التسامح .. قيمة إسلامية وإنسانية وأخلاقية عليا

  • 11/16/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يسرني كثيراً بمناسبة اليوم الدولي للتسامح، أن أعبر عن فخري واعتزازي بما تمثله بلدنا الإمارات كنموذج رائع في التسامح والتنوع الخلاق والتعايش والتعارف بين الثقافات، بل وما تؤكد عليه هذه الدولة الرائدة من أن التعايش والتعارف والحوار بين الأشخاص والجماعات التي تمثل معتقدات وثقافات وخلفيات متنوعة من شأنه أن يؤدي إلى وجود عالم أفضل وأكثر سلاماً وأكثر رخاء واستقراراً لما فيه مصلحة الجميع. إن تاريخ دولتنا الناهضة هو تجسيد حي لدور القيادة المستنيرة في الأخذ بمختلف الأساليب والأدوات الضرورية لتحقيق السلام والتفاهم والاستقرار في ربوع الوطن بل والعالم. إن مسيرة وإنجازات مؤسس الدولة المغفور له بإذن الله، الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، عليه رحمة الله ورضوانه، بما اشتملت عليه من قيم أصيلة ومبادئ نبيلة قد جاءت في كافة جوانبها تأكيداً مستمراً لاعتقاد راسخ بأن التعايش بين الجماعات المتنوعة هو احتفاء واهتمام بالقيم والمبادئ التي يشترك فيها البشر في كل مكان، وأن التواصل الإيجابي بين الجماعات والثقافات هو سلوك إنساني نبيل يسهم في بناء العلاقات المثمرة في ربوع العالم كله. لقد كان المغفور له الوالد الشيخ زايد، رحمه الله، يقول لنا دائماً إن واجبنا في الإمارات وفي العالم كله هو أن نسعى إلى تحقيق العدل والتسامح والتفاهم والسلام - كان المغفور له يؤكد لنا دائماً أن تحقيق ذلك كله متطلب أساسي، لتحقيق التنمية الشاملة في المجتمع والعالم- كان يقول لنا إن القضاء على الفقر والجهل والمرض وإتاحة الفرص أمام الجميع هي كلها نتائج طبيعية لمجتمع متسامح منفتح على ثقافات وحضارات الآخرين- كان يؤكّد لنا أن التشدد والتطرف والمغالاة ظواهر بغيضة تنشأ نتيجة الفقر والفشل والتشاؤم، بينما التسامح والتعايش والتفاؤل ظواهر محمودة تحقق الثقة والأمل في المستقبل، لا عجب والأمر كذلك أن نجد دولة الإمارات وهي في المقدمة والطليعة بين دول العالم كله في الالتقاء بين البشر، وفي التفاهم والتعايش بينهم، وكذلك في العمل المشترك معهم من أجل تحقيق الخير والرخاء للفرد وللمجتمع وللعالم كله. إننا نحمد الله كثيراً، أن قادة دولة الإمارات يسيرون على هدي رؤية المغفور له الوالد الشيخ زايد، وكان لذلك أثره الكبير في حدوث تقدم اقتصادي واجتماعي مرموق، أدى إلى توفير فرص واسعة للعمل المنتج والرقي الدائم أمام جميع السكان في الدولة. إن صاحب السمو الوالد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة - حفظه الله - يرى في التعايش والتسامح وسيلة أكيدة لمكافحة الجهل بالآخر، وأداة مهمة لتحقيق السلام والوفاق في أي مجتمع إنساني، بل إن سموه يرى كذلك أن التعايش والتسامح هما مكونان أساسيان في سعي دولة الإمارات إلى أن تكون دولة ناجحة بكل المقاييس: دولة تأخذ مكانتها اللائقة بها في مسيرة التطور العالمي التي تتشابك فيها المصالح والاهتمامات، وتتطلب أن تقوم العلاقات بين الجميع على الثقة والتعاون والاحترام المتبادل - كذلك فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي رعاه الله، وأخاه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخوانهما أصحاب السمو الشيوخ، أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، حكام الإمارات، يشاركون ويدعمون رؤية صاحب السمو الوالد رئيس الدولة في هذا المجال، ويؤكدون بالقول والعمل أننا في عصر يجعل من التعايش والتسامح ضرورة أساسية لتقدم العالم، وأن معطيات هذا العصر بما في ذلك انتشار تقنيات المعلومات والاتصال وسهولة التنقل بين بلدان العالم، تستلزم منا العمل بكل جد وإخلاص على بناء جسور التفاهم والتعايش والتواصل والحوار بين الجميع. إن الزيارة التاريخية التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان هذا العام إلى الفاتيكان، هي تجسيد لدور قيادتنا المستنيرة في هذا المجال، وتذكرة بما يبذله سموه بالذات من جهد هائل وعمل مستمر في سبيل تشكيل مسيرة الدولة على أسس متينة، تشمل احترام الأديان والمعتقدات، وتطوير العلاقات المتنامية مع أصحاب الحضارات والثقافات المختلفة، بالإضافة إلى تحقيق التواصل والتعارف والمحبة بين الناس، والسعي نحو تحقيق مستقبل للبشر يسوده التفاهم والسلام في ربوع العالم كله. كذلك فإن المبادرة الرائعة باستحداث منصب وزيرة الدولة للتسامح هو تجسيد لهذا الفكر المستنير، الذي يعلن بكل وضوح أن التسامح أمر لا يتحقق بصفة تلقائية، بل لابد من رعايته وتنميته، والعمل المستمر على التخلص من الفجوات القائمة بين الثقافات والحضارات المختلفة - إن تعيين وزيرة الدولة للتسامح هو إعلان من دولة الإمارات بأن التعليم والتوعية والمبادرات الهادفة، بالإضافة إلى الرؤية المجتمعية الرشيدة هي أمور ضرورية لمكافحة التعصب والتطرف، والحث على احترام الآخر وتحقيق الصفاء والتفاهم والتعايش بين الجميع، والاحتفاء بالقيم والمبادئ التي نشترك جميعاً فيها كسكان على هذا الكوكب الواحد. إن احتفاءنا بمناسبة اليوم الدولي للتسامح يدعونا في دولة الإمارات بالذات، وباعتبارنا دولة رائدة في هذا المجال، أن نستمر في بذل الجهد لبعث الأمل والتفاؤل في العلاقات بين الحضارات والثقافات: لنا في هذا المجال أن نعتز ونفتخر بالقوانين والتشريعات التي صدرت في الدولة من أجل التصدي لمثيري النزاعات والفتن بين أتباع الأديان، ومن أجل منع جرائم التطرف والكراهية، ومكافحة كافة أشكال التفرقة والتمييز - علينا أن نستمر في جهودنا في تطوير دور التعليم ودور وسائل الإعلام في هذا المجال: نقوم بتعريف العالم بطبيعة الإسلام السمحة، وإسهاماته الكبرى في مسيرة البشرية - علينا في الوقت نفسه مضاعفة الجهد لتعريف مجتمعاتنا العربية والإسلامية بالقضايا التي تهم المجتمعات الأخرى، وأن نعتاد من خلال ذلك، على النظر إلى هذه القضايا بانفتاح وتسامح وموضوعية - علينا كذلك أن نركز على تشكيل أفكار وتوجهات الفرد نفسه وعلى توعيته وعلى توفير المعلومات والبيانات الصحيحة له عن العلاقات بين الحضارات والشعوب، باعتبار أن ذلك يمثل الوسيلة المثلى لمكافحة الأفكار الخاطئة، ومجابهة المغالطات التي تحاول فئات بعينها نشرها بين السكان. علينا في ذلك كله أن ندرك أن نشر مبادئ التسامح والتعايش لابد وأن تبدأ من الفرد ذاته، ولابد أن تركز كذلك على كل مجتمع محلي على حدة، ثم على مستوى كل دولة أيضاً، وأن يكون كل مجتمع محلي نموذجاً وقدوة ينضم إلى المجتمعات المحلية الأخرى في منظومة وطنية وعالمية فعالة، وصولاً بإذن الله إلى دول تنعم بالتسامح والتعايش، وإلى عالم يسوده الأمن والأمان والسلام والتقدم والرخاء. ولنتذكر في هذا اليوم الدولي للتسامح أن التنوع والتعدد في الثقافات والحضارات قد أصبح اليوم حقيقة