صرعة جديدة من صرعات (الهياط) الاجتماعي، التي لاقت رواجًا من قِبل أمهات العصر النفطي، اللاتي على الأرجح لم يستوعبن آثار الهزة الاقتصادية المعاشة. إنها صرعة رضاعات الأطفال المصنوعة من الذهب الخالص، أو المرصعة بالألماس، ولا تهون أيضًا المصاصة الذهبية! فقد يتجاوز سعر الرضاعة الزجاجية سقف خمسة آلاف ريال، وتصل أسعار اللهايات إلى ثلاثة آلاف ريال. لدى الكثير من الأمهات معتقدات شائعة، تفيد بأن سعادة وليدهن تتحقق من خلال توفير أقصى درجات الرفاهية له؛ لترى طفلة لا يتجاور عمرها أشهرًا عدة تلبس من الماركات العالمية والإكسسوارات ما يتجاوز عشرات الآلاف من الريالات. إن ظاهرة (الهياط) السائدة والمتعلقة بنوعية ملابس الأطفال ومقتنياتهم واختيار اسم الحضانة أو المدرسة اللائقة بالطفل، وغيرها من ماديات، تنتشر في أواسط الأمهات، ومن مختلف الطبقات؛ فلا تنحصر على ذوي الدخول المرتفعة فقط! إن التفريق بين «الأم البيولوجية» و»الأم العاطفية» في الوسط الاجتماعي المعاش مهم جدًّا؛ فالأم البيولوجية تحمل وتلد فقط، وتدع أمور التربية والاهتمام بالطفل لـ»الأم العاطفية»، التي تحتضن الطفل، وتلقنه معتقداتها وقيمها وأفكارها وحضارتها نتيجة تفاعلها المباشر معه؛ فليست كل أم بيولوجية أُمًّا عاطفية. وللأسف، تعتقد العديد من الأمهات أن دورها كأم يقتصر على توفير الرعاية الكاملة للطفل بشكلها المادي؛ فما دام الطفل يحصل على أفضل أنواع الطعام والشراب، ويلبس أفضل أنواع الملابس، ويذهب للترفيه واللعب، وهي بدورها كأم تتأكد من تحقيق إشباعه المادي بالإشراف عليه عن بُعد، فهي قد قامت بدور الأمومة؛ لتصبح وظيفتها أُمًّا بيولوجية، بينما المربية أو الخادمة هي في الواقع أمه العاطفية التي تتفاعل معه كل الوقت؛ فيتعلق بها ويحبها؛ فقد تنازلت الأم عن تلك المهمة؛ وليدفع المجتمع ضريبة ذلك التنازل. معتقد آخر تتبناه بعض أمهات هذا العصر، ألا وهو ربط سعادتهن بوجود مربية أو خادمة معهن من أجل الاهتمام بأطفالهن؛ فاهتمام الأم المباشر بالطفل سوف يؤثر على سعادتها، ولن تجد الوقت الكافي للاهتمام بنفسها وبالتزاماتها الاجتماعية. ومجرد إلقاء نظرة على مدن الألعاب لدينا - على سبيل المثال - ترى مشهد الخادمات والمربيات «الأمهات العاطفيات» وهن يشرفن على الأطفال، بينما «الأمهات البيولوجيات» قد يكن بصحبة الصديقات، يقضين وقتًا ممتعًا «المتعة حسب مفاهيمهن»؛ فالالتصاق بالطفل حسب معتقداتهن القاصرة إنما هو تضحية كبيرة، ستكلفهن سعادتهن، متجاهلات أهمية التطور العاطفي والنفسي لأطفالهن، وتأثير ذلك على نموهم العقلي كما أثبتته العديد من الدراسات. إن الأمومة والطفولة من ركائز الأسرة؛ إن صلحت صلح المجتمع؛ فاحتضان الطفل وشحنه بعواطف الأمومة الحميمة، والتفاعل المباشر مع الطفل من قِبل الأم، وقضاء أطول وقت معه، يُنتج لنا مجتمعًا صحيًّا آمنًا. ونتائج الإهمال في التربية، وكوارث الاعتماد على الخادمات والمربيات، تظهر لنا بعد عشرين سنة؛ فهي تحتاج إلى تعاقب أجيال. ولندرك أخيرًا أن أمن الوطن من أمن الأسرة.
مشاركة :