ترامب في الشرق الأوسط.. طبعة منقحة

  • 11/17/2016
  • 00:00
  • 29
  • 0
  • 0
news-picture

عمرو عبد العاطي على عكس كل التوقعات بفوز المرشحة الديمقراطية ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أجريت في الثامن من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، حيث كانت نتائج استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم المرشحة الديمقراطية على منافسها الجمهوري في معظم الاستطلاعات. جاءت نتائج تلك الانتخابات ضربة قاصمة لجميع توقعات أهم مراكز الفكر والرأي (Think Tank) داخل الولايات المتحدة، وكذا كبرى وسائل الإعلام والصحف الأمريكية، والخبراء والمحللين داخل الولايات المتحدة وخارجها. سيرث الرئيس ال45 للولايات المتحدة سياسة شرق أوسطية تقوم على الانسحاب من المنطقة التي أضحت تموج بالحروب والصراعات الأهلية والطائفية، ناهيك عن أنها أضحت ساحة للحروب بالوكالة مع تعاظم دور القوى الإقليمية والدولية في شؤون المنطقة، والتي لا تعمل على استقرارها لكن تؤزم النزاعات الداخلية من أجل تحقيق مآرب ذاتية لا تخدم إلا مصالحها وأطماعها في المنطقة. ناهيك عن انهيار عدد من دول المنطقة وتحولها إلى دول فاشلة توفر ملاذات آمنة للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية، وصعود قوى عسكرية غير نظامية تسيطر على مساحات شاسعة من دول المنطقة كتنظيم داعش في العراق وسوريا. الأمر الذي دفع كثيرين إلى الحديث عن مخاض شرق أوسط جديد بعد مرور قرن على اتفاقية سايكس بيكو (1916)، حيث يُعاد تقسيم المنطقة على أسس عرقية وطائفية جديدة في وقت تنسحب فيه الولايات المتحدة من المنطقة. وإن كان من الصعب التنبؤ بالسياسة الخارجية للرئيس الأمريكي الجديد تجاه منطقة الشرق الأوسط، حيث إن تصريحاته خلال حملته الانتخابية قد تختلف عن السياسات التي يتبناها عندما تطأ قدماه البيت الأبيض في العشرين من يناير/كانون الثاني القادم في ضوء تشارك عديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في عملية صنع السياسة الخارجية التي تتسم بالتعقيد والتشابك، والمعلومات الاستخباراتية والتقارير اليومية التي يتلقاها الرئيس والتي من شأنها إحداث تحول في رؤيته لقضايا السياسة الخارجية عن تلك التي كان يتبناها عندما كان مرشحاً. بيد أن هناك محددين رئيسيين سيحكمان السياسة الخارجية للرئيس ترامب عامة وتجاه منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. يقوم المحدد الأول على مبدأ الانعزالية Isolationismفي السياسة الخارجية الذي يركز على رفض المشاركة الفعالة في الشؤون الدولية ويركز على قضايا الداخل، وهو ما ترجمه شعار حملته الانتخابية أمريكا أولاً الذي يعني أن الولايات المتحدة لا يجب عليها تحمل مسؤولية تأمين مصالح الدول الأخرى دون مقابل. أما المحدد الثاني فيتعلق برفض مبدأ التدخل العسكري الأمريكي لأغراض إنسانية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول طالما أن الأمور في تلك الدول لا تمثل تهديداً جدياً للمصالح والأمن القومي الأمريكيين، والذي يصاحبه رفض التدخل الأمريكي لبناء الدولة، وفي المقابل تبني الحفاظ على الوضع القائم دون تغييره طالما لا يؤثر بصورة مباشرة في الولايات المتحدة ومصالحها، والإبقاء على رجال أقوياء في الشرق الأوسط أفضل من الفوضى وفقدان السيطرة وعدم الاستقرار. ومن هذا فإنه يتوقع أن يكون هناك أوجه للتقارب بين السياسة الشرق أوسطية للرئيس الأمريكي الجديد، مع تلك التي تبناها الرئيس باراك