انطلقت أمس في قصر الإمارات بالعاصمة أبو ظبي أعمال ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الثالث 2016 الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات بالتعاون مع وزارة الخارجية ومجلس الأطلسي، وذلك بحضور أكثر من 400 شخصية مقربة من صناع القرار السياسي والدبلوماسي والاقتصادي في القارات الخمس، وبأجندة دسمة تطرح للنقاش القضايا الإستراتيجية للمنطقة والعالم. وفي افتتاح الملتقى، قالت الدكتورة ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات أن دورة هذا العام من الملتقى تكتسي أهميةً كبرى لأنه ينعقد في ظل أزمات وصراعات مازالت مشتعلة في المنطقة، مثل الحرب في سورية واليمن والصراعات في ليبيا والعراق، وتصاعد الحملة العسكرية للقضاء على آخر مراكز داعش في العراق وسورية، فضلا أن كون الملتقى ينعقد بعد أيام قليلة فقط من إعلان النتيجة المفاجئة للانتخابات الأميركية والمتمثلة بفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة، الأمر الذي يمثل فرصة سانحة لبحث التأثيرات المحتملة لهذا الانتخاب على السياسة الخارجية الأميركية. وحاولت الجلسة الأولى من الملتقى تقييم تجربة العمل المشترك للدول الخليجية ورصد التحديات الماثلة أمامها جراء ما يعتمل في محيطها المباشر من قلاقل، ونتيجة التحولات التي يشهدها العالم على المستويين السياسي والاقتصادي. التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبرى أدت إلى تراجع دور الدولية التقليدية لصالح النشطاء وبدأ الدكتور محمد صباح السالم الصباح باختصار أبرز التحديات والمخاطر التي تواجه الأمن الإقليمي وهي: إيران، إرهاب، إسرائيل. وقال الصباح إن الظرف الذي تمر به المنطقة والعالم صعب للغاية ونحن متوجهون إلى مزيد من عدم اليقين في 2017 بسبب التغيرات المحتملة التي قد تطرأ على المشهد الجيوسياسي بعد انتخاب رئيس جديد في الولايات المتحدة، واستحقاقات البريكزيت في بريطانيا وتأثيراتها المحتملة على الاتحاد الأوروبي، والانتخابات التي ستجري في ألمانيا وفرنسا وسط تصاعد لمعارضة الحكومات القائمة. وشدد الصباح على أهمية العامل الاقتصادي في خريطة التحديات التي تواجه دول المنطقة قائلا إن العالم يمر بكساد طويل الأمد لم يشهد له مثيلاً منذ كساد الذي تلا أزمة 1929، وهذا الكساد ليس ناجماً عن سياسات اقتصادية بقدر ما هو نتيجة لتغير البنية الاجتماعية والسياسية لمجتمعات الدول المتقدمة والتي دخلت حالة من الشيخوخة وتراجع الشباب الداخلين لسوق العمل، الأمر الذي يشكل عامل ضغط على النمو في هذه الدول. واعتبر الصباح أن على دول الخليج أن تتوقع انخفاضاً بعيد المدى في أسعار النفط وأن تتعامل مع الأمر من خلال تبني إصلاحات هيكلية في اقتصادياتها، مضيفاً أن هذه الإصلاحات لن تكون مجانية من حيث تكلفتها الاجتماعية والسياسية، ومن مصلحة دول الخليج التحرك في إطار وحدوي لخفض هذه الكلفة بدل محاولة تحملها بشكل منفرد، وهذا يعني أن عليها تسريع سياساتها الانصهارية خصوصا في المجال الاقتصادي. وعكفت الجلسة الثانية من الملتقى التي عقدت تحت عنوان جلسة القوى التقليدية والمتراجعة في نظام عالمي متغير على ملامسة التحول الذي طال الركائز الأساسية للنظام الدولي خلال عام 2016، ومحاولة رسم خريطة توزيع القوة في العالم والمنطقة وتصنيف القوى الإقليمية والدولية ومستوى حضورها وتدخلها. واستهل