«بقليل من كحل العيون، ورشفة من أحمر الشفاه، وبأبجدية الغزل، يثار العشق بالأرجاء، وينتعش الحب في العيون وتتلاشى الكلمات وتخلد الشفاه للشفاه»، تلك الكلمات كانت تتردد في أذن البطلة الهندية التي ترتدي العباءة في صراع ما بين قضايا الهوية الثقافية وبين طموحها في أن تصبح مغنية بوب شهيرة. فالاضطهاد الذي يمارس بصورة فردية يسهل القضاء عليه، مقارنة بذلك الذي يمارس من قبل مجتمع بأكمله تجاه فئة معينة وهي المرأة، حيث إنك تتعامل مع ثقافات موروثة، يصعب تغييرها، وتحتاج لعشرات السنين؛ لإحداث بعض التغيرات الطفيفة فيها فعلى ما يبدو، ووفقًا لفيلم الهندي «أحمر شفاه تحت البرقع»، أن المرأة في ريف الهند مثلها كبقية النساء في ريف العالم يعانوا من الظلم الشديد نتيجة عوامل عدة، على رأسها الجهل وغياب الثقافة الشرعية، وأسباب أخرى فتحت المجال للظلم الاجتماعي بداية من ضرب الفتاة، وعدم مشاركتها في الأمور وحتي حرمانها من التعليم والتعامل معه على انه منحة تقدم إليها وليس حق. تبدأ أحداث الفيلم المشارك ضمن عروض برنامج مهرجان المهرجانات، في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 38 بتسليط الضوء على الفتاة الجامعية التي ترتدي عباءة البرقة في صراع ما بين قضايا الهوية الثقافية وبين طموحها في أن تصبح مغنية بوب، حيث تتواجد في محلات لشراء مستحضرات التجميل، وتردد دائمًا «أنا لا أريد أن اتحول إلى امرأة من تراب متحرك كأمي وبقية نساء الهند، فسوف أتحول إلى زهرة هندية تحقق ما يحلو لها رغم ظروف الحياة». ولم ترغب آلانكريتا سريفاستافا، مخرجة ومؤلفة العمل أن تسلط الضوء على فتاة واحدة التي تعاني من اضطهاد في الريف الهندي، بل أظهرت عاملتا تجميل شابتان تطمحان في الخروج من النطاق الخانق لبلدتهما الصغيرة، فيفعلن الكثير من الأمور، واحدهما تقرر أن تسجل احدى الأفلام الجنسية لكي تقوم بإذاعتها عبر الانترنت وتحقق الشهرة التي تجلب لها الأموال، ولكنها لم تفلح في ذلك بسبب كشف خطيبها الأمر من خلال تفحص جهازها المحمول. وعلى ما يبدو أن المجتمعات التي تضطهد المرأة تعاني دائمًا من الكثير من الأمراض، وأول هذه الأمراض الجهل، الجهل الذي بدوره يهدم الأمم، ويُخرب البلدان، ويقضي على الأسر، لذلك كانت أول كلمة من الله -سبحانه- لرسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- (اقرأ…)، القراءة التي هي ألد أعداء الجهل، أفلا نقرأ؟، وبتلك الكلمات كانت تقوم سيدة تبلغ من العمر خمسة وخمسين عامًا أن تعيد اكتشاف حياتها، إلى أن وقعت في يدها رواية اثارت فيها مشاعر المراهقة التي بالتأكيد لم تعيشها حتي يكبر الأمر بصورة روائية جاذبة وتتعرف على مدرب سباحة أثناء تدريب احفادها، لتعيد اكتشاف حياتها الحسية معه عبر المكالمات التليفون. ولم يكتف الفيلم الهندي بتجسيد تلك النماذج للمرأة في الهند، بل أن هناك ربة منزل مضطهدة وهي أم لثلاثة أطفال تعمل بائعة، وتكتشف أثناء التجول للعمل ومساعدة زوجها في الأعباء المنزلية أن زوجها يخونها، فتحاول كسر القوالب التقليدية بحثًا عن قليل من الحرية التي تصارح بها زوجها لكنها لم تستطع. وعلى الرغم من الحبكة الدرامية في الفيلم التي تجعلك تتعاطف مع كافة الفتيات على الرغم من ارتكابهم أخطاء، إلا أن النهاية تكون أشد قسوة حين ينسدل الستار عليهم جميعهم فيعرف ذويهم ما يفعلون من أمور بعضها طبيعي والبعض الآخر يمثل فضائج لمجتمعاتهم، فيضرب الأب الفتاة الجامعية ويقرر حرمانها من التعليم بعد أن كشفت حقيقتها من ارتدئها الزي العادي و يطرد الزوج زوجته بعد أن صارحته بالخيانة ويطرد أيضًا زوج السيدة الخمسينية امرأته، ويجتمعون في ساحة الحي يجمعون خيباتهم ويجلسون في النهاية يضحكون لسخرية ما فعل بهم القدر وما وصلت بهم الحياة. لينتهي الفيلم بتساؤل وحيد، متى سينتهي الاضطهاد ضد المرأة في ريف الهند، وهل اجتماعهم سيكون بداية للوقوف ضد العادات المجتمعية دفعة واحدة، أم أن الأمور ستستمر كما هي.
مشاركة :