لا يوجد تأثير اقتصادي سلبي على السعودية من أحداث أوكرانيا

  • 3/19/2014
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

ما مدى أهمية أوكرانيا بالنسبة للسعودية؟ حسب النظرة الأولى، ليست ذات أهمية اقتصادية تذكر. خلال الأسابيع الماضية، حصلت الأزمة الأوكرانية الروسية على صدى إعلامي بارز، وركزت العديد من التحاليل على الآثار التي قد تترتب على تزايد الاضطرابات في منطقة البحر الأسود. لكن التأثير الذي قد ينعكس على دول مجلس التعاون الخليجي لا يبدو واضحاً. تلعب أوكرانيا دوراً هامشياً بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي: فالتبادل التجاري بين المنطقتين ضئيل جداً، والتدفقات الاستثمارية تكاد تكون معدومة. في عام 2012، بلغت قيمة صادرات أوكرانيا للسعودية 926 مليون دولار فقط، مما يجعل السعودية من أهم الشركاء التجاريين لأوكرانيا في المنطقة حيث تعادل وارداتها من أوكرانيا 65% من إجمالي الصادرات الأوكرانية التي تذهب إلى دول مجلس التعاون الخليجي. لكن هذه القيمة لا تتعدى 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا. كما أن الصادرات السعودية لأوكرانيا ليست ذات أهمية كذلك، حيث بلغت 150 مليون دولار في عام 2012، وهو ما يعادل 0.05% من صادرات السعودية آنذاك، وهذا النمط غير مقصور على السعودية، فتاريخياً كان التبادل بين مجلس التعاون الخليجي وأوكرانيا ضئيلاً للغاية، حيث بلغ متوسط الصادرات الأوكرانية إلى الخليج 2% فقط من إجمالي الصادرات الأوكرانية خلال العقد الماضي، بينما ذهبت 0.02% من الصادرات الخليجية إلى أوكرانيا خلال الفترة ذاتها، وسبب هذا العجز الهيكلي بين المنطقتين هو أن أوكرانيا لا تحتاج للسلعة الرئيسية التي تصدرها دول الخليج، وهي النفط، حيث أنها تعتمد على روسيا لتغطية احتياجاتها من الطاقة. وحتى على الصعيد العالمي، أهمية أوكرانيا محدودة، حيث تعادل 0.2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ولن يكون هناك أي تهديد كبير على الاقتصاد العالمي حتى إذا انهار نظامها المالي أو عجزت عن سداد ديونها، مع العلم أن الدين الأوكراني يعادل 3% من إجمالي ديون الأسواق الناشئة، وتتحمل أوكرانيا 0.1% من إجمالي المطالبات بين البنوك الدولية، ويعادل الدين العام الخارجي لأوكرانيا حوالي 10 مليارات دولار، فيما وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم دعم مالي بقيمة 15 مليار دولار، مما يقلل احتمالية إفلاسها، وعلى الصعيد الآخر، تحمل أوكرانيا أهمية كدولة مصدرة للمنتجات الزراعية، حيث أنها ثالث أكبر مُصدّر للذرة في العالم، بنسبة تبلغ 16% من إجمالي الذرة المصدرة في العالم، كما أنها سادس أكبر مُصدّر للقمح في العالم، وإذا ما انهار الاقتصاد الأوكراني، ستتأثر أسعار هذه السلع، ولهذا السبب ارتفعت القيم الآجلة لهاتين السلعتين بشكل حاد خلال الأيام القليلة الماضية. أما القيمة الحقيقية لأوكرانيا تكمن في كونها مركزاً لتوزيع الطاقة؛ فروسيا تصدر ما يقارب 20% من الغاز على شكل الغاز الطبيعي المسال إلى اليابان وكوريا الجنوبية، بينما تصدر الباقي كغاز جاف إلى أوروبا، وتمر نصف هذه الصادرات عبر أوكرانيا. بما أن أوروبا تعتمد على روسيا في الحصول على ثلث استهلاكها من الغاز الطبيعي، ستكون هي الأكثر تأثراً بأي انهيار أوكراني. وتستخدم