يرى البعض في الذهاب لصالات العرض السينمائية، نزهة لطيفة للاستجمام، والتخلص من توتر الحياة، وأيضاً للتمتع بجديد الفن السابع. ولكن يبدو الأمر معكوساً تماماً حين تعلم أن الفيلم الذي يُعرض، هو أحد الأفلام المرعبة التي تخطف الأنفاس، وتجعلك تخشى أن تلتفت وراءك. من المنطقي أن تتجنب عقولنا الخوف، والقلق والترقب، فما الذي يجعل أشخاصاً بإرادتهم المطلقة يرتعبون لمدة ساعتين على الأقل، وهم يعرفون أنهم قد لا ينامون ربما لأيام خوفاً؟ علماء النفس يحللون رواج مشاهدة أفلام الرعب كان العلماء يعتقدون أن هناك نظريتين فقط لمشاهدي تلك الأفلام، الأولى أن الشخص ليس خائفاً فعلاً، ولكن لديه فضول ما نحو الفيلم، والثانية أنهم يؤثرون الشعور بالخوف حتى يحصلوا على نشوة الشعور بالارتياح، والخلاص، في نهاية المطاف. ولكن بعد العديد من الدراسات ظهرت تفسيرات أخرى إلى الساحة ومنها: 1- لتجربة دمج الخوف بالطمأنينة وفقاًأجراها الطبيبان النفسيان إدوارد أندريد من جامعة كاليفورنيا، وجويل كوهين من جامعة فلوريدا، فإن كلا التفسيرين ليسا صحيحين، إذ أثبتت دراستهم أن ما يجعلنا نحب أفلام الرعب، هو عجز البشر عن الشعور بشعورين سلبيين وإيجابيين في ذات الوقت، ولكن في مشاهدة هذه الأفلام يجتمع شعور الخوف السلبي بالمتعة الإيجابية لأن أدمغتنا تعرف أن هذه أفلام وليست حقيقة. 2-بعض الأشخاص تنقصهم المكابح ، أجراها الطبيب النفسي ديفيد فالاد، بجامعة فاندربيلد في الولايات المتحدة الأميركية، تثبت أن عقول بعض الأشخاص تفتقر إلى ما أسماه "المكابح"، فلا يتم إطلاق سراح الدوبامين (هرمون الارتياح أو السعادة)، ما يجعلهم أكثر انجذاباً للخوف. هذا وأشارت الدراسة إلى أن الخوف والسعادة متشابهان جداً في أدمغتنا كيميائياً، ينتجان من المكان ذاته، ويسببان نفس الأعراض من سرعة نبضات القلب وقشعريرة الجلد واختلاف معدل التنفس، ما يجعلك لا تستيطع التفسير، هل كان الشخص خائفاً أم متحمساً، فيلجأ البعض إلى الخوف كما يلجؤون إلى السعادة. 3- لأننا نشعر بالسيطرة على خوفنا لمشاهدة أفلام الرعب، أجراها البروفيسور جلين سباركس، المختص في الطب النفسي، أنه عند مشاهدة تلك الأفلام، يزداد ضغط الدم وتزداد سرعة نبض القلب، وتُعرف هذه الأعراض بعملية إثارة النقل، تنتاب المشاهدين مشاعر ممتعة كالتي تراودنا عندما نمضي يوماً ممتعاً مع أصدقائنا. يضيف أيضًا، أن الرجال أكثر رغبة في المشاهدة، إذ طبيعتهم الجينية تجعلهم يريدون الشعور بالشجاعة، وأنهم مسيطرون على ما حولهم، فيرى عقلهم الباطن الخطر، ولكنه يؤدي دور المتفرج فقط، ما يشعرهم بالقوة. زيادة الخوف عن المعدل الطبيعي يثير الاضطرابات داخلنا قد تشعرنا أفلام الرعب بالحماسة، لكنها تصيبنا بالأضرار أيضاً، إذ تشير الدراسات إلى أن شخصاً واحداً من أصل عشرة أشخاص، تتطور أمراض الخوف عندهم (الفوبيا)، بعد مشاهدتهم أفلام الرعب، ما يجعل الأمر مقلقاً. بالإضافة إلى أن المصطلح الدارج للدلالة على الخوف "أصبح دمي جافًا أو باردًا"، يبدو الآن حقيقياً. ففي على 24 شخصاً، يبلغون من العمر ثلاثين فأقل، ويتمتعون بصحة جيدة، قُسّموا إلى نصفين، وطلب من مجموعة مشاهدة فيلم مرعب، يليه فيلم وثائقي تعليمي، والمجموعة الأخرى أيضاً، ولكنهم قاموا بعكس الأفلام. وقام الباحثون بسحب عينة من دم المجموعتين بعد كل فيلم. و أوضحت الدراسة أن دم الأشخاص بعد مشاهدة فيلم الرعب، ارتفعت نسبة تخثره بنسبة 57%، وتضاءلت بنسبة 86%، بعد مشاهدة الفيلم التعليمي، بسبب زيادة بروتين التخثر في أجسادنا، عندما نخاف مما قد يؤدي إلى ارتفاع جلطات الدم والأمراض القلبية. كما أن أوضحت أن الأطفال الذين يشاهدون أفلاماً مخيفة، وتحتوي على العنف، يشعرون بالعداء، ولا يتفاعلون مع المجتمع من حولهم. ويبدو أن مشاهدة أفلام الرعب جزء من ثقافتنا، فنحن نقوم بإخافة أنفسنا منذ الأزل، لأن جيناتنا تحمل ما كان يفعله أجدادنا قديماً، مثل جلوسهم حول النار المشتعلة، ورواية القصص المرعبة حول هروبهم ربما من حيوان متوحش، وإلى الآن نحن نبحث عن الحماسة فنتسلق الجبال، نقفز بالمظلات ونشاهد أفلاماً مرعبة.
مشاركة :