مشعل الفوازي: شعراء الثمانينيات أقرب للشعر

  • 11/12/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لكل مثقف محطات مهمة في تجربتة، وفي الشعر تحديدًا يمر الشاعر بعدد من المحطات والمراحل التي تشكل في مجملها تجربته الشعرية، قد تقوده محطة ما إلى نجاح آخر وتشكل له منعطفا مهمًا بتأثيرها المعنوي، وربما تزرع فيه نفسيته الاحباط وتخلق له حالة من الملل في مرحلة، ولكنها تبقى بتفصيلها الصغيرة في الذاكرة تستعيد قراءتها وتفاصيلها في لحظة كتابية فيها من الحميمية الشيء الكثير.. الشاعر والناقد مشعل الفوازي هنا يسرد لكم بعض محطات تجربته الشعرية والإعلامية والكتابية أيضًا.. • كنت في نهاية المرحلة الابتدائية أواخر السبعينيات الميلادية،عندما كان أول معلم سعودي يدخل مدرستنا، ويحثنا على القراءة الحرة، ويذكر لنا بعض أسماء الكتاب والأدباء الذين يجب أن نقرأ لهم، ويذكر منهم جورجي زيدان، الذي حفظت اسمه منذ تلك اللحظة لغرابته! كان الاسم غريبًا، موحشًا، في قريتنا المسالمة الهادئة التي لا تعرف من الحياة المدنية إلا الراديو الذي يذكر على استحياء وريبة عند بعض أهل القرية. • بعد خمس سنوات كنت أتصفح أكثر من مؤلف لجورجي زيدان بعد أن أحضرها لي أحد أقاربي من الخارج، لكني لم أفقه منها شيئًا، مثلها مثل تلك الكتب الضخمة التي كنت استعرتها من مكتبة المدرسة، وأبقيتها عندي، في محاولة لفهم مستقبليّ لها، ثم استوطنت مكتبتي الصغيرة، إلى أن تعين أخي مديرًا لمدرستي السابقة بعد ثلاثين عامًا، وخيرني بين أن أعيدها أو سيتهمني بالاختلاس. • أول نشر لي كان عبارة عن تعقيب أشعل فتيل معركة الحوار حول الشعر الشعبي في بداية الثمانينيات، حيث كتبت تعليقًا في جريدة الجزيرة على رأي للأديب يحيى المعلمي عن الشعر الشعبي، ودار بيني وبينه حوار غير متكافئ.. حوار بين العقل والنضج والأدب، وبين الحماسة والطيش، وبمجرد أن شارك بالحوار الدكتور فهد العريفي انسحبت بهدوء وتركت الحلبة للعمالقة. • جريدة الجزيرة نشرت أول قصيدة لي، وكانت تقول (بالي من المرقاب والله ما طاب) • (رؤى أدبية) أول برنامج أعددته وقدمته على قناة المرقاب، وكان بسبب نخبويته غريب كصالح في ثمود، الأمر الذي جعلني أقرر إيقافه، لكني قبل أن أنفذ ذلك تلقيت مكالمة كريمة من الرمز سليمان الفليح -يرحمه الله- دون سابق معرفة أو أي تواصل، مشيدًا بالبرنامج، مطالبًا باستمراريته - دون أن يعرف رغبتي بإيقافه - الأمر الذي بث فيّ الحياة، ليستمر البرنامج لأشهر طويلة. • أول مشاركة لي كعضو لجنة تحكيم، كانت لشعراء منطقة القصيم الشباب،ثم توالت المشاركات التحكيمية، التي تجاوزت العشر، منها أكبر مسابقتين فضائيتين في المملكة (سلامة سلطان) و(شاعر الملك). • من التبجح أن أطلق على نفسي أي صفة لها علاقة بالوعي، لكني أعتقد أنني قرأت أكثر مما يجب قبل أن أكتب هذه القراءات ربما كانت قيدًا، وحجر عثرة في طريق القصيدة، وأعتقد أن هذه الرؤية غير بعيدة عن ما قاله الجميل محمد جبر الحربي.. أيها الوعي: أفسدت ذوق المغني! • بعد نضوج التجربة الشعرية، ومضي سنوات طويلة من الركض في دروب الشعر، وجدتني أقف مجددًا لأسأل نفسي عن الشعر.. ماذا نريد منه وماذا يريد هو؟ هل علينا أن نخلص له، ونرمي كل ما سواه خارج أسوار اهتماماتنا، أم نخلص لأنفسنا بما لا يخذل القصيدة ولا يهمش/ يهشم الشاعر.. في مرحلة هي مرحلة الشاعر الذكي الذي جعل من القصيدة سلمًا للنجومية والمجد والثراء والحظوة الاجتماعية.. مع استبعاد الحل الوسطي بالموازنة بين الحالتين، فالقصيدة لا تقبل أنصاف الحلول في هذه الحالات. • ربما بسبب هذه الإشكالية، يدور الصراع بين قصائدي.. وأيهم الابن الشرعي لي، ومن يمثلني في فضاءات الشعر، ومن يكون عاقًا دخيلًا على أوراقي.. فيما أحاول أن أكون توافقيا مقربا لوجهات النظر، مع قناعتي التامة بآخر سطرين كتبتهما بالفقرة السابقة. • قريب من هذا أقول: كان شعراء الثمانينيات، أقرب للشعر، لكن الشعراء الآن أعلم به، ولذلك تكثر التنظيرات الشعرية في مرحلتنا الراهنة، ويدور الجدل كثيرًا حول الجزئيات، وأرباع الموضوعات لكن القيم الشعرية تقل عن هذا الصخب، فيما كان 90% من شعراء الثمانينيات، وما زالوا لا يعرفون أسماء البحور والتقاطيع العروضية، وبعضهم يخرج من بحر لبحر في النص الواحد، وبعضهم ربما كتب أبيات مختلة الوزن، لكنهم كقيم شعرية يمثلون المرحلة الأهم والأقرب للشعر.

مشاركة :