أوباما، يأتي على رأسها استمرار سياسة الانكفاء الأمريكي عن منطقة الشرق الأوسط، انطلاقاً من أن التدخلات العسكرية الأمريكية في المنطقة أدت لنتائج عكسية، وهنا يشير ترامب إلى النتائج السلبية للتدخل العسكري الأمريكي في ليبيا عام 2011. ولهذا فإن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تتدخل عسكرياً في سوريا لأنها لا تمثل مصلحة مباشرة للولايات المتحدة، وفيما يتعلق بمصير الأسد يؤيد ترامب بقاء الدولة في مقابل الفوضى. ومع استمرار سياسة تقليل الانخراط العسكري في المنطقة، في وقت تنامى فيه نفوذ التنظيمات الإرهابية والمسلحة في المنطقة، فإن إدارة ترامب ستستمر في التعاون الأمني والعسكري مع الدول العربية لمحاربة الإرهاب، والاعتماد على الحلفاء الرئيسيين بصورة رئيسية لمحاربة تنظيم داعش في المنطقة، وهذا سيكون محور عودة العلاقات الاستراتيجية الأمريكية- المصرية بعد سنوات من التوتر والتذبذب خلال إدارة الرئيس باراك أوباما لا سيما بعد الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، وفرض بعض القيود على المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر. ومع خوضها حرباً على الإرهاب ودعم ترامب لتلك الحرب فمن المتوقع أن يتم رفع تلك القيود. كما عبر ترامب عن استعداده للتعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد لهزيمة تنظيم داعش في سوريا. وستختلف السياسة الخارجية الأمريكية للإدارة الجديدة في منطقة الشرق الأوسط في أنه سيغيب الحديث عن الضغط الأمريكي على الدول العربية لتبني إجراءات على طريق الإصلاح السياسي واحترام حقوق الإنسان، حيث إنها لن تكون قضية ذات أولوية على أجندة الرئيس الأمريكي الجديد، الذي سيصاحبه إعادة التقارب مع دول عربية تأزمت العلاقات الأمريكية معها خلال سنوات حكم إدارة أوباما على خلفية ملف الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان ويأتي في مقدمتها مصر. مع تعزيز التعاون والتحالف الأمريكي الإسرائيلي إلى مستويات غير مسبوقة، حيث أعلن ترامب أثناء حملته الانتخابية أنه سينهي معاملة إسرائيل كمواطن من الدرجة الثانية في اليوم الأول له في الحكم، مع تعزيز التفوق الأمني والعسكري الإسرائيلي. وعلى عكس نهج التقارب مع إيران خلال إدارة أوباما الذي أثار مخاوف الدول الخليجية وإسرائيل فإن سياسات الإدارة الجديدة تجاه إيران ستتقارب مع وجه النظر الإسرائيلية والخليجية التي ترى أن السياسات الإيرانية تمثل تهديداً لمنطقة الشرق الأوسط، والذي يعني إعادة توازن القوى في المنطقة لصالح الدول العربية وإسرائيل بعد فترة من سعي إدارة أوباما لإحداث توازن قوي في المنطقة بين قوتين رئيسيتين تأتي إيران على قمة إحداها والدول الستة على الأخرى بعد الاتفاق النووي الإيراني في منتصف العام الماضي. خلاصة القول: إن السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب لن تختلف كثيراً عن السياسة الخارجية الأمريكية لإدارة الرئيس باراك أوباما تجاه منطقة الشرق الأوسط. والتحول الأساسي في السياسة الخارجية الشرق أوسطية خلال إدارة ترامب عن إدارة أوباما أن الأولى ستكون أقرب إلى الرؤية الإسرائيلية تجاه تطورات منطقة الشرق الأوسط في ظل إعادة التقارب الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل بعد 8 سنوات من التوتر والضغط الأمريكي على إسرائيل واختلاف وجهات النظر بين الحليفين التقليديين. * باحث متخصص في الشؤون الأمريكية محرر مشارك بمجلة السياسة الدولية (مؤسسة الأهرام)

مشاركة :