زحمة المرور في تونس: تعال اركب كي أوصلك، عفوا مستعجل

  • 11/23/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يلتزم بعض سائقي السيارات على مضض بخط السير وقوانين المرور في حين يلجأ آخرون إلى ما يسمونه بـ”الشطارة” التي تترجم في خرق القوانين والتجاوز الممنوع والسير في الاتجاه المعاكس والممرات الممنوعة، وكأنهم يحملون ثلجا يخافون عليه من الذوبان أو مريضا يوشك أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. عن هذه الفوضى يقول سائق التاكسي محمد الشيحاوي المتقاعد لكنه مازال خلف مقود السيارة “إنها تترجم الأنانية التي أصبح عليها المواطن التونسي الذي يتصرف وفق مبدأ ‘أنا ومن بعدي الطوفان”. الدراجات النارية هي الأخرى عنصر فاعل في صناعة فوضى المرور، تتلاعب بين السيارات المتلاصقة وتربك المارة دون أن تحترم إشارات المرور، ويكتفي سائقوها -خاصة الشباب منهم- بطلب العفو والشكوى من الاكتظاظ في حالة الاصطدام بأحد المترجلين، أما في حالة الاصطدام بإحدى السيارات فينتهي المشهد بالخصام وبعض الشتائم في أبسط الحالات، هذا إن لم يتسبب الحادث في إصابات خطيرة. نجد أحيانا سائقا يمسك الهاتف بيده اليسرى وبيده اليمنى يمسك ذراع نقل التروس لتغيير السرعة، أما المقود فربما يمسك به الشيطان "شطارة" بلا فائدة أحمد العراكي شاب ثلاثيني يشتغل في مجال التسويق تتطلب منه مهنته أن يتجول في العاصمة والمحافظات الملاصقة لها (منوبة وبن عروس وأريانة) بشاحنته الصغيرة، ما جعله شاهدا يوميا على هذه المعاناة بعد أن أضحى صاحب رباطة جأش وبإمكانه إيجاد الحلول التي تمكنه من تسيير شؤون عمله في أسرع وقت ممكن. يحاول أحمد أن يسير في الاتجاه المعاكس للاكتظاظ المروري، أي يؤجل كل شؤونه التي تضطره إلى دخول وسط العاصمة، فلا يدخل المدينة عند الاكتظاظ الذي صار يحفظ أوقاته عن ظهر قلب، وأصبحت لديه معرفة بكل الطرقات الفرعية التي توصله إلى حرفائه. يقول أحمد إن سبب هذا الاكتظاظ هو الفوضى المترتبة على عدم تطبيق قوانين المرور، مضيفا أن أغلب الموظفين وخاصة أولئك الذين يقلون أطفالهم إلى المدارس يخرجون متأخرين ويحاولون الوصول قبل بداية الدوام المدرسي، كما أن الوقوف العشوائي أمام المدارس وخاصة تلك الموجودة في شوارع رئيسية في العاصمة يعطل سير حركة المرور إذ تختلط السيارات بالأطفال وأوليائهم على الطريق والرصيف. أحمد لا يستغرب من السائقين العاديين وتجاوزاتهم، فهم لا يثيرون فيه الغرابة أو حتى الاشمئزاز، بل يستغرب من بعض سيارات الموظفين أو حتى بعض السيارات الدبلوماسية التي تسير في اتجاه ممنوع أو في سكة المترو ولا يحترم أصحابُها إشارات المرور حين لا تكون هناك رقابة أمنية، فإذا أقدم “المتعلمون” على مثل هذه التجاوزات فلا نستغرب ما يفعله الآخرون الذين تكون سياراتهم في الغالب غير فاخرة بل قديمة لا يؤثر فيها ما يلحقها من ضرر في حالة الاحتكاك بسيارات أخرى. لمن الأولوية ومن نوادر حركة المرور ما يتردد بين الناس من عبارات السخرية من الاكتظاظ وزحمة السير؛ ونعني تلك التي تتعلق بأحد السائقين الذي عرض على صديقه معروفا يتمثل في إيصاله إلى حيث يريد باعتبار أن ما يجمع بينهما طريق واحد واتجاه واحد، فرد الآخر “عفوا أنا مستعجل”. هذه النادرة توثق لحالة الاختناق التي وصلت إليها شوارع مدينة تونس وخاصة في أوقات الذروة، فبعض الذين لا يتحلون بالصبر يختارون أول محطة ميترو أو قطار يصلون إليها ليركنوا سياراتهم ويستقلوا النقل العمومي، فهذا الخيار حسب رأيهم أرحم من سياقة السيارات في طرقات يشبهونها بعنق الزجاجة. رحلة السياقة تتطلب جهدا وتستنفد صبر السائق الذي يستعد ليوم عمل كامل، لكن هذا العناء لا يثني البعض الآخر عن الوصول إلى مقر العمل وركن السيارة أمام الإدارة التي يعمل بها، ليضع مفاتيحها في الخنصر مع هاتف باهظ الثمن في اليد اليسرى. التاكسي والنقل الجماعي بين أصحاب التاكسي وسواق سيارات النقل العمومي عداء تؤججه مصلحة كل منهما في التقاط الحرفاء، ولكل منهما طريقة في العمل أثناء ساعات الذروة، ففي حين يختار سائق التاكسي الرحلات الطويلة ويفضل أن تكون خارج خارطة الاكتظاظ، حتى أنه صار يسأل عن وجهة الحريف قبل أن يركب، فإن كان ثمن التوصيلة مغريا، انتظره وسمح له بركوب السيارة، وإن كان غير ذلك يتركه وينطلق في طريقه، وهو تصرف غير قانوني يعاقب عليه القانون، لكن أين القانون؟ حسب تساؤل محمد الشيحاوي. ويصر سائق سيارة النقل الجماعي أن يمر على كل المحطات في طريقه ليقل الزبائن قبل أن تقلهم الحافلة، ويصل إلى المحطة الأخيرة بأقصى سرعة، وفي ذلك حيل وتحايل ومجاوزات خطيرة لا يجرؤ عليها إلا من لا تعني له الأرواح البشرية شيئا أمام جمع معلوم الركوب. هؤلاء يعطل الالتزام بقوانين السير مصالحهم حتى أصبحوا يلقبون بـ”الكركارة” (وهي شباك لصيد السمك). إما الفوضى، أو المخاطرة محمد الشيحاوي لم يترجل من سيارته رغم بلوغه سن التقاعد، ويبرر ذلك بأنه يحب أن يلتقي الناس ويتحدث في السياسة والرياضة، أما في الحديث عن الطريق والمشكلات المرورية، فهو متعصب لسواق التاكسي لأنهم حسب رأيه أفضل من يسير في الطريق، مستثنيا الأجيال الجديدة التي تحصلت على رخص لسياقة التاكسي دون خبرة وتربص. الشيحاوي يواصل ركوب المخاطر كل يوم، هكذا يرى عمله الذي أصبح شاقا وافتقد رونقه، متسائلا هل ترى اليوم سائقا أنيقا غير أولئك “الشيوخ” الذين تعلموا المهنة على أصولها منذ سنوات طويلة؟ مؤكدا على أنه يجب أن نلبس كما نقود أو نقود كما نلبس؛ فالكثير من الأجيال الشابة تلبس الجينز والأحذية الرياضية وتقود السيارات بشكل متهور وهو أمر مغاير للائحة سيارات الأجرة. ويضيف أن السياقة فن وأناقة في الحركة يستدعيان تركيزا وثقة بالنفس وذكاء ورباطة جأش، لأن المخاطر المفاجئة تطل دون أن تستشير أحدا وخاصة من سائقي سيارات النقل العمومي الذين تراهم متنقلين بين اليسار واليمين من أجل التقاط حريف بل من أجل التقاط أجرته، فالتنقل المفاجئ من اليسار إلى اليمين قد يضع السيارة والركاب والحريف المنتظر في ما لا تحمد عقباه، والعديد من الحوادث تسببت فيها لهفة سائقي