طرابلس/ سيف الدين الطرابلسي/ الأناضول "لا يكاد يمر يوم دون أن تصل جثث على الشاطئ"، هذا ما يحكيه منصور عبد اللطيف، أحد عناصر حرس السواحل الليبي في مدينة "القره بوللي"، شرق العاصمة طرابلس. وتطل "القره بوللي"، عبر شاطئها الجميل الجامع بين لون الرمل الأصفر و ساحلها الأخضر، على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، ويقابلها شمالا جزيرة مالطا، وجزيرة "صقلية" الإيطالية، شواطئ القره بوللي فيها خليج يسمى “مصيف القربوللي” يجعل من امواج البحر هادئ، منطقة جاذبة للعائلات الليبية التي تريد شواطئ جميلة وبحر هادئ للاصطياف. الخليج نفسه، ذات الامواج الهادئة يشكل منطلقا مناسبا للإبحار، فينطلق منه المهاجرون السريون الراغبون في ركوب البحر للعبور إلى الضفة الشمالية من البحر المتوسط، إلأ إنه في ذات الوقت يشكل أرضا لاستقبال جثث الغرقى منهم والتي تقذفها أمواج البحر إلى الشاطئ. و"القره بوللي"، بحسب إحدى الروايات، هو اسم تركي ويعني "القصر الأخضر"، وليس مستبعدا أن يكون العثمانيون أطلقوا هذا الاسم على المنطقة المعروفة باخضرارها، خلال حكمهم للبلاد (1551- 1911). ومع تكرار مشاهد الجثث التي تقذفها البحر على القرة بوللي في العامين الأخيرين، لم تعد جثث المهاجرين السريين الملقاة على شاطئ المدينة الريفية الصغيرة، حدثا يتداوله السكان، ولا حتى صورا ترعب الأطفال. وفي هذا السياق، قال عبد اللطيف، الذي يحرس ساحل "القره بوللي" مع زملائه، في حديث للأناضول: "للأسف لم يعد الأمر حدثا جديدا، بالنسبة لنا أو لسكان المدينة". وأضاف "الناس تعودوا (على جثث المهاجرين السريين)، وأصبح الأمر جزء من حياتهم وبيئتهم، الكل يتجنب الجثث، ويبتعد عنها، ولم تعد تخيف الصغار كما في السابق". ويسترجع عبد اللطيف المشهد من بدايته بالقول: "نرى المهاجرين ينتظرون فرصة للإبحار، لا نملك لهم شيئا، قانونيا مطلوب منا منعهم من الإبحار ولكننا، لم نعد نملك السيارات الرباعية التي تسمح لنا بالتجول في الشواطئ ومنعهم من الإبحار، ولا القوارب التي تسمح لنا بإنقاذهم في البحر". "عندما تصل الجثث إلى الشاطئ، تبقى في كثير من الأحيان ملقاة لأيام، البعض يغطيها الرمل، ونكتشفها بعد أسابيع"، بهذا الشكل يصف عبد اللطيف، مصير الكثير من المهاجرين السريين القادمين من بلدان عديدة، عربية وإفريقية طحنتها الأزمات، على أمل تحقيق حلم العيش بكرامة ورفاهية في القارة الأوروبية، قبل أن ينتهي بهم الأمر جثثا مسجاة على الرمال، لا تملك حتى حق تعجيل دفنها كبقية الأموات. ويشير عبداللطيف، إلى أن "ملامح وجوههم (الجثث) لم تعد تعرف، حتى تصويرها لغرض التعرف عليها؛ إما من قبل أهاليهم أو من قبل الدول التي انطلقوا منها ليس سهلا". "تصل الجثث بعد ان قضت ايام طويلة في مياه البحر، لون الجلد يكون قد تغيير في كثير من الاحيان جراء الماء المالح”، يتابع بنبرة حزينة. وأكثر ما يقلق بعض السكان في "قره بوللي"، ليس بشاعة منظر الجثث، بقدر "تسببها في انتشار الأمراض والأوبئة ، عدد من الجثث ظهر فيها الدود، و بدأت تصدر منها رائحة " في المدينة، حسب المصدر ذاته. ولأنه لا أهل يسألون عنهم أو يتعرفون عليهم، ولا وطن لديهم حريص على نقل جثثهم ودفنها بما يليق بكرامة كل إنسان بعد المماة، يقوم أشخاص متطوعون بدفنهم في مقبرة قريبة من الشاطئ خصصت للمهاجرين الغارقى، قبل فترة. ويلفت عبد اللطيف، النظر إلى أن "عادة، عملية نقل الجثث ودفنها لا تتم إلا بعد عدد من الإجراءات القانونية منها إصدار شهادة وفاة، ولكن ما يهمنا الآن هو سرعة دفن الجثث حتى لا تتعفن أكثر فأكثر". وحول سبب تقاعس حرس السواحل عن القيام بدوره يقول عبد اللطيف: "الدولة لا توفر لنا شيئا، حتى الرواتب لم تعد تصلنا، وإن وصلت، فنحن غير قادرين على الحصول عليها". ويواصل "رأينا بعض القوارب تنطلق من