المخاطر التي تواجه التراث الحضاري في عالمنا العربية كثيرة ومتشعبة، وهي- للأسف- كفيلة بان تؤدي إلى اختفاء جزء كبير من عناصره، ما يدعونا إلى دق ناقوس الخطر والانتباه لمثل هذه القضية بكثير من الوعي، والتحرك الذي يسير في اتجاه المحافظة على هذه الموجودات الإنسانية المهم على الأراضي العربية. وفي حقيقة الأمر... فإن مشاعري تميل كل الميل إلى القديم خصوصا في مجال الآثار والتراث والحضارة، لقناعتي بان هذا القديم هو الامتداد الذي وصل بنا إلى الحاضر، وسيصل من خلال الحاضر إلى المستقبل، فالمسألة تتمثل في منظومة أو صيرورة تتقابل فيها الأزمنة وتتلاحق كي تنتج الحياة التي نعيشها وستعيشها الأجيال القادمة. وهناك مثل عربي يقول: «من ليس له أول ليس له آخر»، هذا المثل يعبر خير تعبير عما أريد قوله... وبالتالي فقد تابعت بكثير من الاهتمام مؤتمر الآثار والتراث الحضارية في الوطن العربي، وربما كان أكبر ما لفت نظري في هذا المؤتمر- الذي احتضنته الكويت في دورته الأخيرة- استخدام مفهوم «الوطن» العربي وهو مفهوم كدنا أن ننساه، ليحل محله مفهوم «العالم» العربي، ففي ما مضى لم يكن في الوجدان من تعريف لتجمعنا العربي إلا مفردة «وطن»، إلى الدرجة التي جعلت هذه المفردة أمرا اعتياديا يجري على الألسنة وفي مداد الأقلام، أما الآن فأتت المسألة مختلفة، وأصبحنا لا نستخدم مفردة «الوطن» للتعبير عن تجمعنا العربي، واستبدلناها بمفردة «العالم»، هذه ملاحظة مهمة أردت أن أخبركم بها، لأنها أسعدتني، كوني إنسانا عربيا أريد ألا تفرقنا السياسة ولا الحدود عن عروبتنا الواحدة. نعود إلى ما احتواه هذا المؤتمر من جلسات ومواضيع، أرى أنها مهمة وضرورية ويجب أن توضع في الحسبان، خصوصا تلك المتعلقة بالتراث الحضاري في فلسطين، وما يتعرض له من نهب إسرائيلي منقطع النظير تحت مرأى ومسمع العالم، والمحاولة الصهيونية الجريئة في نقل تبعيته إلى كيانهم الطارئ، وكأنه يخصهم وحدهم، بينما الأدلة والمظاهر تثبت عروبة هذا الإرث الحضاري، حتى الفلكلور الفلسطيني نراه يتعرض لمحاولات صهيونية حثيثة لسرقته، كما أن المؤتمر تضمن في جلساته أوراقا بحثية كثيرة أعطت فكرة موسعة عن المخاطر التي تواجه هذا الإرث العربي التراثي والحضاري، والسبل الكفيلة للمحافظة عليه من الاندثار أو السرقة، وانتقاله عن طريق تجار الآثار إلى أماكن أخرى غير عربية، في ما تضمنت التوصيات الأخيرة الكثير من النقاط المهمة مثل وضع آليات تحافظ على موروثنا العربي من النهب، في ظل الفوضى العارمة التي تعيشها بعض الدول العربية. لقد قطع المؤتمر شوطا كبيرا في جلساته التي أقيمت على أرض الكويت برعاية وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود، وبتنظيم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مما يعطي لنا انطباعا إيجابيا بالوجه الحضاري والثقافي للكويت التي ترعى وتساند مختلف القضايا العربية، بكل ما تمتلكه من إمكانيات وما تحمله من مشاعر صادقة تجاه المواقف والتحديات العربية المشتركة سواء كانت ثقافية أو سياسية أو اقتصادية... هذا هو موقف الكويت الذي لم ولن يتغير وسيظل هو العنوان الحقيقي للكويت. * كاتب وأكاديمي في جامعة الكويت alsowaifan@yahoo.com
مشاركة :