عصفور اليد وعصافير الشجرة..!!

  • 3/20/2014
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

قالوا قديماً: (عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة)، كان هذا القول الذي تحول إلى مثل يتداوله العامة من الناس في كثير من شؤون حياتهم مقبولاً إلى حد ما في وقته الذي أطلق فيه، أما اليوم وقد تغير الزمن فلم يعد من المقبول ترديد مثل هذا المثل بشكل اعتيادي، فلم يعد هناك عصفور في اليد ولا عشرة عصافير على الشجرة، بل إن الشجرة المسكينة اجتثت من مكانها وما زال الناس يرددون هذا المثل الذي رسخ في عقولهم الرضا بأقل مما يريدون معتقدين أن تلك هي القناعة بينما القناعة هي الرضا بتحقيق ما تريد والطموح هو تحقيق أعلى مما تريد. هذا المثل الذي تداوله الناس على مدار أزمنة كثيرة عزز تلك السلبية في عقول البشر، مما جعل الإنسان يعطل عقله ويرفض تجاوز حدود إمكاناته أو تطوير نفسه ظناً منه أن تلك مغامرة يقدم عليها ويهدم ما بين يديه بينما الحقيقة أنه يفتقد بتلك الاستكانة ملذة الحياة الكامنة في جسد المغامرة والتغيير والتطوير والوصول لأبعد مدى من الأهداف. العقل البشري قادر على الاختراع والإبداع متى بدأ التفكير، بينما أمثلة كذلك المثل حين يتربى عليه إنسان ما ويؤمن به فإنه كفيل بتعطيل كل الأفكار والرغبات ومقاومة كل محاولة للتغيير، بل وتحبط كل طموح، فالصياد الماهر لن يكتفي بعصفور في اليد ويتفرج على عشرة عصافير على الشجرة، حتى أنه يظل يجر خطاه متثاقلاً خوفاً من أن يحدث صوتاً يجعل تلك العصافير تطير، الصياد الماهر سيصطاد عشرين عصفوراً وهي تحلق في السماء ببندقيته التي صنعها وطورها بنفسه حتى تسهم معه في اصطياد الطيور المحلقة بدلاً من انتظارها حتى تهبط على الأرض. ما دفعني لكتابة تلك الأسطر هو مثل حي حدث أمامي، فبينما كنت وأحد أصدقائي في أحد المقاهي حدثني بعدم رضاه عن نفسه في العمل الحكومي، فهو بطبيعته يكره الرتابة ويحب التجديد فضلاً عن أنه يطمح لتولي المسؤولية من خلال مناصب أعلى تتيح له اتخاذ قرارات تطوير وتغيير؛ وهو وكما أعرف عنه أنه شخص قيادي جداً، حدثني بينما كنت أجالسه في أحد مقاهي مدينة الرياض وبرفقتنا صديق آخر، قال صديقي إنه يفكر بالاستقالة والسفر خارج المملكة لإكمال دراسته، وإنه لن يعود لأرض الوطن قبل أن يتحصل على شهادة الدكتوراه، أخذت موقف المستمع حتى يفرغ من حديثه كاملاً بينما أخذ صديقي الآخر يحاوره ويحاول أن يثنيه عن موقفه، مبيناً له أن الفرص لا تأتي إلا مرة واحدة، وأن غيره من الناس يتمنون لو يحصلون على فرصته في الوظيفة الحكومية، وقال له في مجمل ما قال إنه يقدر طموحه ورغبته في الحصول على أفضل المستويات الوظيفية، ولكن ما يقدم عليه يعد مخاطرة كبيرة بمستقبله، فربما يعود يوماً ويتمنى لو أن باستطاعته العودة إلى وظيفته ولا جدوى ... إلخ حتى قال أخيراً عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة. هنا كان من واجبي أن أتدخل لأنني أعرف أن هذا المثل عطل الكثير من القدرات البشرية وأحبط الطموحات وجعل الإنسان يرضى بما لديه حتى لا يفتقده. قلت: عصفور اليد قد مات، وعصافير الشجرة طارت، والشجرة التي كانت متكأً للعصافير العشرة كما تزعم قد اجتثت من مكانها، فإن أردت اصطياد العصافير فعليك أن تصنع بندقية وتتعلم الرماية لتتمكن من صيد المئات من العصافير الطائرة في السماء بدلاً من ندب حظك في يوم لا ينفع فيه الندب والبكاء شيئاً. هنا قال صديقي.. وهو كذلك. ومضى في طريقه منذ اليوم التالي بادئاً بإجراءات الاستقالة ومن ثم يتبعها بإجراءات السفر بعد مراسلة الجامعات الخارجية بحثاً عن قبول لإتمام الدراسة. كم هو جميل أن نردد الأمثال التي نتجت عن قصة وتجربة ونعتبر بها، ولكن الأجمل ألا نجعلها كدستور لا يمكن مناقشته أو تطويره، فليس كل مثل صالح لكل زمان، ولو أخذنا هذا المثل كمثال لما أقصد وركن الإنسان إليه لما طور أسلحة الصيد واستطاع اقتناص الفرائس على بعد عشرات الأميال. طالما أن العقل يفكر، فإن كل شيء قابل للتغيير.

مشاركة :