شددت المملكة العربية السعودية على أن تعزيز وحماية حقوق الإنسان خيارٌ استراتيجي، ويشكل العمود الفقري لسياسة التطوير الشامل التي تتبناها الدولة، مشيرة إلى أن جهودها في حماية حقوق الإنسان تؤكد حرصها على إرساء دعائم ذلك على المستوى الوطني، ودعم جميع الجهود الإقليمية والدولية التي تحقق هذا الهدف، مع مراعاة قيم المجتمعات واحترام تقاليدها. وأوضح معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور بندر بن محمد العيبان رئيس وفد المملكة المشارك في الدورة الخامسة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف أمس في جلسة مناقشة واعتماد النتائج النهائية لاستعراض المملكة ضمن الجولة الثانية للاستعراض الدوري الشامل، أن ما حققته المملكة من انجازات في تعزيز ونشر ثقافة حقوق الإنسان وحمايتها لا يعنى انتهاء المسيرة والاكتفاء بما تحقق بل إن ذلك يعد دافعا وحافزاً مهماً من أجل تكثيف العمل الوطني الدؤوب على حماية ما تحقق من منجزات وطنية، ووضْع الآلياتِ الكفيلةَ بمزيد من الترسيخ لثقافة وقيم ومبادئ حقوق الإنسان وحمايتها. وأكد معاليه أن نجاح آلية الاستعراض الدوري الشامل مرهونٌ بعدةِ عواملَ أساسيةٍ أهمها: الموضوعية، التي من شأنها الإسهام في تحقيق أهداف آلية الاستعراض، ومساعدةُ الدول على تعزيز وحماية حقوق الانسان فيها والتغلب على التحديات التي تواجهها، لافتاً النظر إلى أن الاستمرار يعد عاملاً مهماً من عوامل نجاح آلية الاستعراض، فبقدر استمرار هذه الآلية تزداد فرص الوصول إلى الأهداف والتطلعات المرجوة منها، وهذا يتطلب من الجميع دعمها والحيلولة دون أي مساعٍ لإفشالها مع أهمية مراعاة التدرج في تنفيذ الالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان، مبيناً أن من تلك العوامل أيضا: مراعاة التنوع الثقافي للبلدان، حيث أن اختلاف ثقافات بلدان العالم حقيقةٌ ماثلةٌ للعيان وواقعٌ معاش، وأن محاولاتِ فرض ثقافاتٍ معينة على المجتمعات في مسائل حقوق الإنسان؛ أمرٌ ضرره على حقوق الإنسان أكثر من نفعه، لذا يجب الأخذ في الاعتبار تنوع الثقافات، واستثمار هذا التنوع في حماية وتعزيز حقوق الإنسان، وأن يدخل ذلك ضمن مفهوم " عالمية حقوق الإنسان". وقال معالي الدكتور العيبان "إن حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود ملتزمة بحماية وتعزيز حقوق الإنسان على المستوى الوطني، والإسهام في ذلك على المستوى الإقليمي والدولي، وأن تعاونها مع آلية الاستعراض الدوري الشامل، وقبولها بمعظم التوصيات التي قُدمت لها خلال عملية الاستعراض، وحرْصُها على وضع تلك التوصيات موضع التنفيذ، وتقديمها للتوصيات الموضوعية للدول التي خضعت أو التي ستخضع للاستعراض؛ يعبر – بجلاء - عن ذلك الالتزام. وأضاف "في سعينا جميعاً لتطوير آلية الاستعراض الدوري الشامل، والاستجابة لما يفرضه واقع العمل والمتغيرات؛ تؤكد حكومة بلادي على أهمية التقيد بالمبادئ التي تضمنها القرار 5/1، وأهمها أن تُجرَى عملية الاستعراض بطريقة موضوعية وشفافة وبناءة، وغير تصادمية، وغير انتقائية، وغير مسيّسة". وجدد معاليه التزام حكومة المملكة بتعهداتها الطوعية التي قدمتها أمام مجلس حقوق الإنسان، وبالتعاون مع آلية الاستعراض الدوري الشامل ودعمها، بوصفها دعامة أساسية لعمل المجلس، ووسيلةً مُثلى لتحقيق الأهداف التي أُنشئ من أجلها، ومن أبرزها تقييم حالة حقوق الإنســان تقييماً ذاتياً، من أجل تعزيز الاحترام العالمي لجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، دونما تمييزٍ، وبطريقةٍ عادلة ومسؤولة. وأوضح معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان أن السعودية قدمت مئتين وخمس وعشرين توصية في أكثر من اثني عشر موضوعاً من موضوعات حقوق الإنسان، حظيت بالاهتمام البالغ، والنصيب الوافر من الدراسة على مختلف المستويات، حيث تمت دراستها، ابتداءً في مجلس هيئة حقوق الإنسان، ثم شُكلت لجنة رفيعة المستوى تضم أكثر من ثلاث عشرة جهة حكومية لدراسة التوصيات. وقال "في خطٍ موازٍ – وبقدرٍ مساوٍ من الأهمية - تم عقد عدد من الاجتماعات في مناطق مختلفة من المملكة، شارك فيها ممثلون عن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني والجهات الأكاديمية، والأفراد الفاعلين في المجتمع - رجالاً ونساءً - في مجال حقوق الإنسان لمناقشة التوصيات، واقتراح سبل التنفيذ الفاعل لها"، لافتاً النظر إلى أنه قد بلورت تلك الاجتماعات رؤية وطنية شاملة، استندت عليها حكومة بلادي في تقييم موقفها إزاء هذه التوصيات. وأشار إلى أن المشاورات الوطنية الواسعة، التي جرت منذ مطلع نوفمبر الماضي، خلصت إلى التأييد والتأييد الجزئي (لمئةٍ وثمانٍ وثمانين توصية)، وعدم التأييد لـ (سبعٍ وثلاثين توصية)، إما لتعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكام النظام الأساسي للحكم وقيم المجتمع وثقافته, أو لأنها خرجت عن مبادئ الاستعراض حيث تضمَّنت ادعاءات غير صحيحة. وأفاد معاليه، أن ما يتعلق بتنفيذ التوصيات فقد صدر توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود للجهات المعنية باتخاذ ما يلزم من اجراءات لتطبيق وتفعيل التوصيات التي حظيت بالتأييد، وستعمل هيئة حقوق الانسان مع جميع الجهات الحكومية المعنية والمجتمع المدني على متابعة تنفيذ التوجيه، مؤكداً أن (ثماني وثمانين) توصية من التي حظيت بالتأييد أو التأييد الجزئي منفذةٌ بالفعل على أرض الواقع أو تم الشروع في تنفيذها. وفي مجال الانضمام إلى الصكوك الدولية لحقوق الإنسان بين معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان أن المملكة صادقت مؤخراً على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (مائة وثمانٍ وثلاثين) بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، كما يجري – حالياً – دراسة الانضمام إلى عدد من المعاهدات والصكوك الدولية لحقوق الإنسان. وقال معاليه "إنه تم مؤخراً تعديل نظام الإجراءات الجزائية، ونظامي المرافعات الشرعية، والمرافعات أمام ديوان المظالم، سعياً لتطوير النظام القضائي، وضمان استمرار نهج المملكة منذ تأسيسها في ترسيخ دعائم الحق والعدل، من خلال قضاء مستقل يوفر الضمانات الكافية لإيصال الحقوق إلى أهلها بعدالة ناجزة، والمحاسبة وفقًا لقوانين عادلة ونزيهة ومُنصفة. وأضاف الدكتور العيبان، حرصت المملكة على إيجاد معالجة شمولية تحقق غايات تعزيز حقوق الإنسان من خلال إصدار العديد من الأنظمة المتخصصة التي تتكامل مع هذه الأنظمة الثلاثة، ومنها نظامُ مكافحة الاتجار بالأشخاص، ونظامُ الحماية من الإيذاء ... وغيرهما، مشيراً إلى أنه المملكة تؤكد على أن نظامها القضائي متقيدٌ بمبدأ شرعية التجريم والعقاب؛ حيث نصت المادة (الثامنة والثلاثون) من النظام الأساسي للحكم على أن "العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نصٍ شرعي أو نصٍ نظامي، ولا عقوبة إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي". وأبان معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان أن النظام القضائي في المملكة يولي مبدأ علانية جلسات التقاضي عناية كبيرة، لأنه يعد من أهم أسباب تحقيق العدالة التي من أجلها أُحدث مرفق القضاء، حيث نص نظام الإجراءات الجزائية ونظــام المرافعـــات الشرعيـــة بشكل واضح على أن الأصل هو علانية الجلسات، ما لـــم تقرر المحكمــة – استثناءً – غير ذلك؛ مراعاةً للأمن أو محافظةً على الآداب العامة أو كان ذلك ضرورياً لظهور الحقيقة، وهو ما يتسق مع المعايير الدولية لضوابط المحاكمة العادلة، موضحاً أنه تعزيزاً لهذا المبدأ تواصل هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، ووسائل الإعلام المختلفة حضور جلسات المحاكمات. وفي مجال بناء القدرات القضائية، أوضح معاليه أن وزارة العدل تعاونت مع عدد من الجهات الحكومية والأكاديمية مثل: المعهد العالي للقضاء، وهيئة حقوق الإنسان، وبعض الجهات الأكاديمية داخل المملكة وخارجها، لعقد وتنظيم العديد من الدورات التدريبية، وورش العمل، تركزت على الجوانب القضائية المختلفة، منها عَقْدُ ندوات وورش عمل في مجال حقوق الإنسان في مناطق مختلفة من المملكة، وعَقْدُ ندوات وورش عمل في مجال تعزيز دور القضاء، مبيناً أنه تم البدء في تنفيذ مذكرة التفاهم التي وقعت بين المملكة العربية السعودية ممثلةً في هيئة حقوق الإنسان، وبين مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، التي تهدف إلى تعزيز القدرات الوطنية العاملة في مجال حقوق الإنسان، حيث تم عقد برنامج تدريبي حول الآليات الدولية لحقوق الإنسان في إطار هذه المذكرة ، استفاد منها عدد كبير من ممثلي الجهات الحكومية المختلفة، بالإضافة إلى عدد من المحامين والإعلاميين والمهتمين بحقوق الإنسان. وفي مجال حقوق المرأة والطفل ومكافحة جرائم العنف الأسري؛ قال العيبان إنه تم اتخاذ العديد من التدابير، ومن أهمها صدور نظام "الحماية من الإيذاء" الذي يهدف إلى حماية أفراد المجتمع من الاستغلال، وإساءة المعاملة وبخاصةٍ النساءَ والأطفال، والفئات الأخرى كالمسنّين وغيرهم، كما يُعْنى النظام برصد وتوثيق حالات العنف ومحاسبة كل من يعيق وصول شكاوى العنف الأسري إلى الجهات المختصة. وأكد معاليه أنه استناداً لتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز القاضي بتمكين المرأة من المشاركة في الانتخابات البلدية، مرشحةً وناخبةً، فإن المرأة ستشارك في الانتخابات البلدية القادمة مما سيسهم في تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتمكينها من الإسهام بفعالية في صنع القرار. وقال العيبان : إن المملكة تعمل على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها شريكاً رئيساً في تنفيذ مسؤلياتها تجاه حماية وتعزيز حقوق الإنسان، حيث تم الترخيص لمؤسسات وجمعيات عاملة في مجالات حقوق الإنسان المختلفة، ودعمها، وتمكينها من ممارسة أعمالها باستقلالية تامة، واقتراح العديد من الأنظمة؛ التي تم تبنيها من قبل السلطة التشريعية، موضحاً أنه لدعم هذا الإسهام وضمان