من سمات المجتمع المتحضر تعدُّد القراءات واختلاف وجهات النظر، دون الإساءة لأحد، فنحن مع الأسف لم نتربَّ على سماع الرأي الآخر، وإنما تعودنا على قمع الرأي الآخر، أعني هنا الموروث الديني والعقائدي لكافة المجتمعات الإنسانية سواء اتفقنا معها أو اختلفنا، مع الأخذ في الاعتبار بالنقد البنَّاء الذي يعطي حالة من الإثراء المعرفي بعيداً عن التجريح والتسقيط والتشويه وتصفية الحسابات التي تصب في آخر المطاف في فوضى المجتمعات، أو كما تسميها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس تكون حالة سياسية بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث يقوم بها أشخاص معينون بدون الكشف عن هويتهم وذلك بهدف تعديل الأمور لصالحهم، أو تكون حالة إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة من أشخاص معروفون من أجل مساعدة الآخرين في الاعتماد على أنفسهم. ولن يكون حديثي حول الفوضى السياسية وإنما الفوضى الاجتماعية إن صح التعبير داخل مكونات المجتمع الواحد خاصة إذا كانت بين رجال دين أنفسهم والهدف من ذلك الصراع نفوذ اجتماعي والرقص على أجساد من لا يحسنون صنعاً ولا يدركون معنى الهيمنة والتجييش وتأليب شريحة على شريحة داخل الفكر والمعتقد الواحد. يصف الدكتور صادق السامرائي الفوضى على أنها طاقات عشوائية تبحث عن إيقاع ينظمها ويستوعبها. والفوضى الخلاقة هي التي يتم تعجيز قدرات استيعابها، فتحقق اضطرابات سلوكية ذات تداعيات سلبية متنامية، تساهم في زيادة الطاقات السائبة والتفاعلات المتصادمة أي أن البشر فوضوي الطباع وسلوكه يؤكد ذلك ويعززه، والأمثلة القديمة والمعاصرة لا تحصى، وفي أي مكان وزمان يمكن للبشر أن يتحول إلى طاقة فوضوية فتاكة، ولا فرد أو مجتمع معصوم من هذا الانفلات السلوكي. وحتى في هذا العصر عندما يغيب القانون تطغى الفوضى، كما حصل في دول متقدمة، ودول تحطمت وفقدت قدرات فرض القوانين، وهي دول معروفة محقت دعوات الديمقراطية فيها كيان الدولة والجيش والمؤسسات والقانون، فعاشت أعواماً فوضوية قاسية ولا تزال تعاني منها وعلى أشدها. إن القول بأن الفوضى سلوك دخيل أو غريب لا يستند إلى حقائق ونوازع السلوك البشري، إنما ينافي طبيعة الأشياء ونواميس الأكوان، لأن الفوضى قائمة فينا، وهي طاقاته للتعبير عن ذاتها وموضوعها عندما تؤهلها الظروف وتكون مواتية، وما يجب علينا أن نقوم به هو ابتكارعندما لا ندرك قيمة الوقت في حياتنا ولا يهمنا بناء المجتمع والسعي لتأسيس ثقافة السلم الاجتماعي بالتعاون مع كافة الفصائل الثقافية، فمن الطبيعي أن تحل الفوضى دون تعاون وتنسيق وأسبابها كثيرة منها القرارات الارتجالية وغير المدروسة دراسة دقيقة التي تأتي غالباً من قلة الوعي وفهم ذاتية المجتمع بمعنى عندما يشب صراع بين فئتين فالكل يدعي أنه على حق دون النظر للآخر ثقوا تماماً أن الاثنين لا يهما الحفاظ على المجتمع بل سوف تدب الفوضى ويربح العابثون. كذلك يمكن القول إن عدم ترتيب أولويات المجتمع والذهاب بعيداً لأمور ثانوية هي صلب المشكلة. عواقب الفوضى وخيمة وسيئة ومخطئ من يظن أن هناك منتصراً فالجميع في سلة واحدة والمصير واحد والأدهى والأمر عندما يكون عنوان هذه الهجمة دينياً براقاً وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحفاظ على المقدسات في إطاره الضيق دون إدراك ماهية العواقب. وبالتالي من المهم أن نطرح السؤال التالي مَنْ المستفيد من هذه الفوضى الاجتماعية رجال دين أم مثقفون أو شرائح أخرى، عبر صفحتي بالفيسبوك طرحت هذا التساؤل على مجموعة من المشاركين وأنصبت أغلب المشاركات في القول إن رجال الدين هم السبب وأوعزوا ذلك إلى أن طبيعة المجتمعات التقليدية والمحافظة التي تسيرهم الحالة الدينية وتتغلغل في نفوسهم الطاعة والقربى لله ولكن مع الأسف يأتي من يحرف هذا المعنى بشكل أو بآخر وتبدأ تصفية الحسابات مع من يختلفون معهم في الرؤية والمنطلق الديني. الصراع على النفوذ الاجتماعي هو من أوليات المتمصلحين وكل واحد يريد الحشد والتصفيق والطاعة وأن يكون رأيه هو الوحيد والمسيطر، وكأنه ملك مفاتيح السماء وصكوك الغفران من يقرأ التاريخ قراءة دقيقة يجد أن من دمر المجتمعات وساهم في خلق فتاوى التكفير والضلال والقتل وهدم المجتمعات غالباً هم من رجال الدين بغية كما قلنا النفوذ والسيطرة الاجتماعية. نعول على العقلاء في المجتمع بأن يدركوا أهمية الحفاظ على النسيج الاجتماعي وتكريس مفهوم الوطنية والتركيز على وحدة المجتمع وبيضته والابتعاد عن كل ما يثير الفوضى والقلاقل وأن نقف سداً منيعاً ضد من يعبث بأمنه ويضيع خيراته. هي رسالة اجتماعية للعقلاء أقولها بقلب يعتصره الألم وهي لا تسلم عقلك لأحد ولا تتعاطف من يتفق مع هواك وميولك وفكر بعين العقل وخارج الصندوق وقدم المصلحة العامة فوق مصالحك الذاتية.
مشاركة :