تنشغل إسرائيل، كما غيرها من دول العالم، في محاولات استشراف السياسة التي سيسلكها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في الملفات المختلفة ومدى تأثيرها على الحلبة الدولية، بما فيها الشرق الأوسط، وفي مقدمها ملفا الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي وإيران النووي. وعلى رغم احتفالات أقطاب اليمين وقادة المستوطنين بفوزه، إلا أن النغمة السائدة في إسرائيل تقول بوجوب التريث في إطلاق أحكام مطلقة «خصوصاً أن الحديث هو عن شخصية غير متوقعة». ونشرت وسائل الإعلام أمس وثيقة وضعها «مركز الأبحاث السياسية» المسؤول عن بلورة تقديرات الاستخبارات في وزارة الخارجية حاول فيها استقراء سلم أولويات الرئيس المنتخب اعتماداً على تصريحاته عشية الانتخابات، وخلص إلى الاستنتاج الأول بأن ترامب سيبدأ ولايته بالنأي بنفسه عن السياسة الخارجية للرئيس باراك اوباما، وذلك ضمن رؤيته بأنه يجب تخفيف عبء الضلوع في حلبات خارجية، ورغبته في التمحور في التحديات الداخلية. وأضافت أن ترامب سيعمل في الوقت ذاته على تعزيز المكانة الدولية للولايات المتحدة، وأنه كرجل أعمال سابق يحلل الأمور بميزان الربح والخسارة، ما يعني أن السياسة الخارجية لإدارته ستركز على المصالح الأميركية الآنية والضيقة، وليس من خلال نظرة واسعة وشاملة. ويرى معدا الوثيقة التي أرسلت إلى سفارات إسرائيل في العالم، الباحثان يحيعام بروط وليراني نوول، أن تصريحات ترامب لا تؤشر إلى أن لديه اطلاعاً كافياً على القضايا الدولية، وأن سياسته في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ليست واضحة تماماً، وإن كان «لا يرى في الشرق الأوسط استثماراً حكيماً»، وأن العملية السياسية ليست في رأس سلم أولوياته. وتنوه الوثيقة إلى تصريحات ترامب خلال معركته الانتخابية الداعمة لإسرائيل بلا تحفظ، «لكن هنا أيضاً نجد ثمة تناقضات، فمن جهة أعلن أنه ينبغي على إسرائيل أن تدفع مقابل الدعم العسكري التي تتلقاه من الولايات المتحدة، ومن أخرى أكد أن الدعم العسكري هو استثمار ممتاز». ويقتبس معدا الوثيقة من ورقة المواقف السياسية التي أعدها مستشارو ترامب قبل الانتخابات في ما يتعلق بإسرائيل، وجاء فيها أن اتفاق الدعم العسكري (الذي أبرم أخيراً بين واشنطن وتل أبيب بقيمة 38 بليون دولار لعشر سنوات) هو خطوة أولى، وأنه لا يمنع من الإدارة الأميركية أو الكونغرس توسيع هذا الدعم أكثر من المبلغ المذكور، علماً أن الاتفاق يتضمن ملحقاً وقع عليه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بعدم طلب أي دعم إضافي. وتابعت الوثيقة أن تصريحاته في شأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لا تشير تماماً إلى سياسة واضحة ومنتظمة، «إذ إلى جانب تأييده نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وحق إسرائيل في البناء في المستوطنات، فإنه أدلى بتصريحات أخرى أكد فيها أنه سيكون وسيطاً نزيهاً، وأنه ينبغي على الأطراف بلورة صفقة بينها». كما تشير الوثيقة إلى أن ترامب أطلق تصريحات متضاربة في شأن التزامه أو عدمه بالاتفاق النووي مع إيران، «فمن جهة انتقده بشدة، لكنه في المراحل الأخيرة من المعركة الانتخابية تجنب الدعوة إلى إلغائه، وشدد على أنه سيحرص على تنفيذ بنوده بدقة». وفي الشأن السوري، لفت الباحثان إلى أن تصريحات ترامب أشارت إلى أنه سيتبع سياسة مغايرة تماماً عن القائمة اليوم، وأنه أعلن أنه يجب فحص إمكان وقف الدعم للمتمردين في سورية، كما أيد ضمنياً بقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم، ودعم الوجود العسكري الروسي في سورية، ومواصلة الحرب على «داعش». وخلصا إلى أن حقيقة أن اطّلاع الرئيس الأميركي المنتخب على القضايا الدولية «محدوداً» سيمنح ثِقلاً للطاقم الذي سيحضره معه إلى البيت الأبيض، «إذ سيكون ذا تأثير كبير وواسع على تحديد الأجندة في القضايا المختلفة». في غضون ذلك، قال رئيس ما يسمى «اللجنة المحلية للبناء» في مدينة القدس المحتلة مئير ترجمان أنه يستعد للمصادقة على البدء في بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في مدينة القدس. وأفاد موقع الإذاعة العبرية «ريشت بيت» أمس بأن هذه الوحدات الاستيطانية التي تم تجميد تنفيذها بناء على ضغوط من الولايات المتحدة، حان الوقت للبدء في تنفيذها بعد انتخاب ترامب.
مشاركة :