هنا، مكتظة جدا، فالقارب الذي لا يتحمل العشرات يحمل المئات، وهناك قوارب رأيتها، تحمل رجال و نساء و اطفال ورضع ، عدد منهم يكون جالسا على حافة القارب و يمسكه بقوة كي يستطيع الابحار، انا ، متأكد أنها لن تصل، وأنها غرقت في البحر، ولكن لا نملك شيئا للأسف لا نملك منعها ولا نملك إنقاذها". وفي صورة تعكس عجز السلطات الليبية عن وقف الهجرة السرية، قال عبد اللطيف: "حتى الذين سبق وأن منعناهم من الإبحار، لا نملك أكثر من احتجازهم لساعات أو لأيام.. ثم نطلق سراحهم". وبرر ذلك "نحن لا نملك لهم شيئا، لا المكان، ولا إمكانية رعايتهم، ولا حتى توفير الوجبات اللازمة لهم، حتى المؤسسات الدولية التي عملت على تقديم خدمات للمهاجرين في وقت من الأوقات؛ مثل الهلال الأحمر وجمعيات الأطباء التي كانت تنصب خيما وتقدم ابسط الخدمات الطبية وعدد من الوجبات ، لم نعد نراها". وأرجع عبد اللطيف، الأمر بالقول "البعض يقول إنها لم تعد قادرة على العمل في ليبيا، والآخر يقول إن الوضع (الأمني) تفاقم ولم تعد لهم القدرة والإمكانيات على العمل، لا ندري ولكن هناك شعور أن موضوع الهجرة لا يهم أحدا، سوى المهاجرين أنفسهم الساعين إلى الوصول إلى أوروبا". في الاتجاه نفسه، يقول بسام الغربلي، العامل في إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية الليبية، في حديث للأناضول: "هناك اهتمام كبير بمسألة الهجرة، وندعى إلى اجتماعات عديدة في طرابلس وفي تونس، مع منظمات دولية وسفراء دول أوروبية، في كل مرة تشكل لجان متابعة، ولكن على أرض الواقع لا نرى شيئا ملموسا، تطلب منا تقارير عديدة، لا ندري ماذا يفعل بها". وأشار الغربلي، إلى أن "ليس هناك وصفة سحرية لمسألة الهجرة، الآن الكل يعرف المسالك التي يمر بها المهاجرون، والدول التي ينطلقون منها، والوقت الذي يقضونه في ليبيا للعمل من أجل الحصول على المبلغ الكافي للهجرة ثم ينطلقون في قوارب الموت، ولكن في نهاية المطاف: لا أحد يملك لهم شيئا". ويستطرد الغربلي: "ما الحل الذي يمكن أن يقدم للسوريين؟ أو للإرتريين على سبيل المثال؟ لا نملك لهم شيئا، هم اليوم ينطلقون من ليبيا لأن الأمر سهل من هنا، وليس هناك أمن يمنعهم، ولكن عندما يعود الأمن والحرس إلى العمل في ليبيا؛ سينطلقون من أماكن أخرى إلى أوروبا". أحمد (اسم مستعار اختاره خوفا من دائرة الهجرة)، شاب سوري يعمل في محل حلاقة، في أحد أحياء طرابلس، يقول إنه أصيل ريف دمشق، غادر سوريا في 2014، وعاش أشهرا في تركيا، ثم مصر، ووصل ليبيا منتصف 2015. ويروي أحمد، للأناضول: "وصلت ليبيا لتواجد أقارب لي استقروا هنا، ولجأت للعمل معهم، غير أنهم خلال الصيف الماضي قرروا ترك ليبيا وهاجروا إلى أوروبا بحرا، وهم الآن في ألمانيا وعن قريب سيكون لهم أوراق لجوء و إقامة قانونية، حيث دفع كل واحد منهم 2500 دولار للمهربين". ولفت إلى أن "المبلغ يبدو أغلى من المعدل، الذي يتراوح بين 400 إلى 500 دولار، ولكن اشترطوا أن يكون القارب آمن، وأن لا تكون حمولته أكثر من طاقته". ويواصل أحمد: "أنوي كذلك الهجرة إلى أوروبا، ولكن أنتظر فرصة آمنة للهجرة". وأضاف "في ليبيا الناس طيبون، ولكن لا يمكننا أن نحصل على إقامة قانونية، وليس هناك استقرار يسمح لنا بأن نعمل ونستقر، فنحن هربنا من حرب في سوريا ليس لنعيش في حرب أخرى". وحول مخاطر الهجرة وإمكانية الغرق يقول أحمد: " ليس لي خيار غير الهجرة، وسيكلف الأمر مبلغا كبيرا أعمل على توفيره، ويساعدني أقاربي في هذا". ويقول أحمد: "أدخر ما بين 100 إلى 120 دولار شهريا، من عملي في محل الحلاقة، ومن إصلاح الهواتف النقالة أحيانا". ويجزم: "لن أهاجر في الرحلات التي تكلف 400 و500 دولار للفرد، لأنها غير آمنة، ونسبة غرقها عالية، ولكن مخاطر الغرق لا تخيفني ولن تمنعني". الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :