القاهرة: الخليج يواصل الأحفاد في عائلة طلبة بمنطقة أبو رواش، في ضاحية الهرم بمحافظة الجيزة المصرية، الطريق الذي سار عليه الآباء والأجداد، باحتراف مهنة الخطر، غير عابئين بما يكتنفها من محاذير وصعاب. أما المهنة التي تحترفها هذه العائلة منذ عقود، فهي صيد الزواحف والأفاعي في صحراء الهرم، لذا صار كثير من أفرادها يختصون بتلك الحرفة، وتحول بيت العائلة في المنطقة إلى قبلة للباحثين والمراكز العلمية المتخصصة. قبل سنوات طويلة، استوطنت عائلة طلبة منطقة أبو رواش في صحراء محافظة الجيزة، حيث عمل الوالد (الحاج طلبة) في مهنة الصيد البري، في وقت كانت صحراء الهرم تعج بمختلف أنواع الحياة البرية، ليقوم الأب بنقل خبراته لأولاده من بعده. يقول نصر الابن الأكبر للحاج طلبة، وأحد خبراء صيد الثعابين: تعلمنا فنون هذه المهنة على يدي طلبة الأكبر، الذي كان يخرج بالأيام إلى الصحراء لملاحقة الحيوانات البرية، ثم يعود إلينا محملاً بزواحف عدة، خصوصاً الثعابين التي كان يقوم ببيعها إلى مراكز البحوث، للحصول على سمومها واستخدامه كترياق للمصابين بلدغات الثعابين. تضم عائلة طلبة اليوم 7 أفراد يعملون في تلك المهنة التي ورثوها، ويضيف محمد الابن الأكبر للحاج نصر: تعلمت هذه المهنة منذ سنوات عمري الأولى، منذ أن سمح لي أبي بالخروج معه للصيد، وكنت ألهو صغيراً بما يأتي به أبي من الصحراء من مختلف أنواع الثعابين، والكثير منها في مصر غير سام. ويتابع: تصل أنواع الثعابين المصرية إلى ما يصل إلى 36 نوعاً، من بينها 9 أنواع فقط سامة، مثل: الكوبرا والحية المقرنة والقوعة والغريبة، أما الباقي فهو من الأنواع غير السامة، وكثير منها يوجد في القرى ويعيش مع الفلاحين في منازلهم دون أن يؤذي أحداً، مثل: الثعبان الأرقم وأبو السيود وأبو العون والعزرون والجداري. لعب الأطفال حتى الأطفال في عائلة طلبة يعرفون الفرق بين الثعبان السام، وغير الضار، لذا ليس غريباً أن يشاهد من يزور منطقة أبو رواش أطفال العائلة وهم يلهون مع ثعابين ضخمة ومرعبة. ويضحك الحاج نصر قائلاً: هذه الثعابين لا تؤذي، لأنها لا تحمل السم في جوفها، كما أننا نقوم بإجراءات الأمان بنزع أنيابها حتى لا تؤذي حاملها بالعض، وأحياناً ما نغلق أفواهها بخيط رفيع. بل يدرك أطفال العائلة على حداثة أعمارهم، الفرق بين الحية والأفعى والثعبان، حتى إن بعضهم يلهو هادئ البال مع بعض أنواع الكوبرا التي يقوم الحاج نصر طلبة بعرضها في منزله داخل أقفاص من الزجاج، رغم أنها تعد من أخطر الأنواع في العالم، لأنها شديدة السمية. يقول: الكوبرا المصرية هي الأخطر بين مختلف أنواع الكوبرا في العالم، لذا فقد حرص المصري القديم على أن تكون ضمن الرسوم التي حفرها على جدران المعابد، لأنها ترمز إلى القوة والعنفوان. ويضيف: لدغة واحدة من الكوبرا المصرية نتيجتها الموت في دقائق معدودة. تبدأ عائلة طلبة رحلتها الموسمية للصيد، مع بداية فصل الصيف في كل عام، وتستمر في المدة من إبريل/نيسان حتى أكتوبر/تشرين الأول، حيث تخرج الأسرة في مجموعات تضم بعض المساعدين، الذين يتولون إقامة معسكرات لاستراحة الصيادين من أبناء العائلة، والاحتفاظ بما يقومون بقنصه في الصحراء. في السنوات الأخيرة، بدأ نشاط عائلة طلبة يتجاوز منطقة الهرم، التي كانت حتى وقت قريب هي الساحة المخصصة لهم لعملية الصيد. يقول نصر: أحياناً نذهب في رحلات صيد إلى صحراء سيناء المملوءة بالعديد من أنواع الزواحف، وقد تمتد بنا الرحلة إلى جنوب البلاد حتى الحدود المصرية السودانية، عند منطقتي توشكى وشلاتين، حيث تحفل هذه المنطقة بعدد من أكثر أنواع الحيوانات والزواحف البرية ندرة، التي تخرج من جحورها مع بداية فصل الصيف، للاستمتاع بدفء الشمس بعد انتهاء فترة البيات الشتوي. طرق وطقوس تعتمد عائلة طلبة في مطاردة وصيد الثعابين، طرقاً خاصة توارثوها عن أجدادهم، يتم بواسطتها تتبع أثر الثعبان على الأرض، يقول الحاج نصر: نستطيع من خلال أثر الزحف أن نعرف نوع الثعبان وطوله ووزنه، وذكراً كان أو أنثى. ويحرص أفراد العائلة على طقوس خاصة قبل الخروج إلى رحلات القنص، يشير إليها محمد الابن الأكبر للحاج نصر بالقول: يجب أن يكون ذهن الصياد صافياً، لأن الخطأ في القنص قد يعني الموت. يتذكر الحاج طلبة بأسى العديد من أفراد عائلته الذين قضوا في رحلات الصيد، فمنهم من مات بلدغة ثعبان سام، ومنهم من قضى جوعاً وعطشاً بعد التيه في الصحراء الشاسعة. ويعلق نصر: هي مهنة خطرة، لكنها في الوقت ذاته تغرس روح التحدي في قلوب الرجال، فعندما يعود أحدنا إلى بيته بعد رحلة صعبة وهو محمل بما جادت به الصحراء من خير، يشعر بأن لحياته قيمة ومعنى. تنظر عائلة طلبة إلى الثعابين باعتبارها كائنات رقيقة ومسالمة، يقول محمد: لا تؤذي أحداً ولا تهاجم الإنسان إلا إذا استشعرت الخطر، أو أحست بالجوع، ويكفي أن الكوبرا تقوم بتحذير من يقترب منها قبل أن تهاجمه، لكنها لن تتردد لحظة في القضاء عليه إذا ما فكر في المواجهة، لذا فإن صيدها يعد الأصعب بين أنواع الأفاعي التي تمتلئ بها الصحراء المصرية.
مشاركة :