أتذكر جيداً مدى البهجة التي غمرتني عندما تلقيت نسخة موقعة من كتاب حياة في الإدارة للراحل الكبير غازي القصيبي (والتي أحتفظ بها في مكان بعيد عن أيدي لصوص الكتب). إذ لايوجد خبر تزفه المطابع أسعد من صدور سيرة ذاتية لأحد العظماء. تلك البهجة تجددت هذا الأسبوع عندما وقع بين يدي كتاب السيرة الذاتية للمهندس علي النعيمي، فهو لم يكن فقط أحد الوطنيين الكبار الذين ساهموا في صياغة تاريخ المملكة بل عاش حياة مُلهمة مليئة بالكفاح والتعطش الدائم للنجاح. تلك الحياة التي تسلمها مادةً خام وصاغها أسطورة ونموذجاً يحق له ولنا أن نفخر به. السيرة الذاتية للنعيمي حملت عنوان من البادية إلى عالم النفط وحاول فيها قدر الإمكان نقل أبرز مراحل حياته. لم يخجل من الحديث عن فشله وفقره وتعثرات البداية. كان الطفل علي يقطع كل يوم خمسة عشر كيلومتراًً مشياً على أقدامه الحافية ويعلق حذاءه على ظهره لكي لا يهترئ من كثرة المشي. تعطشه للنجاح بدأ معه من سن صغيرة فقد سأل المعلم الطلاب عن طموحهم في المستقبل فأجابوا بردود تقليدية، رجل إطفاء، أستاذ، مشرف على الحفر، أما علي ففاجأهم بقوله: أريد أن أصبح رئيس أرامكو، وكان له ما أراد. ينقل النعيمي في مذكراته كل مراحل حياته منذ رعيه للغنم في مضارب بادية أخواله العجمان وانتقاله للحياة في كنف أبيه صياد اللؤلؤ على الساحل الشرقي، بدايات عمله في أرامكو وطرده منها لصغر سنه. ثم تنقله في أربع وظائف فشل فيها جميعاًً، وعودته إلى أرامكو بعد أن أثبت طبياً أنه تجاوز السابعة عشر. تحدث أيضاً عن تجربة الابتعاث والصدمة الحضارية في أميركا وعودته للوطن وترقيه البطيء في أرامكو إلى أن بلغ قمة هرمها. وأخيراً تجربة الحقيبة الوزارية التي امتدت عشرين عاماً وشهدت تحديات كبيرة فرضتها عليه الظروف السياسية التي مر بها العالم بدءاً من أحداث سبتمبر وانتهاء بالربيع العربي. الكتاب هو بالفعل رحلة مدهشة في حياة مثالية عاشها هذا الرجل الذي انطلق من رعي الغنم إلى أن أصبح أحد أهم المؤثرين في العالم عبر إدارته لصناعة النفط السعودي، فقد كانت كلمة واحدة يصرح بها النعيمي كفيلة بقلب الأسواق العالمية رأسًا على عقب. في خاتمة الكتاب يلخص مهندس النفط السعودي حياته بقوله: عشت حياةً شخصيةً ومهنيةً رائعةً بكل المقاييس. ولم أندم على أي قرار اتخذته خلالها. وأخيراً، أتمنى من كل قلبي أن ينهج جميع الشهود على تاريخنا نهج المهندس علي النعيمي، وأن يسطروا لنا مذكراتهم فهي زكاة لحياتهم وإرث ثمين لنا وللأجيال القادمة.
مشاركة :