المجازفة في عدم المجازفة

  • 11/23/2016
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

لن أجازف فأقول إن هذا العنوان يمثل رأيي. لكن بعض من قرأت لهم يقولون ذلك، ويبدو أن تجاربهم تؤيد ما ذهبوا إليه. أحد هؤلاء مارك زوكربيرج المؤسس المشارك لموقع «فيسبوك». وقبله الشاعر اليوت الذي يقول: «وحدهم الذين يجازفون بالذهاب بعيدا يعرفون إلى أي مدى يمكن للشخص أن يذهب بعيدا». لذلك فإن من يرغب في فتح نافذة، ويخشى أن يتسلل منها الغبار، قد يخنقه «النقاء». أقول هذا وفي الذاكرة نص عنوانه «النوافذ» للشاعر اليوناني كفافيس عن غرفة معتمة يبحث فيها عن نافذة يتسلل منها الضوء فيقول: «قد يكون من الأفضل أن لا أعثر عليها/ ربما يكشف الضوء عن استبداد آخر/ فمن يدري أية أشياء جديدة سيكشفها لنا». الناس أعداء ما جهلوا. وبسبب تلك «المجهولية» كانت ردود الفعل التقليدية سلبية إزاء أي جديد بما في ذلك بعض المخترعات العلمية التي يحاربونها ثم يخطبون ودها. أما المتساهلون قليلا فقد توهموا أن بالإمكان استيراد أنماط عيش مادية جديدة، ووسائل تقنية حديثة، ومنها تكنولوجيا الاتصال، بمعزل عن القيم المصاحبة للمُنتج المستورد. وكثيرا ما ساهم الخوف من المجازفة في عرقلة مسار التغيير. وبالرغم من رهاب آثارها الجانبية، فإن للتكنولوجيا الحديثة إيجابيات كثيرة. فقد أتاحت فرص الحوار والتعبير بشفافية عن كثير من القضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية. كما ساهمت في جعل العالم قرية كونية كبيرة، وفتحت نوافذ نطل منها على العالم. أي على أساليب حياة وطرق عيش ثقافات مختلفة. وفتح هذا بابا للمقارنة. فأنت لا تعرف نفسك إلا من خلال مرآة الآخر. وقد تبدو الصورة في المرايا الأخرى أوضح، وربما قوَّضت المقارنة بعض المفاهيم السائدة. وهذا ما يزعج غلاة الشوفينية. وفي عصر يتم فيه التواصل بين أفراد ثقافات مختلفة بالصوت والصورة، لم يعد شركاء هذا العالم الافتراضي أصدقاء بلا وجوه، كما كان الأمر قبل عقد من الزمان مع مستخدمي الانترنت، وهو ما يقلص المسافة بين بني البشر وذلك ما يقلق دعاة العزلة. «أصبح الخاص عاما، وصار المحلي كونيا» يقول أحد الكتاب. كذلك هيأت تكنولوجيا الاتصال- المسببة لذلك الرهاب- قراءات ومقاربات متعددة بعد أن تنوعت مصادر المعلومات «صحف وكتب وقنوات فضائية عابرة للحدود، ومكتبات وأرشيفات ومعاجم إلكترونية» لستَ بحاجة الآن إلى مغادرة البيت والذهاب إلى كشك بيع الصحف لشراء جريدتك المحلية وجرائد عالمية أخرى. وهذا ما يقلق طهاة الوجبة الإعلامية الواحدة. يحلم أولريش وإليزابيث بك غرنزهام مؤلِّفَا كتاب «الحب عن بعد: أنماط حياتية في عصر العولمة/ ترجمة حسام الدين بدر» أن تساهم ثورة الاتصال في التقريب بين الأعراق والثقافات المختلفة من خلال تكوين ما يسميه المؤلفان «الأسرة المعولمة». لكنهما يقرَّان بأن تحفظات سياسية وثقافية واجتماعية تؤجل تحقيق ذلك الحلم. لذلك يطرحان السؤال التالي: «هل يمكن القول إن ما يفشل فيه العالم أجمع تنجح فيه صور الحب والأسرة الجديدة من خلال علاقة تتجاوز تلك الحدود؟». ربما كان ذلك حلما. لكن الحلم هو ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات. مشكلة البشرية مع أعداء الحب الذين لا يحلمون بل يدقون طبول الحرب، ويصنعون الكوابيس. لكل إنجاز حضاري ثمنه. وقد تكمن المجازفة في عدم المجازفة، لذلك أعود فأذكر بالعبارة التي بدأتُ بها هذا المقال فأقول: من يرغب في فتح نافذة، ويخشى أن يتسلل منها الغبار، قد يخنقه «النقاء». ومن أراد أن يتفادى الإخفاق فعليه أن لا يفعل شيئا على الاطلاق.

مشاركة :