ماذا تعني الانتخابات الأميركية للشرق الأوسط؟

  • 11/10/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

هافينغتون بوست عربي - ترجمة الخلاصة: من الممكن أن يؤدي انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة إلى تغييرٍ جذري في السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، وكذلك في كل الأماكن الأخرى. أما في حالة انتخاب هيلاري كلينتون، وهي الفرضية الأكثر رجحاناً، سيكون استمرار السياسة الأميركية الخارجية أقرب تحققاً من التغيير. غير أن قدرتها على تعقّب مبادراتها الخاصة في المنطقة ستكون محددة بعامليْن: الواقع الإقليمي، والقيود الاقتصادية والسياسية المحلية على مستوى الداخل الأميركي وعلى نطاق دولي أوسع. وفضلاً عن ذلك، بينما قد يفضل الرئيس القادم أن يصير تركيزه المنصبُّ على المنطقة أقل من سابقيه، يمتلك الشرق الأوسط طريقاً يسلكها كي يشغل بال أي منهما في حال دخوله البيت الأبيض. دائماً ما تكون ثمة اختلافات بين الطريقة التي ينظر بها مرشحو الحزب الديمقراطي والجمهوري إلى السياسة الخارجية، لكن السنة الحالية تبدو فيها تلك الاختلافات أبرز من أي وقت مضى. سواء انتُخبت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون أو انتُخب الجمهوري دونالد ترامب لمنصب الرئيس، سيصاحب ذلك آثار شديدة الاختلاف على كيفية تعقب مسار السياسة الخارجية الأميركية، بما في ذلك سياستها نحو الشرق الأوسط. غير أنه في تلك النقطة، يبدو أن الأكثر رجحاناً هو انتخاب كلينتون لمنصب الرئيس؛ لذا سيجدر بنا أن نصبّ تركيزاً أكبر على الطريقة التي قد تبدو بها سياستها الخارجية تجاه المنطقة. كما سنصب بعض التركيز على منهجية ترامب في التعامل مع المنطقة حال انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، على الرغم من أنها الفرضية الأقل رجحاناً، لا سيما في ظل انجذاب كثير من الأميركيين إلى بعض الأفكار التي عبّر عنها، ما يمكن أن يكون له آثار مستمرة فيما بعد. أولاً، من المهم أن نذكر القلق السائد في أوساط الكونغرس الأميركي، والإعلام، والرأي العام أيضاً فيما يتعلق بالشرق الأوسط، وهو ما سيتوجب على الرئيس الأميركي القادم، أياً كان، أن يتعامل معه. ويتضمن ذلك: الرغبة في تجنّب التدخل على المستوى الذي اتبعته إدارة بوش في أفغانستان والعراق، إضافة إلى المخاوف من أن طريقة نفور إدارة أوباما من التدخل سمحت لآخرين -خاصة روسيا- بأن يحققوا مزيداً من التأثير في المنطقة على حساب الولايات المتحدة. والقلق من أن الاتفاق النووي الإيراني لم يؤدِّ إلى اعتدال في سياسات طهران الإقليمية. والخوف من أن القيادة السعودية الحالية تتبع سياسات ستأتي بنتائج عكسية، خاصة في اليمن. والقلق من أن صلابة حكومة نتنياهو تعني أنه لا يمكن تحقيق تقدم ذي معنى تجاه تسوية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية؛ مما سيضر بالمصالح الأميركية في المنطقة. والقلق من أن السياسات المجحفة التي يتبعها نظام السيسي سوف تؤدي إلى حالة من الاضطراب في مصر، لكنّ تلك الجهود التي تسعى إلى تغيير مسار الإدارة في القاهرة لن تؤدي سوى إلى تقويض العلاقات بين مصر وأميركا أكثر من ذلك. والشعور العام من أن نمو إنتاج النفط الصخري بالولايات المتحدة قد يعني أنها ستكون أقل اعتماداً على الشرق الأوسط للحصول على النفط. وبكل