في جنوب إيران، يضع العاملون اللمسات الأخيرة على أحدث توسعة لحقل بارس الجنوبي، وهو أكبر حقل كبير للغاز في إيران. العمل في القطاع 19 من الحقل ملحوظ لأنه يتم من قبل شركات إيرانية، وليس أية شركة من الغرب. يقول مهندس شاب في حقل ساوث بارز، بالقرب من ميناء عسلويه: "هذا الموقع يثبت أننا نحن الإيرانيين قد بدأنا أخيرا القيام بالعمل"، قبل أن يضيف بحدة: "لكننا لا نزال بحاجة ماسة إلى التكنولوجيا والمعرفة الغربية". شركتا توتال الفرنسية وشتات أويل النرويجية ساعدتا في تطوير الحقل في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من الألفية، لكنهما وغيرهما من شركات النفط الدولية - بما في ذلك رويال داتش شيل الإنجليزية ـــ الهولندية وريبسول الإسبانية - غادرت في مطلع العقد، في ظل الشكاوى والتذمر من الشروط التي تعمل بموجبها في البلاد. كما أن تلك الشركات كانت كلها قلقة أيضا من تصاعد التوترات بين الحكومة الإيرانية والبلدان الغربية بشأن جهود طهران لصناعة قنبلة نووية. في كانون الثاني (يناير) الماضي خفت المواجهة بشكل ملحوظ، عندما رفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كثيرا من العقوبات المتعلقة بالأسلحة النووية التي كانت قد أضعفت صناعة النفط في إيران. إلا أن الوضع لم يتغير كثيرا على جبهة النفط، لأن طهران تكافح لإقناع مجموعات الطاقة الغربية بالعودة السريعة وضمان انتعاش دائم لصناعة النفط والغاز القديمة في إيران، وهي مساع ما زال يلازمها الفشل أو لا تمضي بالإيقاع السريع الملح المطلوب. مع تعاظم احتياطيات الغاز والنفط في إيران، وذلك وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تريد إيران استثمار 200 مليار دولار من الاستثمارات في قطاع الطاقة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، في الوقت الذي تسعى فيه لزيادة الإنتاج. حقل فارس الجنوبي يحتفظ بما يقدر بـ 51 تريليون متر مكعب من الغاز، وذلك وفقا لوكالة الطاقة الدولية، الهيئة الاستشارية العالمية. قطر، من بين دول الخليج الغنية بالموارد، تحولت إلى أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال، أما إيران فهي غير قادرة على استغلال حقل فارس الجنوبي بالكامل، أو الحقول الأخرى مثل فارس الشمالي كذلك. أوقفت شركة توتال جميع عمليات التنقيب والإنتاج في إيران في عام 2010، بينما لم يعد هناك أي وجود لشركة شتات أويل في إيران، التي كانت فيما مضى المشغل البحري لأجزاء من حقل ساوث بارز، منذ عام 2011. تم تطوير القطاع 19 من حقل الغاز من قبل شركتين من الشركات الإيرانية التي لها روابط بمنظمات تديرها الدولة: ميل بتروبراس البرازيلية والشركة الإيرانية للهندسة والبناء البحري. يقول حميد رضا مسعودي، مدير القطاع 19 لصالح بارس أويل وشركة الغاز، شركة تابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية المملوكة للدولة، "نحو 11 ألف عامل كانوا يعملون هنا في ذروة المشروع [قبل نحو ثمانية أشهر] إلا أنهم الآن أقل من أربعة آلاف، ما يعني أن المشروع لا يعمل بطاقة تشغيل كاملة. تم تعزيز العمل بسبب نتيجة واحدة مفيدة من رفع العقوبات: كان الإيرانيون قادرين على شراء المعدات الغربية، مثل الضواغط والتوربينات، بسهولة أكبر. غير أن مجموعات الطاقة العالمية لم تعد حتى الآن إلى إيران بسبب عدد من القضايا العالقة. يتم النظر إلى شركات النفط الكبرى الأوروبية كمستثمرين أكثر احتمالا من نظيراتها الأمريكية، لأن واشنطن مستمرة في فرض بعض العقوبات المتعلقة من جراء تمويل طهران للإرهاب. مع ذلك، غير أن المجموعات الأوروبية تتخذ حتى الآن نهجا حذرا في التعامل مع طهران، ولم تمض إلى توقيع أي اتفاقات جوهرية مع طهران. يقول رؤساء الصناعة إن المخاطر والشكوك السياسية في إيران تجعل من الصعب تبرير الاستثمار في وقت أسعار النفط الضعيفة وندرة رأس المال. يقول أحد المسؤولين التنفيذيين، "ليس لدينا نقص في المشاريع للاستثمار بها - معظمها أكثر وضوحا من إيران". كانت هناك بوادر أولية نادرة لشركات تعيد بناء العلاقات مع طهران، فمن المقرر أن تشتري بريتش بتروليوم البريطانية هذا الشهر أول شحنة لها من النفط الإيراني منذ رفع العقوبات. بوب دادلي، الرئيس التنفيذي للشركة، قال إن الصفقة هي "خطوة جيدة لمعرفة كيفية العمل مع إيران"، لكنه حذر من أن العقوبات الأمريكية تشكل عقبة. "يجب أن نكون حذرين للغاية. فنحن لا نريد انتهاك العقوبات". مجموعات الطاقة الغربية مهتمة بالاستثمار في إيران، لكنها تشدد على أنها بحاجة إلى إطار عمل مناسب. كانت إيران بطيئة في إنهاء عقد جديد يمنح الحقوق لاستغلال احتياطيات النفط والغاز. العقد السابق كان مكروها من قبل المجموعات الغربية لأنه لم يسمح لها بحجز الاحتياطيات أو شراء حصص أسهم. النسخة الأحدث تهدف إلى تشجيع الاستثمار الخارجي، لكن النزاع المحلي حول ما إذا كانت الشروط سخية جدا للمجموعات الخارجية قد منع السلطات الإيرانية من توقيع أي صفقات. مثل هذا التأخير يسلط الضوء على الانقسام داخل القيادة الإيرانية حول كيفية التعامل مع الغرب. القوى المعتدلة بقيادة حسن روحاني، الرئيس، ضغطت من أجل الاستثمار الأجنبي، لكن الموقف الاقتصادي لآية الله الخميني، القائد الأعلى، غير معروف بالتسامح فيما يتعلق بالمال الخارجي. تقول شركة إيني الإيطالية: "لا نزال نحاول فهم إطار العمل التعاقدي الإيراني". وقعت توتال مذكرة تفاهم مع شركة النفط الوطنية الإيرانية في كانون الثاني (يناير) الماضي، لكنها تقول إن المجموعة لن تبدأ الاستثمار حتى تتوافر الحوافز المناسبة.
مشاركة :