شعوب خائفة وحكومات مطمئنة ـ

  • 11/17/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كان السقوط المروع لعدد من الأنظمة السياسية في العالم العربي إثناء ما سمي بالربيع العربي مفاجأة لم يكن يتوقعها أحد. الأنظمة نفسها فوجئت بسقوطها أكثر من أية جهة أخرى. من المؤكد أن اطمئنان تلك الأنظمة لاستمرارها كان سببا رئيسا لوقوع تلك الصدمة. كان العقيد القذافي هو أكثر المصدومين امتعاضا مما كان يجري من حوله، من غير أن يمتلك القدرة على ضبطه. لقد خُيل للجميع، وفي المقدمة زعماء تلك الأنظمة أن الأمور كلها تحت السيطرة. وبدا لهم أن يدا خفية أفلتت الخيوط في لحظة غفلة أمنية، لم تكن الأولى من نوعها. لقد مارست تلك الأنظمة على الشعوب التي تحكمها عبر عقود من الزمن أنواعا مختلفة من الاختبارات من أجل التأكد من خنوعها وطبيعة ردود أفعالها التي تبين أنها لا تشكل تهديدا على أمن وسلامة النظام القائم. وهو ما يعني أن اطمئنان الأنظمة كان يعتمد في الأساس على نجاح تلك الاختبارات، بطريقة لا تقبل الشك أو اللبس. فمن الحروب المجانية إلى التجهيل والافقار مرورا بمصادرة الحريات وهدر الكرامة الإنسانية وتفشي الفساد وتغييب أو تقييد حرية الرأي وسواها من مظاهر الاستهانة بحقوق الإنسان، كانت الاختبارات تُجرى من غير أن تظهر الشعوب رغبة في إيقافها. لقد ألغت تلك الأنظمة مبدأ المواطنة في حدودها الدنيا، فكانت الشعوب من وجهة نظر تلك الأنظمة حشودا من البشر، يمكن أن تستعمل في المسيرات والتظاهرات المؤيدة والحروب واعمال السخرة وهو ما يسر على الأنظمة أن تعيد البناء الطبقي للمجتمع، اعتمادا على حجم الولاء. فصعدت طبقات طفيلية، لا يملك أفرادها سوى النفاق والكذب والقدرة على تزوير الحقائق واهانة العقل البشري وعدم احترام القوانين في مقابل اندثار وانقراض طبقات المجتمع التي كانت قائمة على أساس العمل والإنتاج والتعليم والوعي والخدمة. ليس غريبا في حالة من ذلك النوع أن تتألف الأنظمة من مجموعة من الاميين الذين لا يملكون من ميزة، سوى ولائهم الأعمى. تحيط بهم جوقات من المطبلين والمبخرين وكتاب المدائح السلطانية. كانت الحكومات مطمئنة إلى مستقبلها في حين كانت الشعوب خائفة من ان يكون غدها أسوأ من يومها، في حالة إذا ما فكرت في التغيير. وهو ما عملت الأنظمة على ترسيخه في العقل الجمعي قياسا على المثل الشعبي الشائع "الشر الذي تعرفه أفضل من الخير الذي لا تعرفه". لذلك فإن تلك الأنظمة حين أُخذت على حين غرة، لم تجد سببا لتفسير ما جرى سوى أن تكون هناك مؤامرة خارجية، خططت لها أطراف معادية من اجل الحاق الضرر بالدول، من خلال اسقاط أنظمتها السياسية. لم يخطر في ذهن أحد من الزعماء الذين تمت إزاحتهم أن الشعوب التي مورست في حقها شتى صنوف الاستعباد والقهر والإذلال ستصل إلى لحظة، يقع فيها انفجارها بطريقة، غير مدبرة، بحيث تكون ردود أفعالها خارجة عن نطاق نتائج الاختبارات السابقة. وقد يبدو مضحكا أن تلك الأنظمة وبعد أن دمرت نسبة كبيرة من الحس الوطني لدى الحشود البشرية التي كانت تحكمها عادت في لحظة ضعفها إلى التعويل على ذلك الحس الوطني المفقود من أجل أن يكون طوق النجاة الذي يمكن أن يخرجها من أزمتها المصيرية. وبغض النظر عن التداخلات الإقليمية والدولية التي يعتقد البعض جازما أنها وقفت وراء ما جرى فإن اطمئنان الأنظمة لم يكن في محله، لأنه استند إلى تقديرات خاطئة، كان خوف الشعوب مرجعها الأساس. لم تفكر تلك الأنظمة في أن الخوف هو الآخر له حد، يمكن أن يقود إلى نقيضه، وهو ما ينطوي أحيانا على طابع انتحاري، يكون بمثابة رد فعل طبيعي من اجل وضع نهاية لنوع لا يطاق من الحياة. وهذا ما حدث فعلا. لقد غابت الأنظمة المطمئنة، غير ان الشعوب التي كسرت حاجز الخوف، لم يكن لديها بديل عن شعورها التاريخي بالخوف. فاروق يوسف

مشاركة :