تأكيد، القلق مما إذا كان من الممكن ترميم العلاقات بين تركيا من جانب والولايات المتحدة والغرب من جانب آخر، بعد التوترات والضغوط الجدية التي حدثت بينهما مؤخراً. ومع وضع كل ما سبق في عين الاعتبار، يمكننا الآن أن نتجه نحو الطريقة التي ربما سينظر بها كلا المرشحين الرئاسيين إلى السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة. كلينتون: الاستمرار في السياسة نفسها أقرب من التغيير على عكس معظم الرؤساء الأميركيين عندما دخلوا المكتب البيضاوي لأول مرة، تمتلك كلينتون اطلاعاً وثيق الصلة بقضايا السياسة الخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط، لا سيما من جرّاء خبرتها التي اكتسبتها خلال شغل منصب وزير الخارجية الأميركية في الفترة الرئاسية الأولى للرئيس أوباما، والممتدة بين عامي 2009-2013؛ إذ يقال إنها كانت أكثر ميلاً تجاه أن تلعب الولايات المتحدة دوراً أكثر فاعليةً في سوريا بعد أن بدأت الانتفاضة ضد نظام الأسد هناك في عام 2011، وهو ما رفضه أوباما. وتشير التصريحات الأخيرة التي أطلقتها عبر حملتها الرئاسية إلى رغبة في "فعل شيء" لسوريا، ولكنها أيضاً حملت اعترافاً بأنه قد فات الأوان على أن تلعب الولايات المتحدة دوراً مؤثراً هناك في ظل التورط الروسي الكبير في الوقت الحالي. وعليه، ربما لن تكون سياستها نحو سوريا شديدة التباين مع سياسات إدارة الرئيس أوباما. بيد أنه من المرجح أن تركز كلينتون على إعادة بناء العلاقات المتوترة مع حلفاء أميركا في المنطقة، وهي تعتمد على خبرتها الكبيرة مع كثير من القادة هناك لكي تنفّذ ذلك. كما يرجح، بشدة، أنها في حال انتخابها ستسعى إلى التواصل مع قادةٍ مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والملك عبد الله في الأردن، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأيضاً كل الملوك والأمراء في دول مجلس التعاون الخليجي. كما يرجح أن تستكمل جهود الرئيس أوباما لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق من خلال مساعدة الحكومة في بغداد وحكومة إقليم كردستان. وعلى الرغم من أن إدارتها لن تشهد تطوراً كبيراً في العلاقات الإيرانية-الأميركية بقدر الإمكان، فسوف تسعى إلى أن تحافظ على الاتفاق النووي الإيراني الذي بذلت إدارة أوباما جهداً كبيراً لتحقيقه. سيبدو المنطق المُتّبع للقيام بذلك واضحاً، بيد أنه في ظل عدم تفضيل الولايات المتحدة (بل والأكثر من ذلك) وبعض حلفائها الإقليميين لما تفعله إيران في سوريا أو في أي مكان آخر بالمنطقة، سيكون وجود بعض القيود المفروضة على قدرة إيران كي لا تمتلك سلاحاً نووياً أفضل من عدم القيام بأي شيء. وعلى الرغم من أنها تشارك قلق السعودية من الحوثيين في اليمن، يُرجَّح أيضاً أنها سوف تحمل إرث قلق إدارة الرئيس أوباما من أن التدخل السعودي ثقيل الوطأة في اليمن لن يجلب سوى نتائج عكسية. فضلاً عن ذلك، رغم أن النفط الأميركي الصخري قد يجعل الولايات المتحدة أقل اعتماداً على نفط الشرق الأوسط، يُرجح أن تستمر كلينتون في الإبقاء على مستوى صادرات النفط من المنطقة، وكذلك التعاون من كثب مع الدول العربية المصدّرة للنفط، باعتباره أمراً مهماً لحلفاء أميركا والاقتصاد العالمي كله. من الممكن أن تنجح كلينتون في إشراك قادة الشرق الأوسط أكثر من أوباما. غير أن العلاقات الودية بينها