الشاعر حمزة قناوي:أشعر أنني سأموت بعد كتابة هذا العمل!

  • 11/18/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

هو شاعرٌ بالأساس قبل أن يكون روائياً، رغم أن الناقد الكبير د. صلاح فضل نسبه إلى «أحفاد نجيب محفوظ» في كتابه الأخير الصادر بالاسم نفسه باعتباره روائياً، وبرغم دراسة طويلة عن شعريته قدَّم بها الناقد الكبير د.محمد عبد المطلب ديوانه الأخير «لا شيء يوجعني» نَسَبَه فيها إلى شعراء عصره المُجيدين، لكنه أيضاً كتب القِصَّة القصيرة والنقد، يؤمن بأن كل الفنون تتراسل، وأن الشكل الفني هو الذي يفرض نفسه على كتاباته، يقودنا هذا الحوار إلى مصاحبة أسرار الكتابة الخبيئة في أكوان الشاعر حمزة قناوي، المقيم خارج مصر منذ سنوات طويلة، نغوص في عقله لنخرج ببعض آرائه حول الشعر والقضايا الإبداعية والثقافية في مصر، فإلى الحوار.. ،، كيف كانت بدايتك في رحاب الشعر؟ - البدايات تظل دائماً غامضة، تتداخل فيها الرؤى مع المحاولات الأولى، والحس والالتفات إلى أمرٍ جديد طارئٍ في الوعي يتعلق بتمثُّل العالم، بداياتي مع الشعر كانت منذ نحو 25 عاماً بالضبط، كان يتفتح وعيي على أسئلةٍ تجاه العالم، لم أكن أجد إجاباتها في «اللغة» المعتادة والكلام المنطقي بين الناس، وقواعد الحياة وطبيعتها، كنت أتلمَّس أن هناك وجوداً أعلى من ذلك، لغةً عليا، حساً أكثر غموضاً يمنح البشر البصيرة والحدس.. كل هذا وجدته في الشعر، وبعد عدَّة محاولات بسيطة في البدايات بدأت هذه المحاولات تتبلور في الجامعة، حين التقطت خيط اهتمامي بالشعر الناقدة الراحلة د. ثناء أنس الوجود، رحمها الله.. فكتبت لي مقدمة ديواني الأول «الأسئلة العطشى»، وبشَّرَت فيه بتجربتي ودعمتني بقوة حتى لاقى النجاح، (وظلت تدعمني حتى ديواني السابع - الغريب)، الذي كتبت عنه دراسةً منذ عامين، رحمها الله.. فكانت معي عبر عشرين عاماً، في السياق نفسه، البدايات، كان من بين أول من شجعوني: د.عبد القادر القط، وأستاذي د.عز الدين إسماعيل، ود. محمد عبد المطلب ود. أحمد كمال زكي والشاعر عبد المنعم عواد يوسف، وغيرهم كثيرون. ،، قلت ذات يوم: «أن قصائدي حزينة، لأنني حزين»، فما الذي يحزن حمزة قناوي؟ - إن كل كتابةٍ يقدمها الشاعر تصدر عن نفسه، ونفسي ملأى بالآلام، لا يوجد شيء في عالمنا اليوم لا يدعو للأسى، وأنا في النهاية جزء من هذا العالم الضاج بالحروب والفوضى، ومشاهد المهجّرين والأطفال الغرقى في قوارب الموت مع أمهاتٍ عجاف، الموت صار مجانياً والحياة مصادفة، ولا شيء يسير في مساره المفترَض أن يكونه. أعتبر نفسي كصلاح عبد الصبور، مثلي الأعلى شعرياً، شاعراً متألماً أكثر من كوني شاعراً حزيناً.. كما أن مسارات حياتي كانت دائماً حافلةً بتقاطعات حزينة ومفارق صعبة، وربما هناك سبب آخر يعود إلى تكويني وطبيعتي. ،، ديوان «الغريب»، هو مرآة عكست تجربتك الخاصة التي عشتها في فرنسا،حدثنا عن تلك التجربة؟ - كتبت ديوان «الغريب» أثناء بقائي في فرنسا إلى جانب الراحل د.أنور عبد الملك، الذي كان بمثابة أبي الروحي، كانت أوروبا بأكملها تمثل لي ما يشبه «صدمة وعي» فتحت كل حواسي ومشاعري على تفاصيل عالمٍ جديد وتجربة أثرتني بصرياً وفكرياً ولغوياً حتى أنها كانت بمثابة مرحلة جديدة تماماً بالنسبة لي في تعاملي مع اللغة الشعرية، وحتى في محاور التجرية التي شكّلت مرتكزات مختلفة للأغراض الشعرية الجديدة على تجربتي السابقة (فكرة الهوية والوحدة والاغتراب).. أكثر من قطبية «المرأة - الحب» التي دارت حولها تجربتي في دواويني السابقة على «الغريب». ،، أي تصنيف يمكن أن ينطبق على كتابك «المثقفون»؟ - لم أفكر أن أصنِّف «المثقفون» من قبل، هو تجربة إنسانية على أي حال كل ما يهمني فيها أن تكون صادقةً فحسب، ويمكنك أن تُطلِق عليه «الكتاب المكروه» من مثقفي المؤسسة وأبناء الوزارة.. وزارة الثقافة المصرية. كتاب «المثقفون» حاولت أن أسرد فيه تجربتي المجردة كشاب مصري عادي تسنَّى له أن يقترب من كواليس صناعة القرار الثقافي ويرى وجوهاً مزيفة للكثير من «موظفي الثقافة» في مصر، (ومثقفيها الوطنيين الحقيقيين أيضاً). ،، لكن هذا الكتاب لم يمر مرور الكرام! - نعم، لقد دفعت ثمن هذا الكتاب وشهادتي على ما يحدث، بإبعادي من العمل في المجلس الأعلى للثقافة في عهد د. جابر عصفور ود. عماد أبو غازي، وأشكر الأقدار كثيراً الآن أن فعلت ذلك! وهو بمثابة شهادة على عصر كامل، وعلى الظروف الحضارية التي تموقع مصر من التاريخ الآن وترصد خطايا أكثر من حقبةٍ بحقها. ،، ما سر اختفائك عن الساحة الشعرية في مصر، على الرغم من تقديرك وتكريمك خارجها؟ - مبدئياً لا أعرف. ولكنني أحاول دائماً أن أكون بعيداً عن مؤسسة الثقافة الرسمية. مثقف المؤسسة المُكرَّس والمرتبط ببرامجها ليس حُرَّاً، ولا يمكنني الاستغناء عن حريتي مقابل جائزة أو ندوة! وهناك أسماءٌ مرضيٌّ عنها من الإدارة الثقافية في مصر لست من بينها، ولا أريد أن أكون، كُرّمت في تونس والمغرب والكويت وقطر وأقمت أمسيات في لبنان والجزائر والإمارات ولم أُدعَ إلى قصر ثقافةٍ صغير في بلدي. ما أحزن له أن هذه بلدي مصر. التي أُدعى باسمها في المحافل بالخارج ولا أُدعى لها. ،، ما تقييمك للعمل الثقافي والحياة الأدبية في مصر الآن؟ - مصر غارقة في المعادلة المفروضة عليها منذ وقت طويل: وفرة المواهب والطاقات النادرة، وفي الوقت نفسه يوجد فشل في الإدارة الثقافية والبرامج الرسمية في توظيف كل هذه القدرات. العمل الثقافي في مصر قائم وحي وموجود في الندوات وجلسات المبدعين واجتهادات بعض دور النشر الخاصة، أما الحياة الثقافية الرسمية فما زالت تغلب عليها المصالح والعلاقات، أزمة اتحاد الكُتاب التي تحولت إلى مهزلة، وعجز وزير الثقافة عن حلها.. وسط كل هذه الفوضى والمسارات غير المفترض أن تسير فيها الأمور هناك أدب حقيقي يُكتب.. وشعراء يبدعون وروائيون يواصلون الاجتهاد. ،، بعبارة مختصرة، اترك تعليقاً: ،، الروائي الكبير/ صنع الله إبراهيم: - مثلي الأعلى إنسانياً.. والقدوة التي أضعها نصب عينيَّ.. وأعماله أثرت كثيراً في تكويني. ،، الناقد الكبير، د.محمد عبدالمطلب: - أستاذي الجليل وأكبر النقاد الذين دعموني في مسيرتي الأدبية والعلمية (في رسالة الماجستير)، له فضلٌ كبيرٌ لا يُنكر على مشواري. ،، د.أنور عبدالملك: - أبي الروحي، تربيت في بيته، علّمني كل شيء. ولم يكن له أحد غيري في آخر سنوات حياته.. ترك لي الكثير من مذكراته لكتابتها.. ولا أحسبني سأفعل. كانت وفاته أكبر صدمةٍ تلقيتها في حياتي. ،، ما جديدك الذي يمكن أن ننتظره منك قريباً؟ - لست أدري! لم أخطط بعد لعملٍ قادم، تراودني أفكار عن المسرح الشعري وعن رواية سيرة ذاتية مجدداً أحشد فيها كل الذي رأيته وعشته عبر عشر سنوات من التحليق في آفاق الأرض ورؤية البشر والبلاد والتجارب.. وأشعر أنني سأموت بعد كتابة هذا العمل!

مشاركة :