ركزت الجلسة الثالثة لملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثالث، والتي عقدت تحت عنوان التعاون الإقليمي في الخليج: هلسنكي نموذجا، على تحليل التحولات التي طالت توازن القوى بين مجلس التعاون الخليجي وإيران، وبحث بدائل ممكنة للعلاقات بين الطرفين من قبيل تطبيق نموذج مماثل لاتفاقية هلسنكي التي وضعت عام 1975 أسساً جديدة لتطويق الأزمات وحفظ الأمن والتعاون بين دول شرق وغرب أوروبا خارج أطر الحرب الباردة التي كانت سائدة آنذاك. واختلف تقييم الحاضرين لعناصر القوة بين دول الخليج وإيران حيث رأى عبدالرحمن الراشد، الإعلامي السعودي، أن دول الخليج طورت تدريجياً من قوتها منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي إلى أن وصلت إلى المستوى الذي سمح لها بمساعدة اليمن، ورغم أن بعض جوانب الضعف لا تزال تعتري القوة القتالية لهذه الدول، إلا أن هذا الضعف يعوض عنه توازن القوى الإقليمية والعالمية. ولم ير الدكتور سيد حسين موسويان المتحدث الإيراني المقيم في أميركا إلا فشلا في تجربة مجلس التعاون لأنه فشل في احتواء إيران الذي كان هدفا من وراء إنشائه حسب قوله، وفشل في حماية الكويت من الغزو العراقي، ولم يحقق نجاحاً يذكر في اليمن. ورأى الدبلوماسي الإيراني أن دول الخليج لم تنجح في تطوير نموذج مستقل للقوة وزاد بالمقابل اعتمادها على الشريك الأميركي، واتهم دول الخليج بالفشل أكثر من مرة وقال دائما تستعين بالقوة الأجنبية ولا تتشاور مع دول الإقليم في إشارة إلى التفاهم مع إيران حسب زعمه. وقال: إن الحكومة العراقية المنتخبة من قبل الشعب العراقي -كما يقول- هي من طلبت من إيران التدخل في العراق، وكذلك دخلنا إلى اليمن لمساعدة الحوثيين وكذلك في سورية مبرراً التدخل الإيراني السافر لإنقاذ الطوائف الشيعية من الظلم كما يزعم. أما الدكتور مايكل سينغ، عضو مجلس الإدارة المنتدب والباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فقد أعرب عن اعتقاده بأن دول مجلس التعاون الخليجي ليست خاضعة للولايات المتحدة بقدر ما هي شريك قوي لها مضيفا أن دول الخليج تعتبر شريكا مفضلا لكثير من القوى في العالم التي تنظر بقلق لسياسات إيران في الخارج والتي ترغب في مواصلة الحرب على الإرهاب. واعتبر الخبير الأميركي أن ما ينقص دول الخليج هو الانخراط أكثر في علاقات متعددة الأطراف وذكر في هذا الصدد حلف شمال الأطلسي وتركيا ودولا عربية كمصر والأردن والمغرب. وقال سينغ إنه بإمكانية دول الخليج تطوير أجندة إقليمية للتعامل مع مشاكل المنطقة والأرجح أن واشنطن ستدعم هذه الأجندة. وتدخل الدكتور سلطان النعيمي، الخبير الإماراتي في الشؤون الإيرانية، وعضو هيئة تدريس في جامعة أبو ظبي للرد على ما جاء في كلمة المتحدث الإيراني مشيراً إلى تناقض إيران التي تنتقد الاستعانة بقوى خارجية بينما ترحب بالتدخل الروسي في سورية وتفتح قواعدها في همدان للقوات الروسية. واعتبر النعيمي أن قيام مجلس التعاون الخليجي كان ضرورة وهو نجاح في حد ذاته، وإقامته لم تكن يوما ما موجهة ضد جهة خارجية بقدر ما كان تعبيراً عن رغبة الدول في السلام والاستقرار والرفاه الاجتماعي والاقتصادي. وقال النعيمي إن إيران هي من تدخلت في المنطقة وهي من أشعلت الصراع الطائفي رغم أننا نقدر ونحترم كل المذاهب في دولنا الخليجية ولم يكن لدينا تحيز او نفس طائفي قبل أن تشعل إيران هذه الفتيله الطائفية، ونحن لا نختلف مع الشعب الإيراني وهو صاحب حضارة وتاريخ ولكن مشكلتنا مع نظام الملالي الذي يريد أن يصدر ثورته للخارج بالقوة بأي طريقة بدون مراعاة دول الجوار وهذه هي مشكلتنا مع إيران. وثنى عبدالرحمن الراشد على هذا الكلام باستحضار التواجد الأميركي في كوريا الجنوبية رغم أن الأخيرة قوة اقتصادية عالمية قائلا إن موازين القوى العسكرية تميل لكوريا الشمالية لكن الحياة ومستوى العيش في جارتها الجنوبية أفضل. وهذا ينفع كقاعدة للمقارنة بين الوضع في دول الخليج وإيران. وعن إمكانية تطبيق نموذج مشابه لاتفاقية هلسنكي، قال الراشد الظروف التي توفرت لهلسنكي غير متوفرة الآن خاصة في وجود توجهات إيرانية واضحة نحو الهيمنة والتوسع والتدخل في المنطقة العربية. لكن من بين الإيجابيات التي يمكن البناء عليها هو أن الخليج وإيران لم يسبق لهما أن دخلا في مواجهة مباشرة. وقال الراشد: بعد أن نفدت كل المساعي الودية والدبلوماسية مع إيران إلا أن نشاطها وتوسعها منذ 2009 لم يقف عند حد معين وتساءل ما هي نهاية اللعبة؟ ، إيران تريد أن تأخذ العراق وسورية ولبنان واليمن، ولازالت مستمرة في استخدام عضلاتها العسكرية، وتدخلها ودعمها للمليشيات الطائفية مالياً وعسكريا، ويبدو أن المواجهة المباشرة مع إيران قادمة لا محال بعد هذا التوتر والقلق من نشاط إيران المريب. وزعم المحاضر الإيراني موسويان قائلاً إن الإيرانيين يعتبرون من وجهة نظرهم أن للسعودية توجهات للهيمنة والاستقواء بدركي العالم لمحاربة ثورتهم، ولذلك فإن سياساتهم قائمة على الدفاع عن النفس. واعتبر موسويان أن تطبيق نموذج هلسنكي ممكن إذا تم الدخول في محادثات دون شروط مسبقة من قبيل دعوتنا إلى الانسحاب من سورية، وإذا بدأت هذه المحادثات بشكل عام وتحولت فيما بعد إلى نقاشات متخصصة في قضايا الأمن والاقتصاد وغيرها. وانضم الخبير الأميركي سينغ إلى منتقدي طروحات موسويان بالقول إنه لا أحد يصدق أن سياسات إيران دفاعية. طهران لا تكتفي بإشعال حروب بالوكالة كما هو الشأن في اليمن وسورية ولكنها أيضا تصدر السلاح إلى مجموعات مقاتلة كثيرة في أفغانستان. بدوره قال الدكتور النعيمي إن نجاح نموذج مماثل لهلسنكي يتطلب الإبقاء على توازن القوى في المنطقة وإبداء الرغبة الحقيقية في الاستقرار مجددا على وجود تناقضات عميقة في خطاب ومقاربات إيران التي تدعي احترام سيادة الدول لكنها لا تعدم المبررات لتدافع عن تواجدها في العراق وسورية ولبنان واليمن ودعمها المليشيات الطائفة عسكرية ومالياً. وعرض المتحدث الإماراتي صورة غلاف كتاب إيراني يبين هيمنة إيران على دول الخليج العربي وحذف علم البحرين ووضع مكانه علم العراق الجديد بعد الاحتلال مما أثار استغرب وذهول الجلسة . ورداً على غطرسة وتعالي واتهامات المتحدث الإيراني لدول الخليج العربي وتبريره لتدخل إيران، تدخل مجموعة من المتحدثين السعوديين منهم الدكتور علي الخشيبان والدكتور إبراهيم النحاس والدكتور محمد السلمي والدكتور فهد الحارثي والدكتور حمدان الشهري والإماراتي الدكتور يوسف الحسن والدكتور مصطفي العاني الخبير الاستراتيجي في مركز الخليج للأبحاث. ورد د. محمد السلمي على المتحدث الإيراني قائلا: لابد أن نتصدى للخطر الإيراني المرعب وتدخلاته في المنطقة على مدار أكثر من 30 عاما، ولم تفلح كل المساعي الودية والدبلوماسية مع هذا الجار المؤذي والخطير ولابد أن نقولها صراحة على دولنا أن تقف بكل صلابة وشجاعة ضد هذا الخطر القادم الذي تشهده دولنا وشعوبنا. وقال الدكتور على الخشيبان: إن الأمن القومي العربي في خطر بسبب هذا التوسع الإيراني الخطير. وتحدث د. حمدان الشهري رداً على المتحدث الإيراني قائلاً: ماذا تفعل المملكة العربية السعودية ودول الخليج أمام هذا الخطر الصفوي الفارسي الذي يهدد أمن وسلامة ترابنا ومنطقتنا و يستهدف مستقبل أجيالنا المقبلة، لابد أن نرد الكيل بمكيالين والتعامل بالمثل، فإيران تزعم أنها تدعم الشيعة والمضطهدين كما تزعم، فعلى دولنا أن تدعم البلوش والأكراد والأقليات والعرب المحتلة أراضيهم من قبل إيران. وتحدث الدكتور يوسف الحسن من الإمارات ووجه عدة أسئلة للمتحدث الإيراني وقال أن إيران تدعم المليشيات الطائفية المتدربة كما تقوم بإرسال السلاح والمال إلى العراق واليمن وسورية ولبنان، وطالب من المتحدث الإيراني أن يجيب عن عدة أسئلة مفحمة تدين إيران وتدخلها السافر في المنطقة. وتحدث الدكتور فهد الحارثي موجهاً سؤاله للمحاضر الإيراني وقال له: من أنت لكي تمنعنا من الدخول لإنقاذ البحرين أو اليمن وتبرر دخول نظامك الفاشي الطائفي في أكثر من منطقة عربية دون مبرر وتهجرون طوائف أخرى تتعارض مع سياستكم الاقصائية ولماذا تتحدث بهذه اللغة الطائفية. وتدخل مصطفي العاني الخبير الاستراتيجي في مركز الخليج للأبحاث ردا على المحاضر الإيراني قائلاً: إن السياسة الأميركية الحالية هي التي خلقت من إيران قوة عسكرية ونفوذ، ومن خلال تنظيم داعش الإرهابي إيران أصبحت الآن تدخل في المنطقة العربية بحجة القضاء عليه ومن ثم احتلال المناطق العربية بحجة طرد الإرهاب وانتم الإرهاب.
مشاركة :