فاعليته، تعكف الجهات التشريعية على دراسة مشروع نظام "مؤسسات المجتمع المدني" للوصول إلى صياغة محكمة تجمع بين آراء الأطراف ذات العلاقة بمشروع النظام. ولفت النظر إلى أنه قد تم إعداد خطة وطنية شاملة، شاركت في صياغتها الجهات الحكومية ذات العلاقة بحقوق الإنسان، ومؤسسات المجتمع المدني تهدف إلى رفع مستوى الوعي بحقوق الإنسان مرتكزةً على عددٍ من المبادئ، أهمها: الإسهام في تنفيذ التزامات المملكة بموجب الاتفاقيات التي وقعتها أو انضمت إليها. كما تم إطلاق برامج توعوية تهدف إلى تنمية الوعي بحقوق الفئات الأكثر عرضة للانتهاكات، كالنساء، والأطفال، والعمالة الوافدة، والمسنين، والأشخاص ذوي الإعاقة. وشدد على أنه حكومة المملكة حرصت على تهيئة بيئة العمل المناسبة والملائمة للعمال الوافدين؛ من خلال سن الأنظمة والقوانين ووضع الآليات والإجراءات التي تبيّن ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، دون تمييز فئة أو جنسية على أخرى، بالقدر الذي يضمن لهم حقوقهم، ويكفل لهم حياة آمنةً كريمة، وأن آخر ما صدر في هذا الشأن هو "لائحة العاملين في الخدمة المنزلية ومن في حكمهم" التي تحدد – بوضوح – العلاقة بين صاحب العمل والعامل في الخدمة المنزلية، وحقوق وواجبات الطرفين، لافتاً إلى أنه في هذا السياق؛ قامت وزارة العمل – بداية هذا الأسبوع - بإطلاق برنامج "مُساند" التوعوي الذي يهدف إلى التعريف باللائحة، مع إبراز حقوق وواجبات العاملين في الخدمة المنزلية ومن في حكمهم وأصحاب العمل، وتعريفهم بآلية تقديم الشكاوى، ووسائل الانتصاف. وأشار معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان إلى أنه تم مؤخراً إطلاق "برنامج حماية الأجور"، وهي آلية إلكترونية يتم من خلالها رصد انضباط المنشآت في سداد الأجور في الوقت المحدد في العقد، والقيمة المتفق عليها دون تأخير أو مماطلة، وستمثل البيانات التي يوفرها هذا النظام مرجعاً معتمداً يتسم بالدقة والشفافية في البت في الشكاوي والقضايا المتعلقة بالأجور ومستحقات العمالة، مما سيسهم في معالجة كثير من القضايا العمالية. وأوضح العيبان أنه حفظاً لحقوق العمالة الوافدة وللاعتبارات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، قامت المملكة بوضع عدد من القواعد والإجراءات لتصحيح وضع مخالفي نظامي الإقامة والعمل، مشيراً إلى أن الأرقام الإحصائية تبين أن الحملة التصحيحية لأوضاع العمالة نجحت إلى حد كبير في تمكين أعداد كبيرة من المخالفين من الاستفادة من المهلة والتسهيلات المقدمة عبر استخراج رخص العمل والإقامات النظامية ليصححوا بذلك أوضاعهم، ويستمروا في العمل بشكل نظامي داخل البلاد. وقال معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان "إن عدد رخص العمل الصادرة أثناء المهلة التصحيحية بلغ (ثلاثة ملايين وثمانَمائةٍ وتسعين ألفا، وتسعَمائةٍ وست عشرة) رخصة عمل، وبلغ عدد من تم تغيير مهنهم من العمالة الوافدة أثناء الفترة التصحيحية (مليونين، وأربعَمائةٍ وثلاثة وعشرين ألفا، وسبعمائة وتسعة وسبعين) عاملاَ، وبلغ عدد من تم نقل خِدْماتهم من العمالة الوافدة إلى أصحاب عمل آخرين أثناء الفترة التصحيحية (مليونين، وستمائة وخمسة عشر ألفاً، ومئتين وثمانين) عاملاً. وفي المقابل تم تيسير مغادرة العمال المخالفين إلى بلدانهم مع ضمان حقوقهم".
مشاركة :