وبين نظرائها بالمنطقة لن تكون وحدها كافية لتجاوز الاختلافات المرتبطة بقضايا معينة بينهم وبين واشنطن، لا سيما عندما يتأثر ذلك بالرأي السائد في الكونغرس وكذلك الرأي العام الأميركي، أو عندما يتأثر بالقانون الأميركي. ومن غير المرجح حينها، إطلاقاً، أن تكون كلينتون أكثر رغبة أو قدرة من أوباما على تسليم فتح الله غولن إلى تركيا (وبكل تأكيد، لا يُضمن إطلاقاً، لفترة طويلة، أن نظام القانون الأميركي قد يسمح بذلك؛ بل ربما لن يسمح بذلك أبداً، حتى وإن كان لديها رغبة في تسليمه لهم). وعلاوة على ذلك، يُرجح ألا تحقق كلينتون نجاحاً أكبر من أوباما، أو أي رئيس أميركي سابق، فيما يتعلق بمفاوضات السلام الإسرائيلية-الفلسطينية؛ بل إن التوقع هنا يشير إلى أنها ربما لن تحاول أن تفعل ذلك بجدية. وأيضاً، لن يسمح وجودُ علاقات أفضل مع قادة المنطقة لكلينتون بأن تغير السياسات التي تخشى واشنطن من أنها ستجلب نتائجاً عكسية (مثل التدخل السعودي في اليمن، والطريقة التي يتعامل بها السيسي مع خصومه المحليين). كما لا يرجح أن تنجح كلينتون أكثر من أوباما في إقناع حلفاء الولايات المتحدة الإسرائيليين والعرب بأن الاتفاق النووي الإيراني هو في حقيقة الأمر مفيد لهم، وأن الدعم الأميركي لهذا الاتفاق لا يعني تقليل الالتزام الأميركي بالدفاع عنهم. من الأمور الأخرى التي لن تراها هيلاري مفيدة بالتأكيد، هي أي محاولة متجدّدة للتعاون مع روسيا في حل الصراع في سوريا، أو في أي قضية أخرى. وبينما لم يتوقف أوباما عن بذل هذا الجهد، فإنَّ عدائية بوتين الشخصية تجاه هيلاري بسبب اعتقاده أنَّها حاولت إطلاق "ثورة ملوَّنة" ضده في عام 2011/2012، إضافةً إلى الجهود الروسية الأخيرة لإضعاف حملتها الانتخابية عبر إصدار معلومات مخترقة تضر بحملتها، ممَّا يعني أنَّ كلينتون سترى روسيا خصماً وليس شريكاً في الشرق الأوسط وفي كل مكانٍ آخر منذ بداية إدارتها. وعلى الجانب الآخر، لن ترى هيلاري التصدِّي للتدخُّل الروسي في سوريا يستحق المخاطرة بصراعٍ أكبر، رغم أنَّها ستحاول استغلال تحرُّر كلٍّ من الشرق الأوسط وأوروبا من الوهم المتعلِّق بالسياسة الروسية تجاه سوريا. ترامب: تغيير أكثر من الاستمرارية على عكس هيلاري، لا يتمتَّع ترامب بخبرةٍ في صنع السياسات الخارجية، وعلى ما يبدو، لا يتمتَّع بمعرفةٍ بالشرق الأوسط. في بداية عملية الترشيح الجمهوري، أشار ترامب إلى معارضته القوية لتدخُّل إدارة بوش في العراق. وعلى الجانب الآخر، وعد بـ"تدمير داعش"، ولكنَّه لم يشرح كيف سيدمِّرها. وأشار أيضاً إلى عدائه للاتفاق النووي الإيراني، ورغبته في تغييره، إن لم يلغِه تماماً. ولكن من غير الواضح كيف سيمنع إيران عن شراء أسلحة نووية دون الاتفاق. على عكس هيلاري، من المحتمل بشدة أن يسعى ترامب إلى التعاون مع بوتين في سوريا وقضايا أخرى، ولكن من غير الواضح على الإطلاق ما الذي سيتمكّن من تحقيقه عبر هذا التعاون. ورغم أنَّ ترامب قد عبَّر عن وجهة نظر إيجابية للغاية تجاه بوتين خلال الحملة الانتخابية، فإنَّه لن يكون من المفاجئ إذا أعلن ترامب، فجأةً وبحدّةٍ، بوتين عدواً، إن فشل في التعاون معه. ربما يشعر ترامب بأنَّ قدرته المتبجّحة على التفاوض ستساعده في الحصول على ما يريد من معظم زعماء الشرق الأوسط، إن لم يكُن جميعهم. سيُصاب على الأرجح بخيبة أمل كبيرة، في حالة