قراءة: يوسف شغري عن دار الشيماء في الجزائر صدرت المجموعة الشعرية الموسومة «غيوم الشوق لم تمطر». وهي باكورة أشعار القاصة والشاعرة الجزائرية «مونية لخذاري». جاءت المجموعة بـ «35» نصاً شعرياً من نوع قصيدة النثر ضمن «80» صفحة، عبّرت الشاعرة عبرها عن شوق الانسان لأن يُحِب وأن يُحَب، حيث ينداح ذلك الشوق على مجمل التجربة التي تقدمها الشاعرة في المجموعة. وتلجأ الشاعرة إلى الأُس العميق لقصيدة النثر وهو التصوير الفني بالكلمات، وابتكار المشهد الشعري الذي يتتابع ليصل إلى قفلة القصيدة المدهشة التي تترك رعشة الشعر تنتاب المتلقي! ففي أولى قصائد المجموعة «أنثى الخريف»، تتابع الصور الشعرية المدهشة، تقول الشاعرة: «كل ما تحتاجهُ / تجديد أغصانها / واعتذار لأوراق سقطت خضراء!» (ص 6) فهنا تشبه الشاعرة نفسها بالشجرة التي تحتاج أن تجدد أغصانها، وتعتذر لسقوط أوراقها الخضراء. وغني عن الذكر ما لتشبيه الانثى بالشجرة من ظلال المعاني الغنية كالخصب والولادة والخضرة التي هي أساس الحياة. وفي «قعقعات السماء» تكتب «مونية»: «انكسر شيئ في قلبها / ففقد الوطن بصيرته» (ص 13) هنا تركيب لغوي محكم وتصوير مبدع: عند ما ينكسر شيئ في قلب المرأة فإن الوطن برمته يفقد بصيرته للتو! وتصور الشاعرة لخذاري بتتابع المشهد البصري من خلال التقطيع والتتابع الموجز نرى ذلك في قصيدتها «الموت الأخير»: «كلامٌ / وطاولة ومقعد / كأس ووردة ذابلة / دون جدران وصدى الليل / ضجيج صامت / وأشعة ضاحكة بدون موت لحقيقة كلينا / أنا أنتَ مهما كان !» (ص 20 -21). ولننظر في قصيدتها «المتاهة» إلى هذا التصوير المبدع: «زرع ورداً في أرضي المعتمة / أشرقت الشمس / وأقامت الفراشات والعصافير حفلاً / بين أضلع بساتيني / ملأ النحل قوارير العسل بأنفاسي» (ص 22) كل ذلك حدث عند ما قال لها كلمة: «أحبك» بهذا التصوير المرهف: زرع في أرضها المعتمة قبله ووروداً، وأشرقت الشمس فأضاءت العتمة، وأقامت العصافير والفراشات حفلاً بين أضلع بساتينها، وملأ النحل قوارير العسل بأنفاسها.. تصوير مبدع رائع. وكما هو واضح من أسلوب الشاعرة، فإنها تلجأ إلى العبارة الموجزة وتزيح الكلمات عن معانيها المعهودة لتصل بالمتلقي إلى رعشة الشعر. فكم هو رشيق هذا التتابع في الصور الفنية المشبعة بالعاطفة المشبوبة في قولها: «مشّطَ ذاكرتي بذكراه/ بنى سواراً حول بساتيني / جمعها إلى حديقة له / أطلق عصافيره تغرّد على أغصان قلبي». (ص 24) فهل للمرأة بساتين ؟ وهل لقلبها أغصان؟! وتعتني الشاعرة مونية بموسيقى النص، فنشعر بإيقاعه بتكرار مقطع ما أو كلمة أو حرف ما. ففي قصيدتها «لو كنت غريباً» مثلاً، نراها تكرر العنوان في تضاعيف النص كما تكرر كلمة «وعدتك» حتى يختتم النص بعبارة «لو كنت غريباً» (ص 9 – 10) ونشعر بذلك في قصيدتها «احتاج لأشتاقك» عندما تكرر كلمتي «أحتاج» و«أن» على التتابع لتنبعث موسيقى في النص، وكذلك باستخدام همزة القطع في مطلع الأفعال المضارعة للمتكلم مثل «أناديك، أركض، أقرأ،...» (ص 14 – 15). ونشير أخيراً إلى بعض النصوص التي ربما احتاجت إلى تشذيب أكثر كما في قصيدة «أشرعة الخوف» حين تقول: «أحبك / هذا معناه /..» فالشعر لا يفسر وكان من الأفضل حذف «هذا معناه» والاكتفاء بنقطتين بعد «أحبك:..» فالنقطتان تعني التفصيل الذي سيأتي بعد «أحبك». وكان من الأفضل حذف «ان» في السطر الرابع والخامس.. في كل الأحوال، فإن الشاعرة مونية لخذاري في مجموعتها الأولى هذه، تدلف بقوة عالم الشعر والإبداع والتصوير المبدع الجميل.
مشاركة :