الجلسة الدكتور مارك عبد اللهيان، أستاذ في كلية العلوم الاجتماعية والسياسات في جامعة كليرمونت للدراسات العليا، والرئيس التنفيذي في شركة إيسرتاس للاستراتيجيات والتحليلات، بالتأكيد على وجود تحولات هائلة على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية أدت إلى ظهور خريطة عالمية متعددة القوى مضيفاً أن هذه التحولات تفرض تحديات مشتركة على صعيد هيكلية التنمية الاجتماعية والاقتصادية وقدرة الحكومات على توفير ما يحتاجه الأفراد والجماعات. واعتبر المحاضر الأميركي أن العالم بحاجة إلى خريطة جديدة تمنح وضوح أكبر لتوزيع القوة عالميا خاصة مع بروز الفاعلين دون الدولة مشيرا إلى أن عوامل متعددة تدفع باتجاه ضعف هيمنة الحكومات، وصعود الفاعلين دون الدولة لملء الفراغ الناجم عن عدم استجابة الدولة أو تأخرها في الاستجابة لمتطلبات مواطنيها. وصدق الدكتور زيد عيادات، أستاذ العلوم السياسية في جامعتي كونيتيكت وجورج تاون، ومستشار مركز الإمارات للسياسات، على الرأي القائل بتراجع أدوار الدولة التقليدية لصالح الفاعلين ما دون الدولة مشيرا إلى عاملين محددين في هذا الباب أولها التكنولوجيا التي باتت تخلق حقائق جديدة تتحدى قدرة الدولة على الفعل، والمحدد الثاني هم الناس الذين يغيرون العالم من خلال الهجرة مؤكدا أن حركة الأشخاص العابرة للحدود تعيد صياغة النظام العالمي والمجموعات الإقليمية كما هو الشأن بالنسبة لأوروبا التي تستقبل موجات هجرة غير مسبوقة. وفي تحليله للقوى الصاعدة والنازلة في العالم، قال عيادات إننا في الواقع نتوجه لعالم بدون أقطاب وليس أحادي القطب أو متعدد الأقطاب. لكن هذا العالم صاغته الولايات المتحدة وستظل تلعب دوراً ريادياً فيه لسنوات قادمة، يخدمها في ذلك تقدمها التكنولوجي. وصنف عيادات روسيا ضمن القوى النازلة قائلا إن استعراض العضلات الذي شهدناه في الفترة الأخيرة هو مؤشر ضعف وليس قوة. كما وضع أوروبا والصين في نفس المنحى التنازلي بسبب التحديات الاقتصادية والسكانية التي تواجهانها. وأعطى الدكتور روي كامبهاوزن، نائب الرئيس لشؤون البحث، ومدير مكتب واشنطن، في المركز الوطني للبحوث الآسيوية، قراءة مختلفة لتحول القوى على الخريطة العالمية قائلا إن هنالك تحليلا شعبويا يفترض أن صعود الصين وتعزيز دورها في منطقة آسيا والهادي في مقابل تراجع القوة الأميركية قد ينهي الشراكة بين البلدين ويحولها إلى مواجهة عسكرية. ووصف الأكاديمي الأمريكي هذا التحليل بـالقراءة الخاطئة للتاريخ مؤكدا أن قادة أمريكا والصين يدركون التحدي الكامن في تغيير موازين القوى المتحول، وسيعملان على تجنب هذه التحديات والمواجهة. وفي ختام الجلسة تناول الكلمة عمرو موسى الأمين العام الأسبق للجامعة العربية ليؤكد أن هنالك نماذج جديدة في العالم لدول وقوى إقليمية بدأت تستعمل قوة الرفض وتقول كفى، لقد طفح الكيل، ضاربا مثلا على ذلك بالفلبين وموقفها تجاه العلاقات مع أمريكا في بحر الصين. وتعليقا على فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية الأخيرة، دعا موسى إلى التأني في إصدار أحكام مشيرا إلى وجود عنصر مجهول مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وعلينا أن ننتظر أن يطلع على الملفات وتقارير مختلف الوكالات ومراكز القرار قبل أن نتوقع الاتجاه الذي ستنحوه سياساته. الدكتورة ابتسام الكتبي متحدثة في افتتاح الملتقى
مشاركة :