إعداد: خنساء الزبير لم تقف الأبحاث العلمية عند حد التركيبة التشريحية للأذن أو كيفية قيامها بوظائفها وإنما واصلت مسيرتها للتعرف أيضاً إلى تأثير ما يصل لتلك الأذن وما إذا كانت الاستجابة له تختلف باختلاف الوارد، فالسمع حاسة تستحق كل ذلك الاهتمام لما لها من أهمية عظيمة بل ربما تتفوق على أهمية البصر فهي المستقبل للأصوات التحذيرية التي تجنب الشخص كثير من المخاطر وقد قدمت حاسة السمع على حاسة البصر في مواضع كثيرة. بحثت دراسة نشرت نتائجها الشهر الماضي بمجلة علم الطبيعة العصبي كيفية تأثير سياق الصوت المسموع في الطريقة التي تستجيب بها حاسة السمع فلطالما لاحظ العلماء أن الاستجابة للمؤثرات السمعية تكون بحسب سياقها، وكشفت النتائج عن حقائق عصبية معقدة ومدهشة في الوقت نفسه.ومنها أن سياق الصوت يُحدث فرقاً كبيراً في طريقة استقبال الصوت نفسه فعلى سبيل المثال إذا كان الشخص جالساً وسط المتفرجين أثناء مباراة لكرة القدم وسمع أحدهم يهتف فجأة بصوت عالٍ فان ذلك لا يجعله يضطرب أما عند سماعه للصوت نفسه أثناء تواجده داخل مكتبة عامة وهو يقرأ كتاب فإن تفاعله مع الصوت يكون أكثر حدة فكثير منا شاهد القراء داخل المكتبات العامة وهم يمتعضون من الشخص الذي يكثر الحركة أو الشخص الذي يقرأ بصوت مسموع فيما يشبه الهمهمة، وبالطريقة ذاتها فإن استجابة الشخص عند سماعه لبوق السيارة أثناء عبوره للشارع تختلف عن سماعه لها عبر النافذة وهو جالس داخل منزله. آلية الاستجابات وللبحث في الآلية التي تتم بها تلك الاستجابات صمم الباحثون من جامعة نيويورك دراسة لفهم التغيرات العصبية المتعلقة بالاستجابة السمعية للسياقات الصوتية المعينة لرسم خريطة لكيفية الترميز المختلف بالدماغ للمدخل الحسي الواحد وهو أمر ليس بغريب على الدماغ الذي أدهش العلماء بمرونته في التعامل مع المدخلات المختلفة، فالخلايا العصبية بالدماغ عموماً تنقسم إلى مثبطات ومحفزات حيث تنتج المحفزات مواد كيميائية تحث الخلية العصبية التي تليها على تمرير الرسالة وبالتالي تضخيمها وعلى العكس من ذلك فان المثبطات تعمل على منع استمرار مرور الرسالة، ولمعالجة المعلومات الحسية الواردة - كالصوت مثلاً- يتم ضبط معدلات الإشارات بواسطة التفاعل بين تلك الخلايا ويعتبر التوازن بينها أمر في غاية الأهمية لضمان وصول المعلومات وفهمها بالطريقة الصحيحة حتى لا يتم تجاهلها كأنها شئ غير مهم أو يتم تضخيمها أكثر عن اللازم، ويعتقد أن الدماغ يولي أهمية أكبر أو أقل لإشارة ما بقيامه بالاتصال أو قطع الاتصال مع إشارات المثبطات أو المحفزات. قام العلماء بإجراء التجربة على مجموعات من الفئران والتي تم تدريب مجموعة منها على توقع المكافأة وذلك عند سماعها نغمة موسيقية معينة بينما دربت المجموعة الأخرى على أن تسمع النغمة من دون الحصول على المكافأة، وعند متابعة كيفية استجابتها للأصوات وإشارات المكافآت التي تتوقعها والتي لا تتوقعها، فوجئ العلماء بأن معظم الخلايا العصبية المحفزة الموجودة بالقشرة السمعية بالدماغ تكون أقل إثارة عندما تسمع الفئران نغمة المكافأة وتتحصل على واحدة منها وعلى النقيض من ذلك فان هنالك مجموعة ثانية من العصبونات المحفزة يزيد نشاطها في الحالة ذاتها عندما تتوقع المكافأة؛ ويقول العلماء أن جميع تلك الخلايا تعمل في حركة متناغمة لتحويل شبكة القشرة من حالة الخمول إلى حالة النشاط، والمنطقة بالدماغ المهمة في عملية تركيز الإصغاء هي منطقة النواة القاعدية والتي تفرز مادة الاستيل والتي تعمل بالقشرة السمعية بالتحكم في العصبونات المثبطة وتغيير الطريقة التي يتم بها تمييز الصوت. استقبال الدماغ لم تنحصر الدراسات في سياق المسموع ونبرته وإنما درست أيضاً مدى تأثير علوه وانخفاضه في استقباله بالدماغ، وتوصلت دراسة حديثة إلى أن التعرض للأصوات العالية لفترة طويلة يغير من الطريقة التي يعالج بها الدماغ الكلام أي أن الأصوات العالية لا ينحصر تأثيرها السلبي في تضرر الأذن فقط وإنما