بكيت حين فاز أوباما ولم أفعل لفوز ترامب!

  • 11/19/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في ليلة انتخاب أوباما، جلست أتابع النتائج حتى وقت متأخر من الليل أوشك على الفجر، إلى حد أنني نمت وأنا أتابع، وبقي التلفاز مفتوحاً دون أن أغلقه، ثم استيقظت بعد ذلك عند السابعة صباحاً؛ لتقع عيني أول ما تقع على أوباما واقفاً هو وأسرته أمام الجموع الكبيرة يلقي خطاب النصر، والجموع كلها بين مصفق وصائح، وبين الجموع أميركيون سود، تنحدر الدموع من عيونهم، دموع فرح بانتصارهم بفوز أول رئيس أسود في تاريخ أميركا، ودموع حزن في الآن ذاته تتذكر تاريخهم المليء بالاضطهاد والاستعباد والتمييز، بكيت للمشهد وسالت دموعي. أمسكت بالهاتف سريعاً، واتصلت بزوجتي التي كانت تبيت في بيت أمها لأخبرها بفوز أوباما، أيقظتها من النوم فقد كان الوقت لا يزال باكراً، وأخبرتها بالخبر باكياً، وكأنني أصبحت أميركياً، أقف خلف انتخاب أوباما، وأنا سعيد الآن بفوزه إلى حد البكاء. بكيت في هذا اليوم لسببين اثنين؛ بكيت عندما رأيت الأميركيين السود يبكون، وفي وجوههم كلام كثير عن تاريخ أسود من الاضطهاد والتمييز والاستعباد من طرف الآخر الأبيض هناك. وبكيت كذلك بسذاجة مفرطة، فرحاً بانتخاب رجل من أصول إسلامية لرئاسة أكبر دولة في العالم. لقد ظننت بسذاجة حينها، كما ظن الكثيرون غيري، أن تغيراً كبيراً سيحدث تجاه نظرة أميركا لقضايانا العربية والإسلامية وفاعليتها فيها، حتى لقد قال البعض: إن أوباما ليس من أصول إسلامية فقط، ولكنه مسلم في الحقيقة، ويخفي إسلامه عن العيون. لم أصدق هذا الادعاء الأخير، لكني لم أقطع باستحالته، فكل شيء وارد، لكن الذي ظننته إلى حد القطع به، أن أميركا في عهد أوباما ستتغير عن أميركا في عهد رئيسها السابق عليه جورج بوش؛ ذلك لأن بوش كان مسيحياً متطرفاً، صهيونياً في عقيدته وقناعاته، دمر في عهده بلدين إسلاميين، أفغانستان والعراق، وبالغ في عدائه السافر للإسلام إلى حد التصريح بعودة الحروب الصليبية مرة أخرى، وما كان اعتذاره بعد ذلك -بادعاء أن ذلك لم يكن إلا فلتة لفظية- ليغير من حقيقته وحقيقة قناعاته وممارساته شيئاً. كنا نظن ظناً يقترب من اليقين أن أميركا أوباما لن تكون مثل أميركا بوش، فأتت الأيام والسنون بعد ذلك لتصفعنا على وجوهنا، ولتؤكد لنا أن أميركا هي أميركا، لا تتغير بتغير رئيس أو حزب، سياساتها وممارساتها في كل أنحاء الدنيا قائمة على استراتيجيات وتوجهات تشبه إلى حد كبير أصول الدساتير التي تحكم البلدان، وكل من يأتي إلى البيت الأبيض يجب عليه أن يذعن لهذه الدساتير وأن يسير في إطارها، وليس له أبداً أن يسعى لتعطيلها أو لتغييرها، وإلا سيكون مصيره كما كان مصير جون كينيدي، حينما قتلته مافيا الحكم الأميركي، لمّا أراد أن يخرج عن بعض هذه الأصول الحاكمة، وذلك على ما تقوله أقوى النظريات في لغز مقتله وأكثرها منطقية وقبولاً. لم يكن عهد أوباما مختلفاً عن العهود التي قبله، وما أخذه لجائزة نوبل إلا سقطة من أكبر السقطات في تاريخ الجائزة، وهي سقطة تؤكد أن هذه الجائزة مسيّسة، وخصوصاً في فرعها المتعلق بالسلام. وماذا فعل أوباما لكي يحصل على جائزة