في عام 1990، قام مُحرر مجلة «نيوز آند ويرلد ربورت» الأمريكية، بمحاولة التقصي من مقولة انتشرت في فترةٍ ما، تقول: «المصريين القدماء كانوا سُمر البشرة»، وهو الأمر الذي أكده بعض الخبراء المتخصصين في علم الآثار المصرية، ونفاه البعض الآخر، لتظلّ مقولة لم يثبت صحتها بعد، لون بشرة المصريين لم يكُن محلّ الجدل الوحيد في التاريخ، بل الأصل العرقي أيضًا. في زمنٍ مضى، تحكمت الهجرات بشكل أساسي في تكوين الشعوب، مثلما انتقل البعض من الهند إلى أوروبا، أو من شمال أفريقيا لمُحيط وادي النيل، فيما تعدّدت أسباب الهجرة ولكن ظلّ أبرزها البحث عن المرعى والصيد، لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية. حسب ما ذكر موقع «تاريخ مصر». وعلى حدود وادي النيل، وبالقرب من مصر، استقرت 3 شعوب من أجناس مختلفة وهم، المصريين، و«الكوشيين» أي السودانيين، و«البجّا» والمعروفين بشعوب أعالي النيل، والمنحدرين من سلالة نوح، وقبل رحلة الاستقرار، واجهتهم عدة صعوبات طبيعية، كصحراء وجبال الجهة الشرقية، وصحراء واد الرمال. لم تنتهِ الهجرات إلى مصر ووادي النيل عند ذلك الحد، حيث شدّت «شعوب البحر»، وهم سكان جزر البحر المتوسط وجنوب آسيا الصغرى واليونان، رحالها إلى وادي النيل واستقرت هُناك، فأصبحت مصر عبارة عن خليط من سكان سواحل الدلتا وسكان الوادي والجنوب، وهو الأمر الذي ازداد توحيدًا مع قيام المملكة المصرية الموحدة. وخلال العصور اللاحقة لتوحيد مصر، تحديدًا في عهد الملك مينا، المعروف بـ «موحد القطرين»، استمرت الهجرات أيضًا، ولكن في ظل التمييز بين سكان مصر الأصليين وغيرهم، حتى أن جدران المقابر الفرعونية، سجلت ذلك على حوائطها، مثل مقبرة «سيتي الأول»، والتى حُفر على جدرانها الفرق بين المصري و«الكوشي- السوداني أو النوبي» و«الأشوري- سكان الشام وشمال العراق» و«الليبي». ورغم اختلاف الأجناس في مصر، لم يكن يحكمها إلا المصريين أبًا عن جد، باستثناء فترة احتلال الهكسوس التى استمرت لمدة 150 عامًا، وبداية عصر الإضمحلال، حيث جلس على العرش بعض الأسرات من أصول ليبية مثل الملك «شيشنق» و«ابسماتيك»، والذين حافظوا على الظهور بمظهر مصريّ خالص، من خلال ارتداء الزي المصري التقليدي. وعند بداية العصر البطلمي، استمرت الهجرات، وتحديدًا نزوح سكان جنوب اليونان لإستيطان المملكة الجديدة في شمال مصر، في ظلّ القيادة البطلمية اليونانية، واستوطن اليونانيون مدينة الإسكندرية على وجه الخصوص، بعيدًا عن صعيد مصر الذي ظلّ محتفظًا بزيه وثقافته وعاداته وديانته. لم يسير الرومانيون على نهج اليونانيين، على الرغم من وقوع مصر في براثن الاحتلال الروماني لأكثر من 600 عام، حيث تعاملوا مع مصر على أنها مجرد كنز وأرض غنيمة، فلم يؤثر الاحتلال على شعب مصر ولم يتأثر بهم أيضًا. سكُان شبه الجزيرة العربية، انضموا أيضًا إلى حركة الهجرة، واستوطنوا منطقة الفسطاط، ثُم شمال ووسط وجنوب الصعيد، فامتزج العرق العربي بالعرق المصري القديم. وفي العصر الفاطمي، نزح لمصر العديد من عائلات تركية وفارسية ومغربية الأصل، من طبقة النبلاء، لأغراض تُجارية وسياسية واجتماعية مختلفة، كما انصهروا مع المصريين، وأصبحوا عنصرًا أساسيًا في التركيبة السكانية المصرية في نهاية العصر المملوكي، وفقًا لكتاب «المجتمع والاقتصاد في مصر وشرق المتوسط»، للمؤلف أندريه ريموند. ويُذكر المؤلف أيضًا، أن هناك حوالي 52 أسرة مغربية استقروا في مصر، وبقيت أسماء عائلاتهم موجودة في مصر إلى الآن، مثل قبائل أولاد على الأحمر والتى استوطنت ساحل مصر الشمالي ومطروح والسلوم. وفي عصر محمد علي باشا، جاء إلى مصر عائلات يونانية وإيطالية ونمساوية ومجرية، هربًا من بطش الحروب، وأملاً في نشاط التجارة في البلد البعيد الذي جاءوا إليه، حالمين بمستقبل أفضل، وانصهرت تلك الجاليات أيضًا في المجتمع المصري، في ظلّ محافظتهم على هويتهم ولغتهم الأصلية، وحتى بعد قيام ثورة يوليو 1952، عاد بعضهم إلى بلاده وظلّ البعض الأخر في مصر.
مشاركة :