د.رضوان السيد ما توقّع أحدٌ فوز دونالد ترامب حتى ترامب نفسه، كما تقول إحدى المعلِّقات في الـCNN! لكنه رغم ذلك فاز وبفارقٍ بارز. ويتحدث المراقبون الذين يحاولون الفهم، وإن متأخرين، إنّ هناك عاملين رئيسين لنجاحه: تصويت الريفيين له وأهل البلدات الصغيرة والمتوسطة، والعامل الثاني تصويت البيض المنخفضي التعليم الذين نالت منهم أزمة ومتغيرات أسواق الأعمال نتيجة الثورات التكنولوجية المتلاحقة. ومع أنّ هذا التعليم بشقيه غير مقنع، لأنّ الطبقة الوسطى الحضرية الأميركية هائلة الحجم، فإنّ المفارقة تبقى أنّ ترامب ليس من العمال ولا من المناضلين من أجل حقوقهم، بل هو من طبقة كبار رجال الأعمال. وما عُرف عنه اهتمامٌ بقضايا الفقر والتهميش مثل ساندرز مثلاً الذي كان خصماً لكلنتون واجتلب إليه شباناً وشابات من محبي التغيير! إنّ المعروف عن الرجل الفائز فضلاً عن قصصه النسائية، تهربه من الضرائب، وكثرة دعاواه على الذين ينفذون مشاريعه، وعلى زملائه من رجال الأعمال، واحتقاره العامة والفقراء. إنما بدلاً من الانهماك في ذكر مساوئه، التي درج الجميع، بمن فيهم أقطاب الحزب «الجمهوري»، على التشهير بها، والحيرة إزاء شعبيته بين جماهير الحزب والعامة، فلنتجه إلى فهم الظاهرة، وتأثيراتها في الغربين الأميركي والأوروبي، ثم في المشرق والعرب. «جمهور جديد» هناك جمهورٌ جديدٌ من سائر الأعمار، وفي أميركا وأوروبا، ثائرٌ على تقاليد المؤسسة الحاكمة. ولثورانه أسباب أهمُّها الانضباط الشديد المفترض بحسب القوانين، والفساد المستشري في الوقت نفسه. ثم الأوضاع الاقتصادية وأوضاع أسواق الأعمال. وأخيراً هموم الهوية الخاصة والمتميزة، أي الهوية البيضاء مع تكاثر الأقليات الإثنية والدينية وسط تلك المجتمعات. إنّ السياسات الوسطية سواء في الاقتصاد وفي العمل السياسي الداخلي، ما عادت تُرضي الشرائح الجديدة، وقسماً كبيراً من القديمة. كبار السن من النساء بخاصة، يعتبرون هذه «التقاليد» للسياسة في التوازن بين الكونجرس بمجلسيه، والرئاسة، وحكام الولايات، ما عادت مقبولة ولا هي التقاليد الأصيلة للآباء المؤسسيين بعد أن أكلتها البيروقراطية، وأكلها الفساد. وقد سبق للولايات المتحدة أن شهدت ثلاث حركات منذ الستينات: حراك الحقوق المدنية، وهو حراك السود الذين تضامن معهم الليبراليون، وخصوم حرب فيتنام، وحراك الإنجيليين الجدد، الذين يريدون العودة إلى أخلاقيات الدين بدلاً من البزنس ومن النزعة الإمبراطورية، وأخيراً حراك المحافظين الجدد، وهم الذين عملوا في الدوائر العليا والوسطى منذ أيام ريغان وإلى أيام جورج بوش الابن. وأظن أن بقاياهم ستعمل في إدارة الرئيس الجديد. وهؤلاء يقولون بالديمقراطية الشعبوية (مع أنهم من النخب) بالداخل، وبأميركا القوية الفاتحة في الخارج. وشعبويات ترامب تعكس (إضافةً إلى مخاوف أسواق العمل الجديدة)، هذا القلق على الهوية البيضاء، والشعور بالعجز أمام هجمة العولمة، والأقليات العرقية والدينية من عوالمها ومعالمها. ترامب قال لهؤلاء كل يوم إنه يريد إعادة أميركا القوية، وبدون أقليات، وبدون مكسيكيين، وبدون مسلمين. وهذه أمورٌ لا تستطيعها المؤسسة القائمة، المنهمكة بإنصاف الأقليات، واستقبال المهجَّرين، وغضّ النظر عن ملايين من الداخلين إلى الولايات المتحدة من المكسيك وغيرها بطرائق غير مشروعة. ماذا يستطيع ترامب أن يفعل لإنفاذ برنامجه؟ لا يمكن تسمية خواطر ترامب وخطراته برنامجاً إلاّ إذا اعتبرنا أنه من معالم هذا البرنامج بناء سور بين الولايات المتحدة والمكسيك، ومنع المسلمين من الدخول إلى أميركا! ومع ذلك، علينا ألا ننسى أنّ الكونجرس بمجلسيه لا يزال بيد «الجمهوريين»، ولذلك يستطيع الرئيس الجديد بالفعل تشديد قوانين الهجرة، إنما لا نعرف إنْ كان بإمكانه إسقاط الاتفاق (نافتا) مع المكسيك ودول الجوار الأُخرى. ثم هل يكون بإمكانه بالفعل إسقاط قانون الرعاية الصحية، وحرمان 50 مليون أميركي من الضمان الصحي من جديد؟! ... المزيد
مشاركة :