لمنظومة سوق الإيجارات ومتابعة الزيادة التي قد تطرأ على عقود الإيجار التي يجب تحديدها بـ 3 سنوات بحيث لا تتجاوز 5-15 % من قيمة التعاقد في حال تجديد العقود بحسب المعايير العالمية لإيجارات الوحدات السكنية والمعارض التجارية». وأضاف: «لابد من إصدار تشريعات تفضي بتحصيل غرامات على مّلاك العقارات متجاوزي القيمة الأعلى لسقف الإيجارات مع مراعاة مساحة وموقع ومواصفات العقار سواءً للوحدات السكنية أوالمعارض التجارية على الشوارع الرئيسة وذلك في محاولة من الدولة لكبح جماح الأسعار التي وصل إليها سوق العقار والتي تنعكس على كافة المنتجات والسلع بسبب قيمة الإيجارات وبالتالي تضرر المواطن البسيط من ذوي الدخل المحدود أوالمتوسط». وتابع: «يجب تصحيح الوضع الحالي للسوق العقاري الذي أصابه منذ عامين ونيف حالة من الركود، بالإضافة إلى توعية المجتمع بمدى تأثير الحملات الشعبية التي دعت إلى مقاطعة المنتجات العقارية بسبب ارتفاع القيمة السوقية المبالغ والتي وصلت إلى 1000 % لعدم اعتمادها على الدراسات الاقتصادية ودخول المزيد من المضاربين في السوق العقارية». وأردف: «كافة القرارات المتمثلة في فرض رسوم الأراضي البيضاء وإنشاء وزارة الإسكان واستحداث التشريعات وتطوير مستوى صندوق التنمية العقاري وصولًا إلى ترشيد نفقات المشروعات الحكومية والخدمات مرجعها الأزمات الاقتصادية التي تطغى على العالم بأسره نتيجة الهبوط الحاد لأسواق النفط، وبالتالي التأثير على مستويات السيولة النقدية». وأضاف: «المرحلة الحالية تتطلب تكاتف رجال الاقتصاد وتجار العقار والمواطنين إلى جانب الدولة للوصول إلى المستويات التي تتناسب مع إمكانيات ومتطلبات جميع المستهلكين». ونوه الأحمري بدور تجار العقار في تعزيز منظومة الأمن الاقتصادي من خلال الرجوع إلى الأسعار الطبيعية التي ارتفعت بحكم طبيعة السوق خلال الأعوام الماضية وجلبت أرباحًا للبعض في تلك الفترة بدون أي مبررات اقتصادية. الأحمري: يجب وضع حد أقصى لزيادة الإيجار كل 3 سنوات دعا أحمد بن عبدالله الكريمي، الرئيس التنفيذي لشركة عطاء المنورة العقارية، ملاّك العقارات إلى استبدال الطريقة التقليدية في سداد القيمة الإيجارية للوحدات السكنية (السنوية) من خلال استقطاع الإيجار بشكل شهري من الراتب أوتدفع نقدًا للتخفيف على المستأجرين. وعن الوضع الحالي للسوق العقارية، أوضح الكريمي بأن السوق يتخلله في هذه الفترة ركود في بعض المناطق بالرغم من أن هناك صفقات عقارية تتم يوميًا في جميع المناطق ويتضح ذلك من خلال المؤشر العقاري الخاص بوزارة العدل. وقال: «إن أسباب التضخم في أسعار الإيجارات بمنطقة المدينة المنورة يعود إلى قانون العرض والطلب فيما لم تسجل المنطقة قلة في العرض، حيث يتضح ذلك من خلال إعلانات الصحف الأسبوعية ومواقع التواصل الاجتماعي»، مشيرًا إلى أنه كلما زادت العروض الإيجارية للوحدات السكنية وقلت القيمة الأساسية للبناء فمن الطبيعي أن يكون هناك انخفاض في القيمة الإيجارية لافتًا أن السوق العقاري الذي يعد ثاني أضخم سوق بالمملكة لا يتأثر بسهولة وله عوامل قوية. واستدل الكريمي بدراسة تحليلية للسوق العقارية أجرتها مؤسسته العقارية للمدينة المنورة اطلعت «المدينة» على نسخة منها يتضح فيها تصحيح المسار للسوق العقاري في منطقة التنمية العقارية في المدينة بواقع 15 % وترتفع كلما ابتعدت عن المسجد وتتناقص في الاتجاه العكسي، فيما تشير الدراسة إلى أن نسبة تصحيح المسار في اتجاه الكثافة السكانية تبلغ نحو 20% بالإضافة إلى رصد تصحيح ضئيل للمسار في منطقة الشمال الغربي للمسجد النبوي إذ لا يتجاوز نسبة 10 %. مطور عقاري: الأفضل دفع الإيجار «شهريا» للتخفيف على المستأجرين في المقابل عدّ عسكر بن سلطان الميموني، المراقب للسوق العقاري، الأوضاع الراهنة بـ «الفرصة المواتية» لتصحيح سوق الإيجارات الذي يشكو بحسب وصفه من تشوهات وخلل نتيجة الفوضى التي شهدها السوق بشكل عام خلال السنوات الماضية، وقال: «بحسب المؤشرات الاقتصادية يستقطع الإيجار من دخل المواطن حوالى 45-55 % في الكثير من المدن بالمنطقة الغربية، داعيًا وزارة الإسكان لضبط ما وصفه بـ «فوضى سوق الإيجارات» الذي ظل يعاني لسنوات طويلة بسبب غياب الآلية التي تنظم طبيعة العلاقة بين مالك العقار والمستأجرين. واستطرد: «لم نر منذ ولادة وزارة الإسكان أي برنامج أوخطة بالتعاون مع الوزارات الأخرى تساعد في تحسين مستويات السوق العقاري أوتنظيم ومعالجة الخلل الذي يعاني منه سوق الإيجارات للوحدات السكنية». وأشار الميموني إلى أن مشروع رسوم الأراضي البيضاء يستهدف في نهاية المطاف إلى تحسين مستوى السوق العقاري ومعالجة الخلل الذي شهده السوق في الأعوام الماضية والذي عانى من التضخم غير المبرر مما أرهق كاهل المواطن سواء عند تملك العقارات والأراضي أو الاستئجار. ولفت إلى أن السوق العقاري شهد خلال الفترة الأخيرة ما وصفه بـ «حلحلة السوق» حيث عرضت الأراضي شمال الرياض للبيع بالتقسيط بسعر الكاش لمواجهة الركود الذي أصاب السوق العقاري، بالإضافة إلى عمليات البيع بالمقايضة (مقابل سيارات) لشح السيولة النقدية في محاولة من قبل بعض التجار لتصريف المنتجات العقارية وحماية السوق من الانهيار السريع. تصحيح التشوهات
مشاركة :