واقعة في معظم المجتمعات في العالم، ومنها بالتأكيد مجتمع الإمارات، وأن التسامح بطبيعته هو الخطوة الأولى نحو التعايش والتعارف - التسامح قيمة إنسانية رفيعة ولكنه في حاجة منا جميعاً إلى دعمه وتأكيده من خلال التعرف الحقيقي إلى الآخر، وقبوله كشريك في المجتمع، دون أي إقصاء أو تمييز، لابد من العمل الجاد والمتواصل من أجل مكافحة الجهل بالآخر، والتخلص من الصور النمطية له، ومعالجة أسباب النزاع معه - التسامح وحتى يؤدي إلى التعايش والتعارف والتفاهم مع الآخر لابد وأن يعكس التزاماً كاملاً على كافة مستويات المجتمع، وجهوداً مخلصة لجعل هذا الالتزام حقيقة واقعة - التسامح لابد وأن يصاحبه حوار إيجابي وصادق ونزيه بين أتباع الديانات والثقافات والمعتقدات، بحيث يعتاد الجميع على تبادل الأفكار والمعلومات والاستماع إلى الآخر والتعايش معه بسلام - التسامح باختصار شديد لابد وأن يقوم على انفتاح ثقافي وحضاري بين جميع سكان المجتمع، بما يؤدي إلى التطور في المعارف لدى الجميع عن الجميع، ويسهم في بث الحيوية في الثقافة الوطنية وإظهار أبعادها العالمية في أجمل صورة. في إطار ذلك كله علينا أن نستحضر دائماً ما ورد في القرآن الكريم، الذي هو نبراس حياتنا، من أنه لا إكراه في الدين، وأن نستلهم قوله سبحانه وتعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا - إن البشر جميعاً أبناء زوج واحد، نشترك معاً في خصائصنا ونزعاتنا الإنسانية. إننا نعتز غاية الاعتزاز بأن المجتمعات الإسلامية على مر العصور كانت مجتمعات متنوعة في الأجناس والأعراق، وأن عبقرية الدين الحنيف قد جعلت من هذا التنوع مصدر قوة خلاقة وإيجابية، ومنبع حضارة خالدة ومتجددة - التسامح والتعايش والتعارف هي قيم إسلامية أصيلة باعتبارها أساساً لعمل المعروف والعيش المستقرّ في أمن وسلام، بل وأيضاً تأكيداً بأن الفروق بين البشر هي أمور طبيعية تسهم في تحقيق الخير للجميع إذا ما تعارفوا وتواصلوا مع بعضهم البعض في مناخ إيجابي يسوده السلام والأمان. إنه في اليوم الدولي للتسامح يجب أن نتذكر ذلك كله، وكيف أن قيم ومبادئ الإسلام الحنيف تمثل أساساً قوياً للحياة في هذا العالم، الذي تتنوع فيه الأديان والمعتقدات والأعراق، باعتبارنا جميعاً أبناء"ذكر وأنثى"، نعمل معاً من أجل تشكيل عالم يقوم على القيم والأخلاق الحميدة، وينبذ الكراهية والعنف وازدراء الأديان أو الإساءة للمعتقدات. علينا كذلك أن نتذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقدم نموذجاً فريداً وناجحاً للتعارف والتعايش في العالم، بين سكان ينتمون إلى كافة أقطار الأرض - نحن ولله الحمد دولة تحظى بقيادة رشيدة وشعبٍ واعٍ وحضارة خالدة وقيم وتقاليد أصيلة ومؤسسات وتشريعات قوية، وهي كلها مقومات أساسية تدعم قدرتنا على التعامل بكل ثقة مع كافة الحضارات والثقافات الإنسانية. أدعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الإمارات، وأن يحفظ قادة الإمارات، وأن يحفظ شعب الإمارات، كي تسير هذه الدولة العزيزة دائماً لتكون موطناً لحياة كريمة لجميع سكانها، موطناً يحترم الإنسان ويثري حياته، ويحتفي بقيم التسامح والتعايش والتعارف وما يصاحبها بإذن الله من تقدم اقتصادي واجتماعي مرموق تظل به دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي النموذج العالمي الرائد في الاستقرار والمحبة والسلام، وفقنا الله جميعاً إلى كل ما يحب ويرضى.

مشاركة :