وسام شرف لنبدأ من الحدث الأخير حصولك على وسام الملك عبدالعزيز.. كيف تلقيت هذا النبأ السعيد.. وما هي دوافع حصولك على هذا الوسام الرفيع؟ تم تبليغي عن طريق اتصال من صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله، وقد زاد ذلك من سعادتي وجعلها مضاعفة، فاتصال سموه بي أراه وسامًا آخر، وشرفًا كبيرًا طوقني به سموّه، وقد كان تقديري لذلك كبيرًا؛ حيث لم يتم تبليغي برسالة أو فاكس، فكان لهذا الاتصال أكبر الأثر في نفسي، ويدل على مدى إنسانية ورقيّ الأمير متعب بن عبدالله.. والحمد لله أنني حصلت على هذا التكريم المميز، وهذا الوسام الذي هو أمنية كل إنسان، فوسام الملك عبدالعزيز فخر يتوّج رحلتي في حب الوطن، وقد كان من حولي يقولون لي: متى تحصلين على وسام الملك عبدالعزيز؟ فكنت أقول لهم: لا أعلم، فكانوا يتمنونه لي والحمد لله تحقق هذا الحلم بدعوات من حولي وأمنياتهم.. وحصولي على هذا الوسام لم يأتِ من فراغ؛ فقد كنت أتعب وأبحث وأقدم كل شيء لوطني، وكنت أشعر بالسعادة بعد هذا التعب، ولكن ولله الحمد تعبي لم يذهب سدى. مؤسسة ورائدة لنعد بك إلى بداية رحلتك مع الفن التشكيلي.. ما الدوافع التي حدت بك إلى اقتحام هذا العالم؟ كانت ولادتي في مدينة جدة في حارة الشام، وكنت أعشق الرسم منذ نعومة أظفاري وشجعتني عائلتي على ذلك، فكنت من مؤسسات الفن السعودي، ومن الرعيل الأول المؤسس للحركة التشيكلية، وكنت أول من نظم معرضًا متكاملًا داخل المملكة، وكذلك من أوائل من أقام معارض شخصية خارج المملكة في عدة دول أوروبية. ولهذا أستطيع القول بأنني من مؤسسي الفن السعودي ولست رائدة في هذا المجال فقط، فقد قدمت معرضي الأول في عام 1968م في مدرسة دار التربية الحديثة للبنات، حيث تشرف بافتتاح سمو أمير المنطقة، وحضره العديد من المثقفين والحضور الدبلوماسي مما ساعد في توثيق بداية الحركة التشكيلية في المملكة، وقدمت في ذلك العديد من أعمال الدراسة بالإضافة لأعمال تحاكي التراث، وأعمال الدراسة هي أعمال رسمتها في مصر على يد أحد أساتذة الفنون بالجامعة وهو صبري عبدالغني.. وبعد معرضي الأول اتجهت لتسجيل تراثنا الذي يحتوي على الكثير من النواحي الجمالية والتعبيرية في حياتنا اليومية سواء في الحضر أو البادية، وبعد معرضي الثاني في مدرسة دار الحنان قررت عدم بيع لوحاتي حتى أجمعها يومًا ما تحت سقف واحد يسهل على المتلقي والدارسين مشاهدتها بسهولة، ومن هنا بدأت فكرة الدارة، وفي عام 1973م أقمت معرضي الثالث في لندن والفضل يعود في ترتيبه لأخي المرحوم وهيب بن زقر الذي كان دومًا وراء معارضي الدولية، كما أني أصدرت كتابي الأول عام 1978م بعنوان «الماضي من وجهة نظر فنانة»، وغيرها من إنجازتي الفنية الأخرى. تنافس شريف كيف ترين بدايات الفن التشكيلي السعودي.. ومن هم الروّاد؟ بداية الفن السعودي كانت متوازنة بين الفنانين والفنانات.. نعم كان الفنان عبدالحليم الرضوي أول من عرض قبلي بعامين؛ ولكن الصدى الذي حققه معرضي الشخصي الأول عام 1968م كان مميزًا وحظى باهتمام كبير من الإعلام وحضور مميز من شخصيات كبرى وكان المعرض برعاية صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز وبحضور عدد كبير من الدبلوماسيين وكان المعرض متكاملًا رغم إقامته في مدرسة للبنات، وبعدها كان هناك دور لرعاية الشباب في إقامة المعارض الفنية ودعمها.. ولا شك أن الفنان عبدالحليم رضوي يعد هو رائد الحركة التشكيلية في المملكة، وبعده السليم وضياء عزيز ضياء وعبدالجبار اليحيى وعبدالله الشيخ، أما من الفنانات فكنت أنا والفنانة منيرة موصلي وليلى البسام.. ورغم روح التنافس بيننا إلا إنه كان تنافسًا شريفًا، وكنا جميعًا على قلب واحد، ولم يكن هناك أي خلاف، وكنا نرسم بروح واحدة. حلم قديم دارة صفية بن زقر حلم تحقق.. فما سبب تأسيسك لهذه الدارة؟ بعد أن أوقفت بيع لوحاتي في أعقاب مرضي الثاني، أصبحت الأعمال عندي كثيرة، وأصبح مرسمي مزارًا للزائرين والباحثين والدارسين، وكنت أحلم بمكان فني يجمع كل أعمالي الفنية حتى تكون في متناول الجميل يشاهدها ويستمتع بها.. وبقيت متواصلة مع الجمهور من متذوقي الفن التشكيلي عن طريق معارضي الشخصية، التي كنت أقيمها داخل المملكة وخارجها وكان الحلم الذي كان يراودني دائمًا هو أن أجمع أعمالي كلها في مكان واحد يحتويها لتكون في متناول متذوقي الفن والتراث. ومرت السنين، والحمد لله تحقق هذا الحلم بإقامة الدارة بعد سنوات من التخطيط والعمل الجاد، حيث شاركت في بناء كل جزء وركن في هذه الدارة، وقد زارني قبل افتتاح الدارة صاحب السمو الملكي الامير ماجد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة وأثنى على الدارة وتوفي رحمه الله قبل الافتتاح، وافتتحها بعد ذلك صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز -رحمه الله- ومنذ الافتتاح حظيت الدارة بزيارة شخصيات كبيرة؛ منها ملك إسبانيا الأمير كارلوس بالإضافة لعدد من الوزراء والسفراء والقناصل وأصحاب السمو الملكي الأمراء، وهي مفتوحة للجميع. عندما يُذكر تاريخ الفن التشكيلي بالمملكة، تكون الفنانة الرائدة صفية بن زقر هي المبتدأ وفاتحة القوس. كيف لا وهي مؤسسة هذا الفن وواضعة لبناته الأولى بموهبة وعلم ودراية.. وعندما نريد التأريخ للتراث الفني بالمملكة، لا يمكن أيضا أن نغفل إحدى عاشقاته في حاضرة الحجاز (جدة)، التي خلدته بلوحاتها البديعة، ومؤلفاتها القيّمة، عبر نحو نصف قرن من الفن والجمال. فـ»صفية بن زقر»، من مؤسسي الفن التشكيلي السعودي وأهمّ رواده، وكذلك هي واحدة من أهم عشاق تراث الوطن ومخلديه، منذ أن حملت تلك الطفلة النجيبة في وجدانها، قبل عدة عقود، عبق ذاك التراث العريق في حارة الشام بجدة القديمة، التي تجوّلت في سنواتها بين أزقتها وبيوتها الحجرية ورواشينها الأصيلة.. تلك الحارة التي شهدت ولادة بن زقر عام 1940م، لتنطبع في ذاكرتها، وتحملها في مخيلتها ببيوتها العتيقة وأزقتها الضيقة وسكانها الطيبين سنوات وسنوات، اغتربت خلالها للدراسة بين مصر وبريطانيا، فلم تنس صفية خلالها عطر المكان وعبق الذكريات، وحنين طفلة إلى عرائسها الحجازية. ولم يقف إسهام صفية بن زقر الفني عند إنجاز لوحاتها التشكيلية، وتقديمها في معارض شخصية، أو المشاركة بها في معارض محلية وعالمية، بلغت في مجملها تسعة عشر معرضًا شخصيًا، وسبعة معارض جماعية، بل أضافت لجهدها الفني جهودًا أخرى في التأليف، حيث ألفت كتاب «المملكة العربية السعودية نظرة فنانة إلى الماضي» باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وقدمت كتابها الثاني «صفية بن زقر.. رحلة عقود ثلاثة مع التراث السعودي».. كل هذا الإسهام الكبير لم يقف عند هذا الحدّ؛ بل كرّست الفنانة صفية اهتمامها لإشاعة الجمال في أوسع نطاق ممكن، محققة هذا الحلم عبر دارة صفية بن زقر، التي أصبحت اليوم معلمًا جماليًا وحضاريًا من معالم مدينة جدة، بما أظهرته الفنانة في هذه الدارة من اهتمام واضح بالتراث السعودي، ففتحت له عبر هذه الدارة نوافذ التوثيق، والاستفادة منه محليًا ودوليًا.. ولهذا جاء حصولها على وسام الملك عبدالعزيز مؤخرًا، وسام ترى فيه الفنانة صفية، تاج فخر وشرف.. في هذا الحوار نتعرف مع الفنانة صفية على تفاصيل حصولها على هذا الوسام، وكيف تلقت النبأ السعيد، وبداياتها مع الفن التشكيلي، ورؤيتها التي أسست بها دارة صفية بن زقر وغيرها من المحاور الأخرى. ثالث الأوسمة السعودية في الدرجة ويمنح تقديراً لمن يؤدي خدمات كبرى للدولة أو لإحدى مؤسساتها أو يقوم بخدمات أو أعمال ذات قيمة معنوية هامة أو لمن يقدم تضحيات كبيرة. عبارة عن 4 درجات هي الممتازة، الأولى، الثانية والثالثة سيرة ذاتية: من مواليد حارة الشام في جدة عام 1940م انتقلت مع أهلها إلى القاهرة في أواخر عام 1947 حصلت على شهادة الثانوية الفنية عام 1960 سافرت إلى بريطانيا كي تلتحق بـ Finishing school، لمدة ثلاث سنوات دراسية التحقت ببرنامج دراسي بكلية سانت مارتن لتحصل على شهادة في فن الرسم والجرافيك في عام 1963 عادت صفية بن زقر إلى جدة لتبدأ في مشروعها الفني التوثيقي أسست الفنانة صفية بن زقر، دارة تحمل اسم دارة صفية بن زقر في مدينة جدة حازت على الكثير من الجوائز كجائزة كأس ودبلوم دي إكسيلانس من جرولادورا عام 1982 في إيطاليا، كذلك شهادات تقدير عديدة ودروع تكريم لإنجازاتها الفنية الثرية في الحلقة القادمة: صفية بن زقر تفتح أروقة دارتها لقراء «المدينة» الدارة حلم تحقق.. ولاختيار مكانها قصة وعناء دارة صفية ليست مجرد متحف.. ولكنها إطلالة على زمن الطيبين وسام الملك عبدالعزيز:
مشاركة :