رجال القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب، فوج صلاح الدين، متفائلون كثيرا. لكن بعد المناطق المفتوحة التي قاتلوا فيها بشمال العراق، هم على وشك مواجهة واقع أصعب هذا ليس مكاناً يعرفه هؤلاء الجنود.. لكن عدوهم يعرفه جيداً. التحدي الذي يواجهونه حالياً هو وجود القناصين على أسطح المباني، ويتلقون أخباراً تفيد بأن داعشيقصف بالهاون من أماكن مليئة بالمدنيين، ما يجعل من المستحيل على قوات مكافحة الإرهاب الرد عليهم بالمثل. السيارات الثلاث اختفت في نهاية الشارع. هناك شعور مسبق بأن هذه المعركة ستكون مختلفة. المدنيون مازالوا يلوحون بأعلامهم البيضاء.. والطرق تزداد ضيقاً. نحن في منطقة يسيطر عليها داعش.. الكتابات توضح ذلك. بدأت القافلة بالتحرك بشكل أبطأ.. وعلى وجوه الجنود، يظهر التوتر. "انتبه، داعش خلفك." ثم انقلبت الطريق أمامنا إلى أزقة موحلة، ليس هناك وسيلة للعودة.. والمكان يشعرنا بالضيق. وكل سيارة أو حاوية قمامة هنا، قد تكون قنبلة. ما يفطر القلب هو أن بعض العائلات مازالت هنا. "زوجتي هنا لكنها خائفة." كذلك ابنته التي تبلغ من العمر تسعة عشر عاماً، "نحن بخير الحمدلله." نور قُبلت في الجامعة.. لكنها لم تستطع الذهاب. شقيقها الصغير، سيف، لا يستطيع التحرك من الخوف.. يجلس مع والدته في الخلف. ثم اقتربت منا سيارة، صرخ المقاتلون بالتحذيرات. "اجلس اجلس.. ارجع ارجع." من الواضح أنه لم يكن انتحارياً، لكن حالته حرجة. بعد دقائق، مات، ويبدو أنه كان سائق تاكسي بريئا.. لكنه كان في المكان الخاطئ، في الوقت الخاطئ. الآن هناك المزيد من إطلاق النار نحونا. إنهم يتعرضون لإطلاق نار من القناصين ومن أسلحة رشاشة، بالإضافة إلى قذائف الهاون، والقذائفالصاروخية، وبالطبع السيارات المفخخة أيضاً. حتى وسط المعركة، هناك لحظات من الإنسانية.. لكنها لحظات عابرة. مقاتلو داعش على الأسطح.. سقطت ثلاث قنابل على الشارع. "لا أستطيع فتح هذه العين، أرى بالعين الأخرى فقط." - كيف حدث ذلك؟ "قنبلة يدوية." طلقات الرصاص ترتد عن مركبتنا، وهي تزداد كلما تقدمنا. ثم انفجرت سيارة مفخخة وراءنا بالضبط. كان هناك وهج برتقالي.. وآذاننا ترن.. ثم انفجار آخر. كان ذلك ثاني انفجار ضخم، يقولون إن الأول كان سيارة متفجر انتحاري، انفجرت وسط السيارات التي كانت خلفنا تماماً. هناك عدد من الجنود الذين يركضون في الشارع، أحدهم كان يحمل صديقه الذي يبدو أنه مصاب. رصدوا حركة للعدو.. "الرجل الذي يقابلنا، انظروا إلى ذلك المنزل هناك." "المركبة الأولى ضُربت؟" إطلاق النار علينا أصبح شديداً.. وضربت جرافة شق الطرق. والمزيد من الضربات على مركبتنا. أطلق المقاتلون النار على دراجة نارية تأتي باتجاهنا. سمعنا صوت عجلة ينفد منها الهواء. ثم أدركنا أننا حوصرنا، والمركبات والخراب حولنا في كل مكان. ثم تعرضت مركبتنا المدرعة المضادة للكمائن والألغام لضربة مباشرة. المصور: ماذا سنفعل؟ أروى: لا أعلم، بصراحة أنا لا أعلم. علينا أن ندخل هذا المنزل.. جلسنا هنا.. بصحبة جنود مصابين وعائلة خائفة ومرتعبة.. وصل المزيد من المصابين. "كنت أريد أن أتعامل مع الموضوع وأخرج لأن المنزل كان مكشوفاً، ثم ظهر رجل أمامي لم أنتبه إليه، فأطلق النار علي." ورغم إصابته، كان الضابط أحمد يضمد جراح الآخرين. استهدف داعش كل مركبة في قافلتنا بشكل منهجي. بقيت ثلاث عربات "همفي" تعمل فقط. مضت ساعات منذ أن طلبوا الدعم لكن لم يصل أحد. يريدون أن ينقلوا جرحاهم، فهم لا يملكون مركبات تكفي الجميع. هذا إذا استطاعوا فعل ذلك، لأنهم يقولون إنه مازال هناك عناصر من داعش حولنا. في وقت لاحق، نشر داعش فيديو للمعركة من طرفه، صوروا فيه المنزل الذي كنا نختبئ فيه، من الطرف الآخر من الشارع. غربت الشمس تقريباً، واقتربت جبهة القتال من المنزل الذي كنا نختبئ فيه.. علينا التحرك من هنا، لكن في كل مرة نحاول ذلك، يبدأ إطلاق النار، فنعود أدراجنا. فوضى عارمة والوضع مرعب، كنا نريد الوصول إلى عربة الهمفي التي تبعد عنا خمس خطوات. أخيراً، قررنا الركض باتجاهها، نتسلق إلى الداخل بأسرع شكل ممكن. لكن هناك الكثير من المركبات المعطلة في طريقنا، وقد علقت عربتنا بأخرى. "عودوا إلى الخلف، لقد علقنا." لقد تحررنا، لكن لم نتقدم لأكثر من تسعة أمتار. وتبعت ذلك ليلة طويلة مليئة بالرعب والاختباء. لم نكن نعرف أن مقاتلي داعش كانوا يصورون الغنائم التي حصلوا عليها من مركبات الجيش العراقي في آخر الشارع. طلع الفجر، ومازلنا على قيد الحياة، نحن بصحبة أكثر من 12 جنديا جريحا، هناك ستة لم يصابوا فقط. قد تنفد الذخيرة في أي وقت الآن. مضت عشرون ساعة منذ أن طلبوا الدعم أو المساعدة بسبب محاصرتنا، ومازلنا ننتظر. الجنود هنا منهكون لكنهم صامدون، فهم يعلمون أنهم وحدهم في هذه المعركة. يبحثون عن مقاتلي داعش من السطح.. وبدأوا بتجهيز أنفسهم للهجوم الذي يعرفون أنه قادم. أصيب أحدهم، ونسمع صوت نحيب امرأة من السطح المقابل.. تصرخ: "أين هو؟" ثم يتصاعد الأمر مرة أخرى، حاصر داعش المنزل.. خط الدفاع الوحيد عنا هم الجنود الجرحى. سقطت قنبلة في فناء المنزل، وجاؤا بالمزيد من المصابين.. يقولون إن مقاتلاً من داعش ألقاها من المنزل خلفنا. غارة جوية استهدفت الموقع، ودمرت الحائط الخارجي للمنزل الذي كنا فيه. اختبأت العائلة تحت الدرج، وقال أحد الصبيان باكياً: "لا أريد أن أموت." بعد ساعات قليلة، لحظة من الراحة المطلقة. وصل فوج للدعم، ومعه عربة "همفي" لإجلائنا.. هناك كيلومتر تقريباً لنصل إلى الأمان.. نحن محظوظونلاستطاعتنا الخروج من ساحة المعركة. أما هؤلاء الرجال، فعليهم العودة إلى هناك.. فالمعركة لتحرير الموصل بدأت لتوها.
مشاركة :