اليوم المخاطر من الجانب الآخر، تبدو أكبر، وهي أن السلالات الاجتماعية للعولمة المفرطة سوف تدفع نحو رد فعل شعبوي يقوض كلا من العولمة والديمقراطية معا. العربجاي أوجيلي [نُشرفي2016/11/19، العدد: 10460، ص(7)] في مقال نشر مؤخرا في صحيفة نيويورك تايمز، تحت عنوان: “دع العولمة تعمل من أجل الديمقراطية”، كتب داني رودريك، وهو أستاذ اقتصاد في كلية هارفارد كينيدي للإدارة الحكومية، يقول إن “العولمة التي يصعب التحكّم فيها تقوّض الديمقراطية.. ببساطة، لقد تم دفع العولمة الاقتصادية بعيدا جدا، نحو صيغة غير عملية يمككنا أن نسميها “العولمة المفرطة” (الإفراط في العولمة)”. تردد حجة رودريك صدى فكرة فيليب بوبيت حول أن ظهور مفهوم الدولة السوق جاء خلفا لمفهوم الدولة القومية؛ ويقول رودريك في دعم موقفه: “لا تزال السياسة الديمقراطية مربوطة بالدول القومية، في حين أن المؤسسات التي تجعل قواعد الأسواق العالمية هي إما ضعيفة وإما تبدو بعيدة جدا، وخصوصا عن الطبقات المتوسطة و الدنيا من الناخبين”. ويضيف “العولمة عمقت الانقسامات الاقتصادية والثقافية بين أولئك الذين يستطيعون الاستفادة من الاقتصاد العالمي وأولئك الذين لا تتوفر لديهم الموارد والمهارات اللازمة للقيام بذلك“. ويتحدث رودريك عن الانقسام المتزايد الذي تم وصفه بشكل جيد في كتاب لتشارلز موراي، بعنوان “كامينغ أوبارت”، حيث يكشف عن أصحاب الامتيازات من أفراد المجتمع على مدى الخمسين عاما الماضية، وكيف جعلت من الواضح للعيان أن هناك إحصاءات متباينة في مجالات مثل التعليم والتوظيف والدخل. أولئك الذين “يمكنهم الاستفادة من الاقتصاد العالمي” يستفيدون بشكل واضح من العولمة، ويميلون إلى التجمع في نفس الأندية والكليات والمجتمعات. و”أولئك الذين ليس لديهم الموارد والمهارات” اللازمة للاستفادة من العولمة بقوا في المدن المتهالكة التي لديها صناعات، وهي في الواقع تعاني من المنافسة الأجنبية، من المرجح جدا من الصين أو المكسيك. يقدم موراي، وهو من العمال الفقراء، صورة قاتمة عن مجتمع خيالي إلا أنه ممثل مجتمعي كما يسميه فيشتاون. في حين كان تعزيز التجارة الحرة أمرا مقدسا لدى معظم الاقتصاديين منذ عقود، إلا أن عددا قليلا مثل رودريك بدأوا في الاعتراف بالتأثيرات المتباينة للتجارة على أجزاء مختلفة من المجتمع. ويخلص رودريك، في بحثه لتأثير الاقتصاد على السياسة، إلى أن “النموذج الجديد للعولمة قلب الأولويات رأسا على عقب، ووضع الديمقراطية على نحو فعال للعمل من أجل الاقتصاد العالمي، بدلا من إجراء العكس. إزالة الحواجز أمام التجارة وجعل التمويل هدفا، وليس وسيلة نحو المزيد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الجوهرية. تم الطلب كي تخضع الاقتصاديات المحلية لأهواء الأسواق المالية العالمية؛ توقيع معاهدات الاستثمار التي خلقت حقوقا خاصة للشركات الأجنبية، وخفّضت الضرائب على دخل الشركات لجذب الشركات الحرة”. هل يريد رودريك تقييد التجارة الحرة؟ ليس بالضبط. لكنه لا يريد أن يرش “بعض الرمال على دروع العولمة”. وفي إطار جهوده الرامية إلى “إعادة تقييم التوازن بين الاستقلال الوطني والعولمة الاقتصادية”، حدد خمس توصيات: أولا، ينبغي تبني التعددية المتواضعة التي تعترف بالمقاربات الوطنية والثقافية المختلفة من أجل تحقيق التوازن الصحيح بين الرعاية الاجتماعية والسوق الحرة التي تحرك النمو الاقتصادي. ثانيا، ينبغي أن تكون الدول قادرة على منع “الموازنة التنظيمية” عن طريق تجنب البضائع التي تسبب عائقا أمام ممارسات العمال المقبولة. سأتخطى التوصية الثالثة حيث أنه ليس من السهل الإيجاز. رابعا، ينبغي أن تركز الحوكمة العالمية على تعزيز الديمقراطية، وليس العولمة. واختتم رودريك توصياته بصفعة “للدول غير الديمقراطية مثل روسيا والصين”، معتبرا أنها لا تستحق المستوى الذي يفترض أن تتحمله التجارة الحرة. ويضيف رودريك “عندما أقدم هذه الأفكار إلى دعاة العولمة، يقولون إن ذلك سوف يكون انزلاقا خطرا نحو الحمائية. ولكن اليوم المخاطر من الجانب الآخر، تبدو أكبر، وهي أن السلالات الاجتماعية للعولمة المفرطة سوف تدفع نحو رد فعل شعبوي يقوض كلا من العولمة والديمقراطية معا. استناد العولمة على مبادئ الديمقراطية هو أفضل وسيلة للدفاع عنها”. لقد منحتُ مقالة رودريك هذا الاهتمام الكبير لأني أعتقد أنه يتطرق إلى نقطة هامة جدا: هل للعولمة الاقتصادية تأثير يشوه السياسة؟ من خلال التوزيع غير المتكافئ للمكاسب يبدو أن العولمة الاقتصادية تعزز النزعات غير الديمقراطية. يقول رودريك إن العولمة تغرس بذور تراجعها، من خلال توزيع ثمارها بشكل غير متساو بين الطبقات العليا والسفلى في الاقتصادات المتقدمة، ومن خلال القيام بذلك، فهي تدفع أيضا المزيد من الأوتاد بين الطبقات الدنيا في الاقتصادات المتقدمة ومواطني الدول الأخرى الذين يصورهم الشعبويون على أنهم أعداء. فائدة التجارة الحرة لا يمكن إنكارها: الجميع يحب تلك الأسعار المنخفضة كل يوم. ولكن الآثار المترتبة على التوزيع المتفاوت لمنافع العولمة أصبحت واضحة بشكل مزعج: بالنسبة للطبقات العليا، العالم هو صدفة محار يملكونها، أما بالنسبة للطبقات الدنيا، فالعالم هو منافس لهم. إذن، ما الذي يجب فعله؟ يعتقد الكاتب أن الحمائية سوف تكون خطأ فادحا. وبدلا من ذلك فإنه يوصي بأن “التجارة مساعدة على التكيف” بالنسبة للعمال المتضررين. وقال إن هذه الفكرة كانت “يتيمة” في دوائر السياسة، مضيفا أن البرنامج الاتحادي الحالي “بخيل”. المزيد من المال للتعليم وإعادة التدريب، وفرص عمل عالية الجودة، هذا ما يتردد بشكل مألوف، لقد كان أحد مكونات برامج كل من أحزاب اليمين واليسار منذ عقود. ولكن الآن زيادة ضغط الحديث عن العولمة تجعل ذلك أقل ابتذالا وأكثر إلزامية. باحث بمركز ستراتفور جاي أوجيلي :: مقالات أخرى لـ جاي أوجيلي هل تغرس العولمة بذور نهايتها, 2016/11/19 أرشيف الكاتب
مشاركة :