حتى لا يصبح العاقل مجنوناً

  • 11/16/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

عبدالله الهدية الشحي ورد في إحدى حكايات الموروث الشعبي أن مملكة ما في قديم الزمان كانت تعيش في طمأنينة وأمن وسلام وود ووئام تحت ظل ملكها الفطين العادل وكان يأتيها رزقها رغداً ويعيش شعبها الواعي بشؤون حياته والمدرك لمتطلبات دنياه في سعادة وهناء إلى أن حلت بينهم ساحرة خبيثة ملأ قلبها الحسد والحقد، فساءها أمر استقرار هذه المملكة السعيدة، فخططت للقضاء على كل منجزاتها. ولتحقيق مرادها الخبيث بدأت بهدم أركان الفكر السليم عن طريق النفث بعقد سحرها التي رمتها في بئر الماء التي يشرب منه سكان هذه المملكة حتى أصيبوا جميعاً بالجنون وغدوا يرون الأمور على غير حقيقتها وفي غير موضعها الصحيح ويشعرون بذات الوقت بأنهم أعقل أبناء زمانهم وأن كل قراراتهم على حق وأن فكرهم يتصف برجاحة العقل وحسن التفكير والتدبير وأن ملكهم ووزيره اللذين لم يشربا من ماء البئر ما عادا كما كانا فطينين وصاحبي حكمة ورأي سديد وأنهما قد أصيبا بالجنون. احتار الملك في أمرهم وقال لوزيره: أنت وزيري ومستشاري فأشر علي بحل ينهي المشكلة التي بيني وبين قومي الذين يتهمونني معك بالجنون ويعتقدون بأنهم هم وحدهم العقلاء، فأشار الوزير للملك بأن يشرب من البئر المسحور ماؤها فوافق الملك شرط أن يشرب الوزير أولاً وما إن شرب الوزير حتى قال للملك: لماذا أنت هنا أيها المجنون؟ حينها أخذ الملك من الماء المسحور كأساً وقبل أن يرشف منه قال مقولته المشهورة التي غدت مثلاً تتناقله الأجيال: إذا جن قومك فلن ينفعك عقلك. وما إن شرب الماء حتى التف حوله أهل مملكته وقالوا بصوت واحد: الآن عاد الملك إلى رشده. تأخذنا هذه الحكاية إلى جانب من واقعنا الفكري والثقافي المؤلم، فالجنون الوارد في هذه الحكاية ليس ذاك الجنون الذي بينه وبين العبقرية شعرة، وهو ليس بذلك الجنون الذي يأتي بالفنون والإبداع إنما هو جنون فقد العقل وضياع الفكر الرزين والقيم النبيلة. وهذا ما قد يصل إليه بعضنا أو يحكم عليه به من قبل بعضنا الآخر، وإلا بماذا نفسر ظاهرة انتشار أسماء أصحاب السخافة الذين لا فكر ولا هدف ولا محتوى لما يكتبون ويصورون وينشرون هنا وهناك فيسوّقون للغث ويتبعهم من يتبعهم من المريدين الذين يبحثون عن مثل هؤلاء ويغدقون عليهم المال مقابل الدعاية لهم؟ وكيف نشرعن ونتقبل ما تقوم به بعض وسائل الإعلام التي تستضيف مثل هؤلاء وتزيدهم خبالاً على خبالهم وتزيدنا حيرة في أمرهم وأمر أهل الرقي؟ وإنه لمن العجب العجاب أن نرى دعاية تمول من جهة رسمية يقوم بها أحد هؤلاء الذين لا صلابة في عودهم ولا رجولة في طريقة حديثهم؟ تُرى أيحق لمثل هذه الوسيلة ومثل هذه الجهة بعد هذا أن تتحدث عن المبادئ والقيم؟ هذا سؤال ربما يحتاج إلى إجابة سريعة كي نحافظ على المثل التي تقتدي وستقتدي بها أجيالنا ولكي لا يشرب عاقلنا من ماء البئر المسحور فيعم الغث ويغيب الذوق الراقي. aaa_alhadiya@hotmail.com

مشاركة :