عدم حدوث هذا، وهي احتمالية كبيرة. من المحتمَل، بالتأكيد، أن تصطدم شخصية ترامب العنيفة مع شخصيات زعماء الشرق الأوسط العنيفة، وتُقصي أيضاً أصحاب الشخصيات الأقل عنفاً، بدلاً من أن تساعده شخصيته في الوصول إلى اتفاقيات معهم. يغامر ترامب، أكثر من كلينتون كثيراً، بإقصاء حلفاء أميركا التقليديين في الشرق الأوسط، إضافةً إلى الآخرين جميعاً. ولكن، أياً ما كان سبب عدم حصول ترامب على ما يريد في الشرق الأوسط، فربما يكون رد فعله هو اتخاذ قرار بأنَّ المنطقة بأكملها لا تستحق اهتمامه ببساطة. ربما يرى ترامب اعتماد أميركا المتناقص على الشرق الأوسط في النفط سبباً أكبر للانسحاب من المنطقة، أو حتى تجاهلها. ربما يدعو ترامب حلفاء أميركا الذين ما يزالون معتمدين على صادرات النفط من المنطقة إلى شراء النفط من مصادر أخرى (مثل أميركا وروسيا)، أو إلى التعامل مع الشرق الأوسط وحدهم إذا كان الأمر مهماً جداً لهم. لا حاجة إلى القول إنَّ منهجاً كهذا لن يساعد في زيادة نفوذ أميركا في الشرق الأوسط؛ بل ولن يزيد بالطبع من الاستقرار في المنطقة. ولكن، ربما لن يزعج هذا ترامب إذا خلُص إلى أنَّ الشرق الأوسط ليس بالأهمية التي ظنَّتها الإدارات السابقة للسياسة الخارجية الأميركية. ربما يعتقد بالطبع -ويعتقد العديد من مؤيديه- أنَّ الشرق الأوسط سيظل كتلة فوضى سواء تدخَّلت أميركا بفاعلية أم لم تفعل، ومن ثم فالولايات المتحدة ستكون أفضل حالاً إن تجنَّبت التدخُّل في مشاكل المنطقة المستمرة بدلاً من التعثّر في حلها. تفضيلات السياسة الأميركية والواقع الإقليمي ستكون السياسة الخارجية لإدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط (والعالم) أفضل وأكثر ميلودراميةً من إدارة هيلاري. ولكن بما أنَّ احتمالية أن تصبح هيلاري رئيسةً أكبر، فإنَّ سياستها التي تؤكِّد الاستمرارية في مقابل التغيير هي السياسة التي ستُطبَّق على الأرجح. ومع ذلك، فإنَّ عوامل مثل نفور الشعب الأميركي من التدخُّل، واعتماد أميركا الزائد على نفط الشرق الأوسط، والمخاوف الأميركية المتزايدة بشأن روسيا والصين وأوروبا، والإحساس العام بأنَّ أميركا لا يمكنها تحقيق شيء في الشرق الأوسط - من المرجَّح أن تحدّ من قدرة إدارة هيلاري على تنفيذ سياسة فعّالة في هذه المنطقة. وكما حدث غالباً مع الرؤساء الأميركيين السابقين، ستنتهي إدارة كلينتون على الأرجح إلى تنفيذ سياسةٍ أكثر تفاعلية مع الأحداث في الشرق الأوسط بدلاً من سياسة تركِّز على تنفيذ رؤية إدارتها للمنطقة. بعد أن شهدت فشل الرؤى الكبرى الخاصة بإدارتي كلٍ من بوش وأوباما بفعل واقع الشرق الأوسط، ربما تستغني عن أي رؤية من الأساس وتركِّز على التفاعل مع الأحداث في أثناء وقوعها، إضافةً إلى محاولة احتواء مشاكل المنطقة بدلاً من حلّها. ربما تكون خبرتها في منصب وزيرة الخارجية قد أقنعتها بأنَّ هذا هو الخيار الأفضل، إضافةً إلى كونه أكثر ما يمكن لأميركا تحقيقه. ولكن، سواء كان الرؤساء الأميركيون مهتمين بالشرق الأوسط أم لا، لطالما وجدت المنطقة طريقة لشغل بالهم. وبما أنَّ الوضع كذلك، فسيحدث هذا على الأرجح للرئيس الأميركي القادم أيضاً. - هذا الموضوع مترجم عن شبكة The Sharq Forum التركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط . ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :