ما ان تتمعن بين ثنايا الفقرات التي تضمنها مشروع التسوية التاريخية أو المصالحة المجتمعية التي طرحها التحالف الوطني في العراق، وروج لها كثيرا في وسائل الاعلام مؤخرا، حتى تجد نفسك انك أمام جملة من الملاحظات المهمة، بل والخطيرة بشأن ما ورد في هذا المشروع السياسي من محاور وتوجهات ومثالب، يمكن أن ندرجها على الشكل التالي: 1. ان المشروع وضعه طرف سياسي يهيمن على العملية السياسية برمتها، وهو من يحاول تسويق أفكاره ورؤاه على الآخرين،دون ان يمنح الشركاء السياسيين قدرا من المشاركة في صياغة هكذا مشروع سياسي مهم، ويتعلق بمستقبل شعب ومصير قوميات ومذاهب وقوى سياسية لها توجهات ومطالب ورؤى ربما تختلف كليا مع هذا المشروع، الذي يعد مشروعا فوقيا إن صح التعبير، أثبت من جديد ان الآخرين سيبقون مهمشين وادوارهم ثانوية، وان التحالف الوطني هو الوصي الذي يفرض وصايته على المكونات الأخرى، وما على الأخرى الا ان يقبلوا به على مضض، ولا يحق لهم ان يكون لهم رأي أو موقف أو دفاع عن حقوق مكونات، وكأن التحالف الوطني هو من يحق له أن يمنح الآخرين حقوقا وإمتيازات وما على الآخر الا ان يقبل بها. 2. ان الشروط التي وضعها التحالف الوطني في هذا المشروع لا تختلف عن كل المشاريع السابقة، في انها تسوق لمشروع طائفي أكثر منه مشروعا عراقيا وطنيا جامعا، وهو يعيد فرض نفس الشروط التي وضعها قبل اكثر من عشر سنوات، وأعاد تكرارها بين ثنايا أغلب فقرات هذا المشروع، بطرق احتيال مختلفة، بالرغم من أن أي متتبع له دراية بمشاريع من هذا النوع يكتشف ان هذا المشروع لايختلف كليا عن كل ما سمي بمشاريع المصالحة الوطنية الاستعراضية السابقة، وهو يعيد اجترار فقراتها، وأعاد توزيعها مرة أخرى بين ثنايا فقرات مختلفة المضامين، وكأن العراقيين من الطوائف والقوميات الأخرى غافلون أو مغفلون ويمكن فرض الأمر الواقع عليهم، كونهم يمرون بأزمات حياتية وسياسية دمرت مستقبلهم وهم مشغولون بترتيب بيتهم الداخلي بعد سلسة النكبات والمآسي التي مروا بها، وحملات التهجير والنزوح التي تعرضوا لها ليتم فرض مشروع سياسي في تلك الانشغالات الكبرى والظروف المأساوية، لكي يقبلوا به على مضض. 3. يغفل المشروع حقيقة اساسية أن العراقيين كشعب متصالحون منذ مئات السنين فيما بينهم ولا توجد لديهم مشكلة في الاندماج المجتمعي، لكن المشكلة في وجود هؤلاء الساسة الذين جاءوا الى سدة الحكم وقسموا البلد الى طوائف ومذاهب وقوميات وأقليات، وكان التحالف الوطني ومن قبله الائتلاف الوطني العراقي السابق هو من وضع مشروع النظام السياسي الذي فرضه بالاكراه على العراقيين وخارج ارادتهم وتحت سوط الاحتلال حتى من أطياف سياسية من داخل طائفتهم، ولم يكن بمقدورهم في وقتها معارضة توجهات من هذا النوع. لكن ما إن صحا كثير من العراقيين واستفاقوا من غفلتهم، حتى راحوا يرفضون محاولات من هذا النوع لمحو وجودهم او لنقل ترويضهم على الأقل لحين توفر الظروف الملائمة لكي يكونوا هم من يقررون على الآخرين ويفرضون عليهم رؤاهم والاخرون يبدون وكأنه لا حول لهم ولا قوة، حتى يبسط التحالف الوطني سيطرته الكاملة على المحيط الاقليمي بأكمله بالتناغم مع المشروع الايراني، الساعي الى فرض املاءاته على العراقيين جميعا بضمنهم أطراف مهمة في التحالف الوطني، ان لم يكن بعضهم ادوات طيعة لهذا المشروع الايراني ينفذون سيناريوهاته، شاءوا ام أبوا. 4. ان طروحات تسويقية من هذا النوع لا يكون للشركاء الحقيقيين دور في صياغة أسس وبنود هذا المشروع، لا بد وان يكون غير مقبول، وليس من المنطقي ان يسعى طرف لفرض وجهات نظره على الآخرين دون ان يشركهم في صنع قرارهم الوطني الذي يتعلق بمستقبل عيشهم ووجودهم وهويتهم وانتمائهم، واذا بهم، يتفرجون على مستقبل البلد ولا يكون بمقدورهم ان يرسموا خلاصهم، وهو ما يجعل هذا المشروع ميتا منذ ولادته، ولن يكون اسهامة تسعى للانتقال بأحوال العراقيين الى ألحالة الأفضل التي يتمنونها، وهي ان يعود الوئام والتعايش المشترك بلا طوائف او اقليات، وان العراقيين كلهم سواسية ليس لأحد فضل على الآخر، وليس من حق الآخر تحت وصاية الأغلبية المزيفة أن يحاول فرض شروطه واملاءاته على الآخرين. 5. لقد اعاد المشروع الذي طرحه التحالف الوطني نفس العنجهيات السابقة لإختلاق الذرائع وكيل التهم للاخرين، فهو اما بعثي أو صدامي أو داعشي أو تكفيري أو وهابي أو قومي أو شوفيني أو طائفي او يمرر افكارا بين ثنايا رؤاه يفهم منها انها تشكل مخالفة لفقرات هذا المشروع أو يشم منها رائحة لا يستسيغها التحالف الوطني، أي ان التهم بقيت جاهزة، لتوجيهها بنفس الوجهة التي أصابت بويلاتها ملايين العراقيين، وستبقى تطبق لعشرات السنين، وهي نفسها التي يعاد اجترارها، وبخاصة ما ورد في قوانين الاجتثاث والمساءلة والعدالة لتوجيه التهم الباطلة للايقاع بمكونات مهمة، والعمل على اذلالها وابقائها ترزح تحت هيمنة الأغلبية، أما الآخرون فهم أقليات لايحق لهم ان يقيموا دولة مدنية تؤسس لمشروع وطني عراقي جامع، يزيل الحيف عن مجتمع بأكمله عانى من محنة الاهمال والسياسات العقيمة، ولم يجد من سبيل أمامه سوى رفض الواقع الفاسد المرير، والسعي لبناء عراق موحد، يشترك كل العراقيين هذا المشروع الجديد. 6. يجري الترويج للمشروع الحالي في وقت يردد قادة كبار في التحالف الوطني وزعماء قوى سياسية انهم يريدون من الحشد الوطني ان يحافظ على نظام حكم الشيعة ويطلق آخرون نهارا جهارا على من يشاركهم العيش انهم من انصار يزيد ومعاوية، بل ان رئيس التحالف الوطني يريد بناء جيش حسيني. وهنا يتساءل ملايين العراقيين ما هو مصير الجيش العراقي وقواتنا الأمنية وقد أثبتت وجودها الفاعل في سوح المعارك، اذ أردنا ان نبني جيوشا تحت عناوين طائفية، الا تتعارض توجهات من هذا النوع مع مشروع سياسي يقال انه يريد ان يقيم مشروع الدولة واذا بهم أنفسهم من ينسفوا المشروع حتى قبل ان يتم طرحه على شركائهم في المصير؟ هذه ملاحظات مهمة وخطيرة أردنا استعراضها كملاحظات على مشروع من هذا النوع، أسموه التسوية التاريخية وهو مصطلح عريض مهلهل وكأن العراقيين غافلون أو مغفلون ليس لهم عقول تدرك وبشر يحترم وعقائد ينبغي ان توضع في الاهتمام، لهذا فان مشروعا من هذا النوع سوف لن يرى النور، ان بقيت فقراته على هذه الشاكلة، وهو مشروع تدميري للعراق اكثر من كونه مشروعا وطنيا يوحد العراقيين ويزيد من حالات التماسك واللحمة بين مكوناتهم! حامد شهاب
مشاركة :