ألمانيا على وجه الخصوص ربع إجمالي الغاز الروسي، بينما تنكشف أيضاً على المخاطر الأوكرانية كل من تركيا التي تستخدم 19% من إجمالي الغاز الروسي، وإيطاليا التي تستخدم 9% منه. وإذا ما تطلبت الأوضاع أن تتجه هذه الدول إلى شراء الغاز الطبيعي من السوق الفورية، فستنعكس التكاليف المتزايدة للطاقة بشكل ارتفاع في تكاليف التصنيع، بالتالي بارتفاع معدل التضخم. أما في الدول الأخرى، فسينتج عن عدم الاستقرار الحالي ضغوط على أسعار الطاقة. وإلى الآن يعد الارتفاع في الأسعار معتدلاً، حيث ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بمعدل 10% منذ ديسمبر وهو ما استفادت منه الدول الأخرى المصدرة للنفط كذلك مثل كندا، والجزائر، وقطر، وأيضاً روسيا. وإذا ما تصاعدت الأزمة الأوكرانية الروسية، وواجهت روسيا عقوبات اقتصادية، قد تستفيد دول مجلس التعاون الخليجي، على الأقل خلال المرحلة الأولى، مع العلم أن روسيا ودول مجلس التعاون تتنافسان في تصدير الطاقة لنفس الأسواق. روسيا هي أحد أكبر منتج للنفط في العالم بإنتاج يومي يقارب 11 مليون برميل، وتأتي في المرتبة الثانية من بعد السعودية من حيث حجم التصدير، بحجم تصدير إجمالي يبلغ 7 ملايين برميل يومياً. وسينتج عن أي اضطراب في صادرات الطاقة الروسية، سواء نتجت عن التدخل العسكري أو العقوبات الإقتصادية، ارتفاعاً في أسعار النفط، وبالتالي فوائض مالية أكبر لدول مجلس التعاون. وبالإضافة إلى ذلك، قد تضطر دول مجلس التعاون الخليجي، وبالأخص السعودية، إلى زيادة إنتاجها لتخفيض تأثير انقطاع روسي افتراضي؛ ولن يأتي ارتفاع الإيرادات من السعودية من ارتفاع أسعار النفط فقط، بل من زيادة الكميات كذلك، وستواجه أوروبا صعوبة في إيجاد مصدر بديل عن روسيا لتستورد منه الطاقة، وسيشهد نمو الاقتصاد العالمي تباطؤاً حيث أن حتى السعودية لن تستطيع تعويض الانخفاض الكبير في الصادرات الروسية، لكن دول مجلس التعاون الخليجي قد تكون من الدول القليلة التي تستفيد من هذه الأزمة. ولا يتضمن السيناريو الأساسي الذي نفرضه صراعاً كاملاً بين أوكرانيا وروسيا، ولا مقاطعات اقتصادية. وهناك الكثير من الحوافز التي تدفع إلى تجنب تصاعد الأزمة. فروسيا تعتمد على النفط والغاز لما يعادل 45% إلى 50% من ميزانيتها. وتشكل أوروبا نصف تبادلها التجاري، بينما تبلغ حصة روسيا 10% فقط من التبادل التجاري الأوروبي. وحتى إذا ما اختارت الصين أن تأخذ موقفاً حيادياً في هذه الأزمة، فتأثير أي أزمة مع أوروبا يبقى كبيراً على روسيا، لأن حصة الصين من التبادل التجاري الروسي تبلغ فقط 10%. وبنفس الشكل، سيفضل المجتمع الدولي تجنب ما يضع روسيا في مثل هذا الوضع. والمصالح التجارية العالمية في روسيا كبيرة جداً، كما أن أي عقوبة تجارية تطبق عليها ستتطلب وقتاً كبيراً حتى تظهر آثارها، لأن روسيا تنتج نسبة كبيرة من الطاقة والغذاء اللذين تستهلكهما. لكن الحل للأزمة الحالية يبدو معقداً. فبرغم أن شبه جزيرة القرم هي المنطقة الوحيدة التي تضم أغلبية روسية، إلا أن الروس يمثلون 30% من إجمالي سكان أوكرانيا. وقد يستمر عدم الاستقرار الحالي إلى عدة أشهر، ويبقى الاحتمال عالياً لحدوث تدخل عسكري، لكن طالما بقيت الأمور تحت السيطرة، فليس هناك أخبار سيئة للسعودية. * كبير الاقتصاديين في شركة آسيا للاستثمار

مشاركة :