لأن حركة فتح مؤسسة المشروع الوطني والعمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية ولأن رئيسها رئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة الوطنية، فإن المؤتمر العام السابع يختلف عن مؤتمرات الأحزاب والفصائل الأخرى. المؤتمر وإن كان مطالبا باستنهاض حركة فتح ومعالجة مشاكل فتح الداخلية، إلا أنه مطالب أيضا بالتصدي لقضايا ذات أبعاد وطنية وإقليمية ودولية واستنهاض الحالة الوطنية، الأمر الذي يتطلب رؤية وبرنامجا سياسيا يلامس كل هموم المواطن والوطن، لأن مخرجاته ستكون بوصلة موجهة لكل العمل الوطني وستُحدد مستقبل منظمة التحرير وعقد المجلس الوطني، كذلك الانتخابات التشريعية والرئاسية. عقد المؤتمر أمر مهم ولا شك بعد طول جدل حول عقده، وأهميته لا تنبع فقط من الحاجة لقطع الطريق على المحاولات الخارجية للتدخل في الشؤون الفتحاوية الداخلية أو للحسم بالخلافات الفتحاوية الداخلية، ولكن الأكثر أهمية هي مخرجات المؤتمر، سواء من حيث البرنامج السياسي أو من حيث تشكيل الهيئات القيادية في اللجنة المركزية والمجلس الثوري. نظرا لأهمية المؤتمر وتمنياتنا له بالنجاح في اعماله، ولأن الآمال الفتحاوية والوطنية معلقة عليه، نتمنى في هذا السياق أن لا يستمر شبح محمد دحلان ومخططاته محلقا فوق رؤوس المؤتمرين مشوشا تفكيرهم ومؤثرا على قراراتهم، وعلى الحريصين على حركة فتح والمشروع الوطني قطع الطريق على جماعات المصالح التي تعمل على مصادرة الحركة وتوجيه الأمور في المؤتمر لخدمة مصالحها ولاستمرارهم في مواقعهم أو الصعود لمواقع أكثر تقدما، وهناك مؤشرات مقلقة على اشتغال هذه الجماعات على حصر عضوية المؤتمر على مناصريهم وأزلامهم، موظفين فزاعة دحلان وحماس لإقصاء معارضيهم ومنافسيهم المتوقعين من عضوية المؤتمر. كما سبقت الإشارة، ولأن مؤتمرات حركة فتح ليس كغيرها من المؤتمرات الحزبية، فإن تحديات ومهام كبيرة وكثيرة ستقع على عاتق المؤتمرين يوم التاسع والعشرين من نوفمبر الجاري، وأهم هذه القضايا والتحديات: 1- البرنامج السياسي لا يكفي القول إن البرنامج السياسي للحركة يلتزم بالثوابت الوطنية برنامج إعلان الدولة في الجزائر 1988، لأن جميع القوى السياسية تقول بذلك، ولأن متغيرات كثيرة وكبيرة حدثت منذ ذلك التاريخ، وعلى البرنامج السياسي أخذها بعين الاعتبار بما لا يخل بالثوابت الوطنية. 2-تحدي الاحتلال والاستيطان لأن حركة فتح ما زالت حركة تحرر وطني، ولأن إسرائيل ما زالت تحتل كل فلسطين وتمارس سياساتها الاستيطانية والتهويدية، ودون التقليل من أهمية الجهود الدبلوماسية والاشتغال على الشرعية الدولية، فإن حركة فتح مطالبة بوضع استراتيجية وطنية لمقاومة الممارسات الإسرائيلية وخصوصا المستوطنين والمتطرفين الذين يعملون على تغيير الوضع القائم في مدينة القدس والمسجد الأقصى، وليس بالضرورة أن تأخذ المقاومة طابعا عسكريا فهناك أشكال متعددة ومتدرجة من المقاومة السلمية وفي إطار الشرعية الدولية التي تقول بأن الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة أراضي محتلة ومن حق الشعب الخاضع للاحتلال مقاومة الاحتلال. 3-مستقبل مشروع حل الدولتين لأن حركة فتح رهنت نفسها ورهنت الحالة الفلسطينية برمتها بحل الدولتين، ولأن هذا الحل، وباعتراف الجميع بما فيها قيادات فتحاوية، يتباعد بسبب الممارسات الإسرائيلية، فعلى حركة فتح التفكير جديا بالخيارات البديلة، للهدف أو لطريقة الوصول إليه. 4-تحدي الانقسام والمصالحة المسؤولية الوطنية لحركة فتح يحتم عليها اتخاذ خطوات جريئة نحو المصالحة الوطنية الشاملة وعدم رهن المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام بالإرادة الإسرائيلية أو بمبادرات من هذا الطرف العربي والإقليمي أو ذاك. 5-مستقبل قطاع غزة يجب البحث في كيفية استعادة قطاع غزة والتعامل مع الجهود الجارية لتشكيل تحالف لإدارته تحت مبررات الوضع الإنساني، بمعزل عن منظمة التحرير والسلطة الوطنية. 6-العلاقة بين فتح والسلطة والحكومة لأن السلطة محسوبة على حركة فتح وكذا الأمر بالنسبة للحكومة حتى وإن كان أغلب مكوناتها من غير الفتحاويين، فعلى حركة فتح توضيح موقفها منهما وخصوصا من بعض السلوكيات غير الشعبية. وفي هذا السياق يجب مناقشة مستقبل السلطة ووظيفتها، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ولو في إطار فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. 7-البحث في علاقة حركة فتح بمنظمة التحرير الفلسطينية على المؤتمرين الخوض بمناقشة جادة حول علاقة حركة فتح بفصائل منظمة التحرير الأخرى، وأسباب التباعد في المواقف بينهما لدرجة القطيعة أحيانا. 8-تجديد القيادات والوجوه دون تجاهل التاريخ النضالي لأعضاء اللجنة المركزية وقيادات الساحات القدامى، فإن غالبية هؤلاء قدموا ما يستطيعوا وليس بإمكانهم تقديم المزيد أو تغيير نهجهم، سواء بسبب التقدم في السن أو ارتباطهم بمصالحهم الخاصة أو ارتباطاتهم الخارجية، لذا مطلوب تغيير الوجوه. في حالة عودة نفس القيادات السابقة فإن هذا معناه إعادة انتاج الأزمة بل إعادة انتاج الفشل. 9-التفرغ للعمل التنظيمي وعدم شغل وظائف أخرى لأن القيادة مسؤولية وليست تشريف أو مجرد ملء فراغ منصب، فمطلوب الزام كل من يريد الترشح للجنة المركزية أن يتخلى عن الوظائف الربحية التي يشغلها ويتعهد بعدم شغل وظائف أخرى في حالة فوزه وأن يتفرغ للعمل التنظيمي. وللأسف فإن أغلب اعضاء اللجنة المركزية منشغلين بعدة وظائف وبعضهم يشغل أكثر من عشرة وظائف لا علاقة لها بالعمل التنظيمي، وكل ما يربطهم بالتنظيم هو الاستفادة المالية والمرافقين. 10-التوازن في العضوية بين مختلف المناطق والشرائح بسبب الحالة الملتبسة في اختيار أعضاء المؤتمر، وبسبب الحساسيات المناطقية التي ظهرت في الفترة الاخيرة وخصوصا في المخيمات، نتمنى من القائمين على المؤتمر مراعاة تمثيل متوازن لكل شرائح الشعب والمناطق: الداخل والخارج، مواطنون ولاجئون، مدن وقرى، غزة والضفة، جيل قديم وجيل جديد، نساء ورجال. 11-تحدي تصويب العلاقات مع العالمين العربي والإسلامي في ظل محاولات البعض توتير العلاقة بين حركة فتح والرئيس من جانب وبعض الدول العربية من جانب آخر، على المؤتمرين التأكيد على مبدأ أصيل لحركة فتح وهو استقلالية القرار الوطني وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية مقابل عدم تدخل هذه الأخيرة في شؤوننا الداخلية، وحركة فتح مطالبة بمبادرة منها لتصويب علاقاتها مع المحيط العربي والإسلامي بشقيه الشعبي والرسمي. 12- مفهوم وأساس العضوية في الحركة لأن العضوية في حركة فتح تؤَسس على الانتماء الوطني وليس على الراتب والوظيفة، ولأن حركة فتح غير مقيدة بالسلطة واستمرارها ووظائفها، فمن الضرورى مناقشة سياسة قطع الرواتب وما إن شكلت شبكة حماية للحركة وصلبت عودها أم أساءت للحركة؟ د. إبراهيم أبراش أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر – غزة Ibrahemibrach1@gmail.com
مشاركة :