الشارقة:محمد ولد محمد سالم يبرز في واجهة جناح دار نهضة مصر كتاب سيدونيه للكاتبة الإماراتية نورة النومان، وهو الجزء الثالث من رواية أجوان التي كانت الكاتبة أصدرت منها جزأين، وهي رواية من الخيال العلمي، كتبتها النومان كما تقول من أجل سد فراغ في المكتبة العربية، حيث لاحظت قلة الكتب العربية التي تتناول هذا الجانب، وتقدم للمراهقين مادة تضاهي قصص الخيال العلمي الأجنبية، ما حدا بها إلى خوض التجربة التي أثمرت حتى الآن هذه الثلاثية. يروي الجزء الأول من رواية أجوان الذي جاء بالاسم نفسه، حكاية البطلة -أجوان- التي كانت تعيش على كوكب يتنفس أهله الماء والهواء، وهم شعب مسالم يعيش تحت الماء، لكن الكوكب الذي يعيشون عليه يتدمّر فيهلك الكثير منهم ويتشرد الكثير، ويحدث دمار غامض في عدة كواكب أخرى، وتفقد أجوان أبويها وزوجها، وتصبح لاجئة في كواكب لا تجد فيها قريباً ولا صديقاً، ويبقى أملها الوحيد في استعادة الأهل معلقاً على الكوكب الذي تحمل في أحشائها، لعله يولد ويتربى بين يديها فيؤنسها، ويكون لها أهلاً، لكنّ جماعة مسلحة تهجم عليها، وتنتزعه من بطنها وتختطفه، لتبدأ أجوان رحلة طويلة من البحث عنه، لكن كل جهودها للعثور عليه تبوء بالفشل، بيد أنها لا تستسلم، فتواصل مغامرة البحث عن ابنها، وقد أيقظ الجرح فيها قوى خارقة ما جعل القوات المسلحة للكوكب الذي استقرت عليه، تضمها إلى وحدة مقاتلة خاصة، وكان أمل أجوان أن تستفيد من انخراطها في السلك العسكري، في أن تجد طريقة للعثور على ابنها، وكان التدريب قاسياً وكابوساً شديداً بالنسبة لها، لكنها رضخت له، وتقبلته أملاً في الوصول إلى ابنها، وأصبحت تسافر مع مجموعاتها لتنفيذ مهمات عسكرية خطيرة في كواكب أخرى، وقد تعرضت لأزمة أخلاقية فهي غير راضية عن العمليات العسكرية التي تنفذها وحدتها، والتي تصيب أناساً بريئين، ولذلك كانت تتهرب من مباشرة القتل، وتترك المهمة لزملائها، لأنها لم تتعلق بالعمل العسكري إلا من أجل أن تعرف مكان ابنها، وتصل إليه، وينتهي هذا الجزء من الكتاب دون أن تصل إلى ابنها. في الجزء الثاني بعنوان ماندان تواصل أجوان البحث عن ابنها، وكانت تطلق عليه ماندان، وتتحول أجوان من الضحية والمغلوبة على أمرها إلى جندية قوية قادرة على المواجهة، والأخذ بزمام المبادرة، والتخطيط للوصول إلى أهدافها، وتفلح مرات عديدة في الإيقاع بأعدائها، وفي كل مرة تحس فيها بالإحباط واليأس تعود لتجد في دواخلها ما يحفزها على المقاومة ومواصلة البحث عن ابنها، لتصبح نموذج شخصية، وتواصل مهماتها العسكرية الخطيرة، وتعثر على ابنها، وبعد حروب وصراعات وخطط ضد الطارق الرجل الشرير الذي يمتلك خوارق غير عادية ويتحكم في شعبه، ويدير الحروب العرقية والطائفية التي تدمر سكان كوكب إيسبلندور، تتمكن من إنقاذ ابنها من قبضة الطارق الذي كان هو الخاطف له، وهو الذي أمر باختطافه، لكنّ ابنها، ماندان، لم يعد طفلاً، فقد تعرض لتجارب خطيرة لتحويله إلى جندي خارق، واستخدمت له طرق تهجينية لزيادة عمره ليصبح خلال عامين شاباً بعمر السادسة عشرة. أما في الجزء الثالث من الرواية سَيْدونيَة، التي صدرت حديثاً، فتنتقل أجوان مع ابنها للعيش على كوكب نازاني، وتأويها أسرة كانت ذات شأن في الماضي، لكن أفرادها تعرضوا للنفي من مملكة سيدونية، تكتشف أجوان أن الملك رجل شرير ومجنون، وبأن عليها أن تساعد أسرتها الجديدة على استرداد حقوقها، والتخلص من الطاغية، وتدخل من جديد في مغامرات جديدة، تبطل فيها دسائس تحاك ضد أسرتها وابنها، وتضطر إلى التخفي خلف اسم آخر، وتنتهي الرواية على مشهد أخير تسقط فيه أجوان مغمىً عليها، وهي تحاول الوصول إلى ابنها لكي تحول بينه وبين الموت، وتسيل منها الدماء، وتتركها الكاتبة على تلك الحال بين الموت والحياة، لتبعث في القارئ سؤالاً، عما إذا كانت أجوان ستنجو من سقطتها أم ستموت، وذلك لتهيئه لقراءة الجزء الرابع الذي وعدت به الكاتبة. رغم أن الرواية خيالية علمية فإنها تحمل بصمات إنسانية، فالصراع بين الخير والشر هو صراع بشري، يحدث على الأرض، والنزاعات العرقية والحب والكره كلها نوازع بشرية، فالكاتبة، تتمثل نموذج الإنسان حتى وهي تذهب بقارئها إلى الفضاء البعيد عن الأرض التي يعيش عليها الإنسان، وتصنع له عالماً من الناس الخارقين، لكن روح الإنسان وتداعياته النفسية وتفكيره تبقى ساكنة في أعماق الرواية. كما تظهر في الرواية خبرات في أدب الخيال العلمي ومعرفتها المعمقة بطرق الكتاب والمخرجين السينمائيين في صناعة الأحداث وتطويرها اعتماداً على عدة أدوات فنية، فتوظف الكاتبة كل تلك الأدوات، وهي متنوعة منها: التقنيات الإلكترونية والتكنولوجية المتقدمة والخارقة بالنسبة لعالم البشر اليوم، مثل المركبات التي تجوب الكواكب في لحظات، والمجهزة بأجهزة خارقة، والأسلحة الذكية والأسلحة الخارقة.
مشاركة :