يتجاوزها إلى الدماغ ووظائفه المتعلقة بتلك الحاسة، وبالرغم من أن المعهد الوطني للصمم واضطرابات التواصل قد حذر من أن التعرض للأصوات بمستويات 85 ديسيبل فأكثر، يزيد من احتمالية فقدان السمع إلا أن المشهد الآن زاخر بكثير من الأجهزة الحديثة التي تصدر أصوات تفوق تلك الحدود بحيث يصل بعضها إلى 150 ديسيبل والتي تزيد قوتها بـ100 مرة عن 85 ديسيبل، ويتسبب التعرض الدائم للأصوات العالية في التلف الدائم لخلايا الشعيرات بالأذن والتي تعمل كمستقبلات للصوت فهي تحول الطاقة الصوتية إلى إشارات كهربائية تنتقل إلى الدماغ ليقوم بترجمتها، ومن المؤسف أن تلك الخلايا لا تنمو مرة أخرى إن تعرضت للتلف ما ينتج عنه حالة فقدان السمع الناجم عن الضوضاء، وهي حالة يتعرض لها بالولايات المتحدة حوالي 15% ممن هم في المرحلة العمرية بين 20 إلى 69 عام؛ وما توصلت إليه دراسة حديثة من جامعة تكساس في دالاس، من خلال البحث على الفئران هو أن ذلك النوع من فقدان السمع يؤثر أيضاً في مقدرة الدماغ على تمييز الأصوات الكلامية حيث أسفرت التجارب على الفئران عن أن تعرضها لحالة فقدان السمع المتوسط وفقدان السمع الحاد الناجم عن الضوضاء -كانت المدة شهر خلال تلك الدراسة - أدى كلا النوعان إلى التأثير في كيفية استجابة الدوائر الكهربية بالقشرة السمعية للأصوات الكلامية وتعتبر القشرة السمعية هي أحد المناطق الرئيسية بالدماغ المسؤولة عن معالجة الأصوات، وتنصح منظمة الصحة العالمية بأن يقلص كل شخص الاستماع إلى الأصوات الصادرة من تلك الأجهزة لتكون بمعدل يقل عن ساعة واحدة يومياً وذلك للحد من حالات فقدان السمع؛ ويشخص الفرد على أنه يعاني فقدان السمع إذا أصبح غير قادر على سمع ما يسمعه الشخص السليم أي أن تكون كل أذن قادرة على سمع مستوى صوت 25 ديسيبل أو أفضل بكل أذن، فحالة طنين الأذن تحدث نتيجة التعرض للأصوات العالية كأخف الحالات الناتجة عن تلك الأصوات والتي يؤدي التعرض لها لفترة طويلة - أو لفترة قصيرة مع ارتفاع مستوياتها- لمشاكل أكبر كما ذكر سابقاً. تنصح منظمة الصحة العالمية الصغار والبالغين بضرورة الحفاظ على سمعهم من خلال تخفيض أصوات الأجهزة للمستوى الآمن، ووضع سدادات الأذن عند التواجد في بيئة بها أصوات صاخبة وهو أمر في غاية الأهمية، كما يجب عليهم تقليص فترة التعرض لتلك الأصوات. تؤثر حالة فقدان السمع في الحياة اليومية التي يعيشها الفرد المصاب بها، فهي تسبب له العزلة والشعور بالوحدة والإحباط، وهي آثار يمكن تجنبها باتخاذ الاحتياطات السابقة بل ومحاولة ابتكار الطرق للحد منها والابتعاد عنها؛ ومن ناحية أخرى فإن الحملات التوعوية للمجتمعات للتحذير من مخاطر الأجهزة الصوتية وما تؤدي إليه يعتبر أمر في غاية الأهمية وسوف يأتي بنتيجة وان كانت على المدى البعيد، فكثير من الناس يتأثرون إيجابا بتلك الحملات ما يحافظ على إنقاذ الكثيرين من مختلف الفئات العمرية وان الغالب فيها هم فئة اليافعين والذين أصبح استماعهم للأصوات العالية من أجهزتهم السمعية جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية ناهيك عن الأصوات العالية المفروضة عليهم من البيئة الخارجية ما يشكل عبئا كبيرا على حاسة السمع. أكثر من مليار شخص معرضون لفقدان السمع تعددت التحذيرات، والتي لا تجد في الغالب استجابة، حول خطر فقدان السمع الذي كان يعد سابقاً أحد أمراض الشيخوخة أي أن الشباب أقل عرضة له، أما حديثاً فقد باتت تلك الفئة العمرية من أكثر المعرضين لها بسبب الأجهزة الحديثة التي يعتمد محتواها بصورة أساسية على الصوت، وما سوف يجعل الكثيرين يعيدون النظر في تعاملهم مع تلك الأجهزة هو ما صدر عن منظمة الصحة العالمية مؤخراً والذي يفيد بأن حوالي 1.1 مليار من اليافعين معرضين لحالة فقدان السمع بسبب مستويات الأصوات غير الآمنة التي يستمعون لها من خلال تلك الأجهزة وهي الأصوات التي تصل إلى 85 ديسيبل فأكثر لمدة تزيد عن 8 ساعات أو 100 ديسيبل أو أكثر لمدة 15 دقيقة فقط.
مشاركة :