نوبل للسلام، لقد أخذ الجائزة في أول رئاسته، ولم يكن قد فعل شيئاً للسلام العالمي، ولم يفعل من بعد ذلك حتى انتهاء ولايتيه الاثنتين. لقد وعد أوباما في أول عهده بانسحاب قواته من العراق وأفغانستان فلم يفعل، وإذا كان قد فعل ذلك جزئياً فقد عاد بقواته مرة أخرى بحجة محاربة الإرهاب، ومواجهة التنظيمات الإرهابية التي صنعها هو بنظامه ومخابراته. ولقد وعد في أول عهده بإغلاق معتقل غوانتانامو، الذي يمثل سُبة في وجه أميركا حامية الحريات والحقوق كما يزعمون ويروجون، وها هو عهده ينتهي بولايتيه ولم يُغلق هذا المعتقل، ويبدو أنه لن يغلق أبداً. ولم يكن انبطاح أوباما أمام إسرائيل وممارساتها بأقل من انبطاح غيره، ولم يكن تأييده ودعمه بأقل كذلك. لم تتغير أميركا بتغير رئيس أو حزب، ولن تتغير، لقد سيطرت مافيا مسيحية صهيونية على دهاليز الحكم الأميركي، وهي التي تدير أميركا وتدير أي رئيس وأي حزب من خلف الستار. هذه المافيا الصهيونية هي التي قتلت الرئيس الأميركي كينيدي عندما أراد أن يخرج عن طاعتها، وهي التي كبّلت الرئيس الأميركي كلينتون بفضائح جنسية عندما أراد أن ينهي الصراع العربي - الإسرائيلي مع حفظ الحقوق الفلسطينية على أساس حل الدولتين، كبّلته حتى جعلته يركع كما ركع غيره، ويقدم قرابين الولاء والطاعة كما قدم غيره. لم يكن أوباما ليقدر على مخالفة هذه المافيا والوقوف في وجهها، ولذلك كان فرحنا بنجاحه فرحاً ساذجاً، وكانت دموعي حينها الدموع الأكثر سذاجة. ولذلك فنحن نرى الآن أن المعركة الانتخابية التي دارت على الرئاسة الأميركية بين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون وبين المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ما هي إلا معركة بين صهيونيَّين حقيقيَّين، أحدهما صهيوني سافر ومكشوف، والأخرى صهيونية هادئة وعاقلة، ولن تخرج أفعال ترامب الآن بعد فوزه عن خدمة الصهيونية، والعداء للعرب والمسلمين واستغلالهم، والمكر بهم والتخطيط لبقائهم في دائرة الضعف والتخلف والتبعية. هيلاري كلينتون لو كانت فازت بالرئاسة لم تكن أقل سوءاً من ترامب، ولن تستطيع أن تكون أقل سوءاً إن هي أرادت، فالمافيا الصهيونية الحاكمة سترغمها كما أرغمت زوجها من قبل، وستكبّلها مثلما كبّلته، وقد تكون فضيحة الرسائل الإلكترونية التي تطاردها الآن هي بداية هذا التكبيل والتقييد. في النهاية كانت هيلاري ستخضع للتوجهات الإمبريالية الصهيونية الأميركية راغبة أو راغمة كما خضع أوباما قبلها. وإن كان ثمة فارق يذكر بين هيلاري وترامب، فهو كون هيلاري امرأة عاقلة وهادئة ستجلد ظهورنا نحن العرب والمسلمين بعقلانية وهدوء، أما ترامب فهو مجنون ومعتوه، سيجلدنا مثلما ستجلدنا هيلاري، ولكن بجنون وغوغائية وسَفَه. نحن مجلودون إذن على كل حال من أميركا أياً كان رئيسها، والفارق يكمن فقط في طريقة الجلد وشكل الجلاد، فإما أن يجلدنا وهو يبتسم لنا ويربّت على كتفنا، وإما أن يجلدنا وهو ينظر لنا باشمئزاز وشذر ويبصق في وجوهنا. ليلة الانتخاب الأميركية نمت ملء عيوني باكراً، ولم أتلهف على معرفة النتيجة، ولم أبكِ بالطبع بعد النتيجة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :