الإرهاب القابع في أيديولوجيات بلادنا الحاسمة الأهداف والرابضة في عقول أقليات حزبية، تدفع ثمنه المجتمعات المدنية وتنتجه أنظمة الاستبداد في كل الاتجاهات للحفاظ على السلطوية اللاغية شعوبها. حيث منعت النُّخب التطور وقامـــت بترييف المدينة وبدونة الريف. هذا ما تفـادته الدول الرأسمالية، بعد تبنّيه من فئات وجماعات حزبية خلال فترة تاريخية انقضت، وخرجت منه أميركا وأوروبا وجنوب شرق آسيا بعد الحرب العالمية الثانية ووقف الحروب الآسيوية، مما وضــع الإرهاب في جعبة أنظمة الاستبداد والأيـــديولوجيات الرسمية والشعبية، وكاد ينحصر في المنطقة العربية حيث يطفــو الإسلام السياسي المتطرف ومعــه ما تبقــى من الأحزاب الشيوعية «السوفياتية» والقومية وحتى الوطنية الملتحقة بأنظمة إرهابية، وقد دافع بعضها عن النظــــام العراقي والليبي واليمنــي (صالح) وغيره، والبعض الآخر دخـل فـــي الحرب ضد الشعوب لإنقاذ النظـــامين السوري والإيراني، مما يدل علــى أن المجتمعـات هي الضحية دائماً. إن التيــار المتطرف في أوروبا (نجح في تسلّم السلطة في النمسا بفــارق بسيط) لم يتجاوز نسبة الـ20 في المئة، ولا يحاكي أنظمة الاستبداد في بلادنا، فهو يختلف عن اليمين واليسار بأنــه وطني قومي ينبذ العنف وينـاضل سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ويشارك في السياسة والانتخابات، في البرلمانات والوزارات والبلديات ويناضل عبر الأحزاب والتظاهرات والاعتصامات (حتى منظمة بيغيدا الألمانية المعادية للأجانب والهجرة لم تمارس العنف في كـل مؤسسات الدولة، وينسب تعنتها إلى الالتزام بالحدود الوطنية ورفض الوحــدة الأوروبية، والآسيوية والأميركية، ونحــن فـــي بلادنا فشلنا في توحيد قطر واحد، بل حتى حزب واحد (البعث والقوميون العرب واليسار)، وأتى الربيع العربي ليكشف هشاشة مجتمعاتنا حيث اعتقــــلت الشعـــوب ومنعت من التعبير عن مصالحها، بالتطويع والاعتقال والتهجير والقتل والدمار. ونــمـــوذج الوحدة الأوروبية، مثال على أسبقيـــة التداخــل الشعبي بين المجتمعات (وهي ممنوعة في المنطقة العـــربية وحتى العلاقات الاقتصادية لم تتجـــاوز 7 في المئة) على سياسات الأنظمة التـــي رفعـــت شعار الاتحاد ومارسته تلبية للتـطور السياسي ولحاجات الاقتصاد الرأسمالي الذي تجاوز القومية باتجاه العولمة التي لما تكتمل بعد، فاليمين الأوروبي تجاوز إصلاحياً وجوهرياً حتى ما يسمى «الإسلام المعتدل» عندنا. استعمل الاستبداد الإرهاب لتثبيت سلطاته الإجرامية ضد شعوبه وشعوب دول الجوار، حيث عطل كل المساحات التي تسمح للعقل بالعمل من أجل إنتاج الأفضل، وعندما نتكلم عن الحريات نقيّدهــا بالمقـــدس والذي يشغل في بلادنا معظم العقول وبنسب تكاد تبلغ مستويات خطيرة، والتي تنتج المعـــوقات التي تمنع التطور والتقدم وحـــل الأزمات بزيادة المعضلات، مما يعنـــي أن إمكــان إنتاج الإرهاب قائم طالما استمر الاستبداد في حكم مجتمعاتنا. الاستبداد في بلادنا هو ما دون الدولة – الأمة رغم شعاراته القومية واستغلاله قضية فلسطين. وما زلنا خارج نطاق العولمة التي تشارك في سقوط «الدولة» المركزية لمصلحة الإدارية، وتسيل الطبقات إلى جماعات اختصاص، وتحوُّل الأحزاب من هرمية إلى مواقف أفراد، وتعمّم اقتصاد المعرفة فتتداخل الثقافات وتتكامل الاقتصادات بتجاوز كل المقفلات والمعوقات القومية والوطنية وتبدل الهويات وتفتح الحدود وتغيب الجنسيات وتتشارك المجتمعات وتختلط المدن وتتنوع مع تدويل الناس والعلاقات وتعدد اللغات حتى تتعولم الكرة الأرضية التي تكاد تصبح قرية كونية واحدة مفتوحة على الكواكب والمجرات، وقد تعاظم شأن الفرد العالمي والكائن الحر والذات المستقلة والعقل اللانهائي ما عدا في البؤر المنهكة والأماكن المتهالكة. * كاتب لبناني
مشاركة :