يتابع السعوديون هذه الأيام الأخبار المتداولة عن انتشار فيروس «إنفلونزا الطيور» (H5N1) في دول أوروبية، بشعور يمتزج فيه الارتياح والخوف، فهم بعيدون نسبياً عن هذا الفيروس الذي تسبب لهم بخسائر فادحة منذ انتشاره في العام 2004، في الأرواح وفي قطاع الدواجن، إلا أن المخاوف من عودته تؤرقهم. واستطاعت المملكة في غضون سنوات قليلة السيطرة على المرض القاتل، ومنع انتشاره بين البشر، لتظهر بعدها أمراض فيروسية أخرى ترتبط بالحيوانات والطيور، مثل «إنفلونزا الخنازير» و«كورنا»، شكلت هي الأخرى تحدياً كبيراً. وأصاب فيروس «إنفلونزا الطيور» البشر للمرة الأولى في هونغ كونغ في العام 1997، لينتقل بعدها إلى دول عدة حول العالم بين العامين 2003 و2004، ما أدى إلى وقوع ملايين الإصابات بين الدواجن ووفاة مئات البشر في مناطق مختلفة من العالم. وتسبب المرض في حال من «الرعب» في المملكة، وخلف وفيات بين السعوديين والمقيمين، وتداعيات اقتصادية تمثلت في إتلاف مشاريع لتربية الطيور والدواجن، وفرض قيود «صارمة» على استيرادها من الخارج، صاحبها تغير جوانب معيشية لدى السعوديين والمقيمين في البلاد، مثل منع تربية الدواجن في المنازل، وحظر ذبح الدجاج في المحال وإلزامها ببيع المبرد والمجمد. وطبقت وزارة البيئة والمياه والزراعة بالتنسيق مع الهيئة السعودية للحياة الفطرية، إجراءات وقائية للحد من انتشار الفيروس في المناطق، تضمنت حظر دخول طيور الزينة والببغاءات من خارج المملكة، بسبب المخاوف من احتمال نقلها المرض، بعد تفشيه في بعض الدول، إلا أنها رفعت الحظر عن الدواجن بعد التأكد من زوال خطر الفيروس عنها. وأجرت الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها في العام 2008 دراسة مسحية لأهم مناطق تجمعات الطيور الفطرية في المملكة، للتأكد من خلوها من الفيروس. وأظهر التقرير النهائي للدراسة خلو العينات من «إنفلونزا الطيور»، بعد إرسالها إلى مختبر التشخيص البيطري في الرياض، وأعدت خطة عمل لجمع عينات الطيور البرية المهاجرة. وفرضت الهيئة العامة للغذاء والدواء حظراً موقتاً على استيراد لحوم الدواجن وبيض المائدة ومنتجاتهما وتجهيزاتهما من ست ولايات أميركية، وهي: أوريغون، وكاليفورنيا، وواشنطن، وأيداهو، ومينيسوتا وميزوري، إثر انتشار المرض فيها، واستثنت منها المنتجات التي تخضع للتعقيم الحراري أو أية طريقة كافية للقضاء على الفيروس. وتفرض وزارة الزراعة وهيئة الغذاء والدواء حظراً موقتاً على استيراد الطيور من الدول التي يرد في شأنها نشرات تحذيرية من المنظمة العالمية للصحة الحيوانية ( (OIE تفيد بتفشي الفيروس فيها، وكان آخرها توغو. ونفذت وزارة الزراعة حملات تفتيش، على مزارع عدة، للتأكد من خلوها من فيروس إنفلونزا الطيور، حين سُجلت بعض الإصابات في كبريات المشاريع. تلى ذلك قيام وزاتي المال والزراعة بتعويض أصحاب 27 مشروع دواجن تضررت من الفيروس في منطقة الرياض، بمبلغ يزيد عن 96 مليون ريال، وتم حصر كل الدواجن والطيور المعدمة فيها من «الزراعة» والبالغ عددها حوالى 6.1 مليون طير (بياض ولاحم)، وأكثر من 13 ألف نعامة، وتم تقدير تعويضات لها. وأطلقت وزارة الزراعة حملات توعية عدة للتعريف بالمرض وطرق التعامل معه، موضحة أنه «مرض فيروسي يصيب الطيور والدواجن، وقد ينتقل في حالات نادرة إلى الإنسان من خلال اختلاطه المباشر بالطيور المصابة، إلا أنه لم يثبت علمياً حتى الآن، انتقال العدوى من إنسان إلى آخر». واستهدفت الحملات في شكل مباشر طمأنة المستهلكين إلى أن مشاريع الدواجن في المملكة خاضعة إلى الرقابة والإشراف البيطري من وزارة الزراعة، للتأكد من سلامة منتجاتها. وبعد ستة أعوام من «الخمول» عاد الفيروس إلى الظهور، إذ كشفت وزارة الشؤون البلدية والقروية في العام 2014، رصدها عودة جديدة لـ «إنفلونزا الطيور» إلى البلاد، إضافة إلى أمراض عدة أخرى، مثل: حمى الضنك، وحمى الوادي المتصدع، والخمرة النزفية، لتنفذ بعدها وزارة الزراعة في العام نفسه حملات تفتيش في مزاع عدة في محافظة الخرج، إثر ورود بلاغات لها تفيد بنفوق بعض الدواجن. وأكد وكيل وزارة الزراعة المهندس جابر الشهري لـ «الحياة» حينها أنها مجرد «إجراءات وقائية»، إلا أنها أثارت مخاوف لدى المزارعين من احتمال انتشار الفيروس، خصوصاً بعدما طالبت الوزارة، أصحاب المشاريع كافة بتقديم تقرير يومي يرصد حالات النفوق في الدواجن. إلى ذلك، توصل أستاذ الكيمياء الصيدلية في جامعة الطائف الدكتور أحمد النزهاوي، بالاشتراك مع فريق بحثي العام الماضي، إلى اكتشاف مركبات جديدة تقضي على الفيروس، تتضمن مادة حمض «التارتريك» وتفاعلات كيماوية مُعينة تعطي فاعلية دواء «التاميفل»، وهو أحد أهم العقارات المضادة للفيروس. فيما اكتشفت باحثة سعودية وسيلة تشخيص حديثة لفيروس إنفلونزا الطيور، حصلت بموجبها على براءة اختراع في تشخيص هذا المرض، وكيفية تحديد التشخيص بدقة، وفي وقت يعد قياسياً. ووفق ما صرحت به صاحبة الاختراع الأميرة نجلاء بنت سعود بن عبد العزيز إلى «الحياة»، فإن هذه التقنية من أهم التقنيات الوراثية الجزئية للكشف عن هذا المرض الوبائي، مشيرةً إلى أن هذه الطريقة طورت خصيصاً للسلالات السعودية من الفيروس، وتتوافق بصورة كاملة معها، بعكس الطريقة الأخرى التي لم يتم تصميمها بناء على تتابعات الحمض النووي للسلالات السعودية. وعلى رغم نجاح المملكة في الحد من خطر «إنفلونزا الطيور»، ظهرت أمراض فيروسية أخرى أشد فتكاً بالبشر مثل «إنفلونزا الخنازير» (H1N1)، و«كورونا»، والتي تمثل تحدياً كبيراً لها يتطلب المزيد من الجهود للقضاء عليها، بعدما خلفا مئات الضحايا، وأصاب الأخير منذ انتشاره في المملكة في العام 2012 حتى الآن، حوالى ألف و477 شخصاً، توفي منهم 616، فيما تماثل 855 إلى الشفاء. يُذكر أن المنظمة العالمية لصحة الحيوان أعلنت الخميس الماضي، أن دول ألمانيا، والنمسا، وكرواتيا، وسويسرا، أبلغت رسمياً عن تفشي سلالة حادة من فيروس إنفلونزا الطيور بين الطيور البرية، ليرتفع بذلك عدد الدول الأوروبية التي ظهر فيها الفيروس إلى ست. وأمرت الحكومة الهولندية المزارعين في البلاد بعدم إخراج قطعان الدواجن من حظائرها، بعد الاشتباه بحالات إصابة بفيروس «H5N1» شديد العدوى في دول عدة. وتفشى الفيروس بين البط في سويسرا قرب الحدود مع بولندا، وفي النمسا رُصدت حالات عدة في أنواع مختلفة من الطيور البرية، وأبلغت بولندا عن تفشيه بين البط قرب الحدود الألمانية، فيما رصدته كرواتيا بين البجع في الجزء الشرقي من البلاد.
مشاركة :