فتح استهداف القيادي في تنظيم القاعدة عبد المنعم الحسناوي، المكنى بأبي طلحة الليبي، عبر غارة جوية بمنطقة القرضة في مدينة سبها بداية الأسبوع الماضي، النقاش حول حقيقة تواجد تنظيم القاعدة في الجنوب الليبي وصحة تمركز قياداتها في هذه المنطقة للنشاط والتخطيط. وتاريخيا ارتبط الجنوب الليبي بالإنفلات الأمني وبتحرّكات العناصر المشبوهة، فهو يعد منطقة مفتوحة عجزت الدولة على بسط سيطرتها الأمنية عليه، ثم إن شساعة مساحته جعلته مناخا ملائما لنشاط المتطرفين والمهربين خاصة المناطق المحاذية لحدود الجزائر والنيجر، حيث تتقاطع فيها طرق التهريب والتجارة غير المشروعة. أمّا جذور القاعدة في ليبيا فتعود إلى عقد الثمانيات عندما تم الإعلان عن تأسيس عن أول فرع للقاعدة سمّي بالجماعة الإسلامية المقاتلة وتكوّن من مقاتلين ليبيين عادوا من ساحات القتال في أفغانستان، وبعد صدامات مسلحة مع نظام القذافي تمكن الأخير من إيداع أعداد كبيرة منهم في السجون من بينهم أبو طلحة الليبي. وبعد انهيار نظام القذافي تعززت أنشطة التنظيمات الإرهابية في منطقة الجنوب خاصة تنظيم القاعدة الذي أصبح له وجود قوي في ليبيا حسب ما أكده مصدر عسكري، موضحا أن تنظيم القاعدة بجنوب ليبيا موجود منذ 2011، وأن خطر الإرهاب الحقيقي في ليبيا يتواجد هناك حيث الصحراء الشاسعة دون حماية وحيث الطرقات الصحراوية التي تمكنهم من حرية التنقل والنشاط وحيث مسالك التهريب التي تضمن لهم الحصول على التمويل. وتوقع المصدر نفسه في حديث مع CNN بالعربية شنّ غارات أخرى على الجنوب الليبي مثل الغارة التي استهدفت أبو طلحة الليبي بسبب توافد عديد القيادات الإرهابية للجنوب الليبي وتحوّله إلى ملجأ رئيسي لهم، وقد استفادوا في ذلك من صعوبة مهمة مواجهتهم ومحاصرتهم في أرض شاسعة غير مراقبة ومفتوحة على الصحراء الأفريقية. وكانت تقارير استخباراتية غربية متعددة، منها تقرير فرنسي وآخر للأمم المتحدة، أكدت أن جنوب ليبيا أصبح منطقة جذب هامة للتنظيمات الإرهابية التي فرقها التدخل الفرنسي في مالي ووجدت في الإضطراب الذي تعيشه ليبيا فرصة للتمدّد والاستقرار. وأشارت التقارير إلى وجود عدد من قيادات القاعدة في جنوب ليبيا منها مختار بلمختار زعيم جماعة "الموقعون بالدم" و إياد آغ غالي زعيم جماعة "أنصار الدين " الذي أصبح يمتلك قاعدة في جنوب ليبيا، وقد عبرت التقارير ذاتها عن خشيتها من أن تصبح هذه المنطقة مركزا لانطلاق هجمات إرهابية سواء داخل ليبيا أو في دول الجوار. كامل عبدالله، باحث متخصص في الشأن الليبي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، استبعد أن يتمكن تنظيم القاعدة من السيطرة على الجنوب الليبي نظرا لعدم توفر اللوجستيات التي تمكنه من العمل فيه أو من اتخاذه معقلا له، مشيرا إلى أن القاعدة تحاول فقط الإستفادة من الأزمة الأمنية والسياسية في ليبيا لتعزيز قوّتها وإعادة تدعيم وتنظيم صفوفها سواء من خلال التدريب في الصحراء أو تجنيد مقاتلين جدد أو كذلك الحصول على التمويل من خلال عمليات التهريب. وقال لـCNN بالعربية:" الوضع في الجنوب يشهد فراغا أمنيا مكّن جماعات التطرف العنيف مثل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي أو تنظيم داعش من الانتشار ووفر لها المساحة المطلوبة لحرية التنقل والنشاط، كما وفر لها إمكانية التعاون فيما بينها في شن هجمات على أهداف محددة وهذا من شأنه أن يساهم في تعزيز قوتها الميدانية والحركية على الأرض". وكانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا حذّرت في تقرير خاص أصدرته يوم 19 من الشهر الجاري، من أن تقوم عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة بتشكيل خلايا جديدة في مناطق أخرى من ليبيا وخاصة الجنوب الغربي لليبيا، وذلك بعد تسجيل هروب العشرات منهم من مدن بنغازي وسرت ودرنة وصبراته، إثر الاشتباكات المسلحة مع قوات الجيش ببنغازي وقوات حكومة الوفاق بسرت، نحو منطقة الجنوب. وأضافت اللجنة أن لجوء عناصر تنظيمات داعش والقاعدة وأنصار الشريعة إلى هذه المنطقة الشاسعة والمفتوحة سيسمح لها بالتواصل مع تنظيمات إرهابية أخرى منتشرة في المنطقة على غرار تنظيم "بوكو حرام" في نيجيريا، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم "الموقعون بالدم" وجماعة "أنصار الدين" وحركة "التوحيد والجهاد" في غرب إفريقيا.
مشاركة :