الخوف من فقه المقاصد لماذا؟

  • 3/21/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي الأخذ بظاهر النصوص من دون الالتفات إلى معانيها وعلل أحكامها جمودٌ وظاهريةٌ تعطل روح الشريعة، وتجرّدها من صلاحيتها لكل زمان ومكان، وهل صلاحيتها لذلك إلا بروحها ومعانيها! وإذا كان الأخذ بظاهر النصوص جموداً، فإن الإيغال في اعتبار المعاني بما لا تحتمله دلالات النصوص وسياقاتها تحريفٌ للشريعة، ومصادمة لنصوصها، وكلا طرفي قصد الأمور ذميمُ. من المؤسف حين تتوجّه لإنكار الإيغال في مراعاة ظاهر النصوص على حساب مراعاة المعاني أن تجد نفسك في نظر أصحاب هذا التوجه من المميعين للشريعة المحرفين لنصوصها! وحين تنكر على المغالين في اعتبار النظرة المقاصدية ومراعاة المعاني ولو بتأويل متكلف لدلالة النصوص فأنت في نظرهم من أولئك الظاهرية الذين أماتوا روح الشريعة. لا أرى فائدة من المقارنة بين هذين المنهجين المتباعدين، ولا البحث عن أيهما أشد خطراً وأوسع فساداً؛ إلا إذا افترضنا أن الخيارَ محصور فيهما! أما ولنا مندوحة عنهما فلا مسوِّغ للمقارنة، أو تفضيل أحدهما على الآخر، وليس بصحيح أن المغالاة في الأخذ بظواهر النصوص فيها مزيدُ احتياطٍ وتورع؛ لأن الجمود على الظاهر قد يكون فيه تخفيف وترخّص من جهة قصر دلالة النص على ظاهره من دون تعديتها إلى مسائل مشابهة تشارك مدلول الظاهر في المعنى والعلة، ومن هذا الترخص أخذَ بعضهم بقول الظاهرية في كون الربا لا يجري إلا في الأصناف الستة التي نصّ عليها حديث الربا المشهور، ولم أرَ من العلماء من رأى في مذهب الظاهرية زيادة تورع واحتياط وتديّن. ولو تأملت عمل الفقيه لوجدته أكثر ما هو منصرف إليه مشغول به بعد استنباط الأحكام من دلالة النصوص هو في استظهار المعنى المقصود واستخراج مناط الأحكام، وهذا الاجتهاد العميق الدقيق هو الذي به تُسبر ملكته الفقهية، أما النظر في ما دلّ عليه ظاهر النص فكثيراً ما يجيده صغار طلبة العلم والمبتدئون. ومما يشبه هذا القصور في النظر - أعني المغالاة في اعتبار الظاهر من دون المعنى - النظر في أدلة الأحكام دليلاً دليلاً، أو جزئيةً جزئيةً، من دون مراعاة للمقاصد الكبرى للشريعة في تشريعاتها، وكثيراً ما يشوب هذا النظر تباين غير مسوغ، وتشديد لا معنى له، أو ترخيص لا تقره مقاصد الشريعة ولا يتواءم مع روحها. ودرءاً لهذا ألّف العلماء في المقاصد وجعلوها في مراتب من حيث أهمية الاعتبار، وضبطوا لها ضوابط تمنع اتخاذها ذريعةً للتنصل من التكاليف والتحايلِ على الأحكام والانسلاخِ من الشريعة، وإذا ذُكرت المقاصدُ ذكر كتابُ الشاطبي «الموافقات»، ومن يقرأ في ما كتبه العلماء وأصّلوه في علم المقاصد يدرك يقيناً أن الدعوة إلى إحياء فقه المقاصد ليست دعوة إلى الفوضى والتمييع. لا ننكر أن أناساً أرادوا تبديل الشريعة ومسخ أحكامها تحت دعوى التجديد فركبوا مطية المقاصد تنصلاً من تكاليف الشريعة، ولكن بمقاصد زائفة غير منضبطة لإحداث ثورة فقهية - زعموا - أرادوا استبدالَ فقه جديد بما سمّوه فقهاً قديماً عفا عليه الزمن ولم يعد صالحاً لزمان ولا مكان، ومن أشهر هؤلاء أركون، ونصر حامد أبوزيد. ومن يقرأ ما كتبه هؤلاء يجد كيف يكون التكلف والتعسف في تأويل دلالات النصوص بطريقة غريبة مضحكة لم يقل بها أحد من العالمين! ومهما يكن من هذه الممارسات الخاطئة، فإنه لا يجوز أن تحملنا هي الأخرى على تعطيل هذا الفقه تخوفاً على الشريعة من التبديل والتحريف، فإن نحن فعلنا هذا ولو بحسن نية فإنه هو الآخر عملٌ في تعطيل بعض أحكامها وخصائصها وفيه إماتة لفقهها.     * أكاديمي في الشريعة. samialmajed@gmail.com

مشاركة :