الإسـلام أعطـى المـرأة حـق اختيـار شريـك حياتهــا

  • 11/11/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

من مظاهر المعاناة التي تعيشها نساء كثيرات في عالمنا العربي والإسلامي تدخل الآخرين في أهم حق من حقوق المرأة وفرض وصاية غير شرعية عليها في أمر زواجها، فبعض الآباء يزوج ابنته من دون رغبتها وموافقتها على شريك حياتها، وهو ما يؤدي إلى كوارث لها في سجن الزوجية حيث تعيش حياة صعبة وكئيبة مع من فرضوه عليها، ومع ذلك قد يرفض الأب تطليقها بعد الزواج وتخليصها من الزوج الذي حول حياتها إلى جحيم. هذا التدخل السافر يرفضه الإسلام ويدينه حرصاً على حق المرأة في أن تختار بحرية ومن دون ضغوط شريك حياتها، وهنا يجب الاكتفاء بتقديم النصيحة الصادقة من جانب الأسرة حتى لا تحكم المرأة عاطفتها فقط وتختار بعيداً عن الموضوعية ويأتي الاختيار في غير صالحها. توجيهات الإسلام - كما يقول علماء الشريعة - تمثل وقاية وحماية من الإكراه على الزواج، ولو تأملنا قول الحق سبحانه: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون لوجدنا - كما يقول المفكر الإسلامي د. محمود حمدي زقزوق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر - أن الخالق - سبحانه وتعالى - رسم للحياة الزوجية طريقا سويا يحقق كل معاني الألفة والتعاون والتفاهم والحب بين الزوجين. فالأساس الأول للعلاقة الزوجية هو السكن النفسي، وهو أول وسائل الاستقرار العاطفي بين الزوجين حتى يشعر كل طرف من طرفي العلاقة الزوجية بالطمأنينة والأمان النفسي. المودة والرحمة والأساس الثاني الذي أرشدت إليه الآية الكريمة لبناء أسرة متماسكة هو المودة وهي تعني الحب الذي يربط بين القلوب ويؤلف بينها، والحب من أسمى العواطف التي ينبغي أن تشيع في العلاقة بين الزوجين.. وقد ظلمت العادات والتقاليد السائدة في مجتمعاتنا العربية هذه العاطفة النبيلة واعتبرت الحديث عنها في كثير من الأحيان من الأمور غير المرغوب فيها، كما لو كانت عورة من العورات ينبغي إخفاؤها. أما الأساس الثالث الذي تشير إليه الآية الكريمة في الصلة بين الزوجين، والذي من شأنه أن يصون هذه العلاقة من الشوائب، فهو الرحمة. وعندما تسود هذه المعاني النبيلة (السكن النفسي - والمودة - والرحمة) بين الزوجين فستختفي الخلافات والمشاحنات والجرائم التي اقتحمت الحياة الزوجية، وحوّلت حياة كثير من الأزواج والزوجات إلى جحيم. ومن هنا يرفض الإسلام ويدين أن تبنى البيوت على الكراهية، إذ لا بد من احترام مشاعر الطرفين، ولذلك كان من توجيهات الإسلام منذ البداية استطلاع رأي المرأة وعدم تزويجها إلا برغبتها، وأن تترك لها حرية الاختيار كاملة من دون تأثير من أحد. أهم حقوق المرأة يقول د. حامد أبو طالب، أستاذ الشريعة الإسلامية، عضو مجمع البحوث بالأزهر: الإسلام يحرص على توفير الحماية للمرأة في أمر زواجها، لتوفير حياة أسرية واجتماعية مستقرة لها، ولذلك حث على تزويجها بعد بلوغها، ودعا إلى تيسير الزواج لها، فلا يجوز لوليها منع زواجها، كما لا يجوز له شرعاً وضع العقبات في طريق ارتباطها بزوج كفء لها، وهو إن فعل ذلك كان آثما، وأُجبر على تزويجها بمن تختاره إذا كان كفؤاً لها. ويضيف: وإذا كان الفقهاء قد رهنوا موافقة الأهل على زواجها بوجود كفاءة بينها وبين من يتقدم للزواج منها، حرصا على مصلحتها وتوفير حياة زوجية آمنة لها.. فإن بعض الفقهاء لا يشترط الكفاءة ويبيح تزويج البنت بمن ترغب إذا كان ذا خلق ودين، وذلك حرصا على حريتها في أمر الزواج. سألنا أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر: ما حكم الشرع في ولي المرأة الذي يمنع زواجها ممن تريد؟ وهل يجوز له منعها من الزواج عنادا وتسلطا وانتقاما؟ وهل يجوز شرعا إرغامه على تزويجها؟ قال: الزواج في نظر الإسلام أهم حق من حقوق المرأة، فهو أداة السكينة والاستقرار النفسي والبدني فالله - سبحانه وتعالى - يقول: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة.. ولذلك من حق المرأة أن تتزوج وأن تنجب وأن تكون أسرة، ولا يجوز لأحد مهما كان سلطانه في المجتمع أن يحرمها من هذا الحق. والشريعة الإسلامية في أمر الزواج راعت حاجة المرأة كما راعت حاجة الرجل، فالمرأة لها غرائز جنسية تريد إشباعها مثل الرجل تماما، وقد احترم الإسلام غريزتها كما احترم غريزة الرجل، وهذب الإسلام كل الشهوات والغرائز حتى لا تنطلق بغير حدود ولا قيود، لذلك حرم الزنى وما يفضي إليه وأباح للمرأة أن تعف نفسها من خلال علاقة شرعية كريمة بالرجل. لا تبتل في الإسلام وهنا تتضح لنا عظمة الموقف الإسلامي من زواج الرجل والمرأة معاً، حيث حث الطرفين على الزواج ونهى عن التبتل والخصاء، فلا يحل لمسلم أن يعرض عن الزواج مع القدرة عليه بدعوى التبتل إلى الله أو التفرغ للعبادة والتزهد في الدنيا، ومن هنا أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - سلوك بعض أصحابه عندما رأى منهم عزوفاً عن الزواج، وقال لهم واعظا وموجها ومقوما لسلوكهم: والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.. كما أنكر عليه الصلاة والسلام سلوك بعض أصحابه المتزوجين الذين أهملوا زوجاتهم وصاموا وانشغلوا بالعبادة لأن انشغالهم بالعبادة سيترتب عليه حرمان شريكات حياتهم - وهن الزوجات - من حقوقهن، وأعلن أن هذا انحراف عن نهج الإسلام وإعراض عن سنته عليه الصلاة والسلام. وقد اعتبر بعض الفقهاء الزواج فريضة على المسلم - رجلاً كان أو امرأة - لا يحل له تركه ما دام قادرا عليه، وقيده غيرهم بمن كان محتاجاً إليه خائفاً على نفسه.. ولذلك لا يجوز لمسلم أن يصد نفسه عن الزواج خشية ضيق الرزق أو ثقل مسؤوليته، وقد قال عليه الصلاة والسلام ناصحا الشباب وموجهاً إياهم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. والمسلم مطالب شرعاً بأن يسعى وينتظر فضل الله ومعونته التي وعد بها المتزوجين الذين يرغبون في العفاف والإحصان، يقول تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة حق على الله عونهم، الناكح الذي يريد العفاف، والمكاتب الذي يريد الأداء، والغازي في سبيل الله، وقال أيضا: من كان موسرا لأن ينكح ثم لم ينكح فليس مني. آباء عاقون وإذا كان الإسلام قد حمى حق المرأة في الزواج من ظلم وليها ولم يعطه حق منع زواجها ممن تريد إذا كان كفؤا لها، وأعطتها الشريعة حق التظلم من وليها الظالم لها، وأعطى بعض الفقهاء للمرأة حق تزويج نفسها إذا ما تعسف وليها.. فماذا تقول العالمة الأزهرية د. مريم الداغستاني - أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر - لمن يحاولون مصادرة حرية بناتهم في اختيار شريك الحياة ويفرضون على بناتهم أزواجا لا يريدوهن؟ تجيب: الإسلام لا يقر سلوك الأب الذي يفرض على ابنته زوجاً لا تريده لأن في ذلك عدواناً صارخاً على آدميتها، وهذا العدوان يجسد مخالفة شرعية وعقوقاً أبوياً وجحوداً إنسانياً، وهذا الظلم للأسف قائم ويتزايد في كل البلاد العربية، رغم أن الدنيا قد تغيرت، ورغم أن علماء الإسلام يؤكدون كل يوم أنه لا يحق للأب أن يقهر ابنته على العيش مع رجل لا تريده، كما يؤكدون أن الزوج الذي يقبل الزواج من امرأة لا تريده هو إنسان بلا رجولة وبلا كرامة حتى ولو كانت ملكة جمال الكون. وتضيف: الإسلام يدين قهر امرأة على علاقة زوجية لا تريدها وتسبب لها ألماً نفسياً وقد تدفعها إلى الانتحار أو الإضرار بنفسها كما نقرأ ونسمع كل يوم.. ولذلك يجب على كل الآباء احترام حق البنت في اختيار عريسها الذي تشعر تجاهه بعاطفة، كما يجب احترام مشاعر المرأة التي تورطت في زوج متجبر ومتغطرس ومسيء، ومساعدتها على التخلص منه، فهذا حقها الذي منحته لها شريعتها ولا يجوز حرمانها منه. لذلك توجه أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر رسالة للآباء الذين يصادرون حرية بناتهم في اختيار الزوج المناسب وتطالبهم بالتخلص من هذا السلوك الذي يغضب الله عز وجل ويلحق الضرر ببناتهم ويعرض مستقبلهن الاجتماعي والنفسي للضياع، فسعادة المرأة لن تتحقق مع رجل لا تريده حتى ولو كان يمتلك كل ثروات العالم، والزواج الذي لا يبني من البداية على القبول والرغبة الصادقة المتبادلة بين الزوجين لا يمكن أن يستمر ولا أن يكتب له النجاح. وترى د. آمنة نصير أن حق المرأة في اختيار شريك حياتها لا يتوقف عند حريتها في الاختيار من بين من يتقدمون لها، بل من حقها أن تبدي رغبتها هي أو ولي أمرها في الزواج من رجل ترى فيه الاستقامة والمواصفات التي تتمناها في شريك حياتها، شريطة أن يتم نقل هذه الرغبة بطريقة تحفظ للمرأة عفتها وحياءها وتحفظ لأسرتها كرامتها وصورتها الحسنة بين الناس. التزموا بمنهج دينكم الشيخ علي أبو الحسن الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر يؤكد ضرورة تيسير المجتمع الإسلامي الزواج لكل امرأة تحتاج إليه وترغب فيه وتأهلت نفسيا وبدنيا له، ويطالب بإزالة كل العقبات التي تؤخر زواجها وفي مقدمتهاالمغالاة في المهور، حيث يؤدي التغالي في مهور النساء إلى العزوبية، وهي تأخير زواج الرجال، وإلى ما يطلق عليهالعنوسة، وهي تأخير أو تعطيل زواج المرأة وإضاعة فرصة الزواج عليها.. ويقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتاكم - أو جاءكم - من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، والرسول الكريم قال لرجل يريد الزواج ولا يجد ما يقدمه لزوجته كمهر: التمس ولو خاتما من حديد، لكن الناس في مجتمعاتنا يفرضون تقاليدهم البعيدة عن روح الإسلام بطلب مبالغ كبيرة كمهور، وهذا أمر إن رضي به واحد واستطاع لا يقدر عليه الآخرون. لذلك ينصح الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر كل أولياء أمور النساء بأن يلتزموا بمنهج الإسلام المعتدل في كل الأمور، فالدين الإسلامي دين وسطية واعتدال في كل شيء وتوجيهاته تصب في مصلحة الإنسان دائما - رجلا كان أو امرأة - ولننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي زوج رجلاً وجعل صداق زوجته أن يحفظها القرآن، بل زوج الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه للسيدة فاطمة رضي الله عنه وجعل مهرها درع علي، فالمهر يكون بأي شيء له قيمة. وإن كانت هناك عقبات كثيرة أخرى تقف في طريق إتمام الزواج مثل ارتفاع تكاليف العرس ومسكن الزوجية والظروف الاقتصادية التي يعانيها الشباب نتيجة البطالة وغلاء الأسعار وما شابه ذلك فإن هناك وسائل عديدة يمكن للمجتمع من خلالها تيسير أمر الزواج أهمها دور الآباء وأولياء أمور النساء بعدم المغالاة في المهور والطلبات والتكاليف الباهظة في حفلات الزفاف أو تأثيث بيت الزوجية.

مشاركة :