النقل الجماعي. ويتحدث الشيحاوي الذي لا يشتغل في أوقات الذروة، عن إشارات وأعوان المرور ورجال الأمن قائلا، أضواء المرور هي المنارة المتوفرة ليلا نهارا لإرشاد حركة السير، لكن أصبحنا نُفاجَأ بتعطلها دون تعويض بأعوان المرور أثناء ازدحام الحركة، فتختلط الأمور ويلتقي الجميع في المفترق متناسين يمينهم من يسارهم، الكل يريد أن يمر، تلك هي أولويتهم، والكل يستعمل المنبه والكل يشتم ويصيح ويرفع يده غضبا. هذه الفوضى حسب الشيحاوي تنم عن نفسية المواطن التونسي التي أصبحت متشنجة. الشيحاوي يتحدث أيضا عن ظاهرة أخرى تتمثل في تواجد أعوان الأمن بدل أعوان المرور قائلا، شتان بين من مرّ إلى العمل في تنظيم حركة الطريق عبر تربص في قوانين المرور وإشاراته وتنظيم حركة السير، وبين من يتوسط محولا مزدحما دون أن يعرف الأولوية والتوقيت، أما إذا احتاج ملتقى الطرقات إلى أكثر من عون؛ إلى عونين مثلا، فيجب أن يكونا من أعوان المرور، محذرا من أن سوء التفاهم بينهما يعرقل عملية تنظيم مرور السيارات من الجهة الأكثر اكتظاظا إلى الأقل، ويزداد الاختناق. ويختم الشيحاوي حديثه الذي لا ينتهي عن وقائع وحوادث خطيرة يراها نتيجة طبيعية لفوضى عارمة في الطريق بالتساؤل؛ لماذا لا يحترم رجال الأمن في سيارات العمل إشارات المرور فيتجاوزون الإشارة الحمراء وتعليمات العون الذي يسيّر الحركة، كما أنهم يسيرون في اتجاهات ممنوعة، بل قد يستعملون الأضواء المنبهة دون موجب، أفليسوا هم الذين أوكلت إليهم مهمة حفظ النظام؟ مخاطرة لا حدود لها الحافلات والنساء أحمد الذي امتهن سياقة حافلات النقل الجماعي لأكثر من سنتين قبل أن يتحول إلى مهنة التسويق، يتحدث عن وجه الشبه بين النساء والحافلات، فيقول كلتاهما تتمايل في الطريق غير آبهة بالجميع، ويصرّ على احترام كل النساء فهو يشاهد يوميا نساء يقدن سياراتهن أفضل من الكثير من الرجال، لكن أغلبهن يقدن بحذر شديد يتحول إلى خوف في غالب الأحيان، فحين تسير المرأة بسيارتها على الجهة اليسرى في الـ”اوتوستراد” تظل في ذلك الاتجاه وتخاف أن تعود إلى الجهة اليمنى وهي التي لا تستطيع السير بسرعة فتتعطل حركة المرور. ويروي حادثة حضرها قبل أيام حين مرّ موكب وزاري في الطريق الرابطة بين ضاحية المرسى ووسط العاصمة، يتقدم الموكب حرس مرور على دراجته النارية منبها السيارات بأضواء الطوارئ كي تحيد إلى اليمين، لكن المرأة التي تغلق النوافذ وتواصل سيرها في المسار نفسه رغم التنبيهات الضوئية عجزت عن العودة إلى اليمين حين انتبهت، ومن شدة اضطرابها اتجهت صوب أعوان الأمن الذين يقفون في المفترق، واضطر الموكب الوزاري إلى الانزياح قليلا ليتجاوزها وهو ما لم يشاهده أحمد من قبل، فالمواكب الرسمية تسير في الجهة اليسرى ولا تحيد عنها. ومن نوادر التونسيين أيضا أنك تجد من يمسك الهاتف بيده اليسرى وبيده اليمنى يمسك ذراع نقل التروس لتغيير السرعة، أما المقود فربما يمسك به الشيطان. الحافلات ماردة تتوسط الطريق دائما في المدينة، فلا أحد يزاحمها إلا من لا يعرف بطش سائقيها، هم لهم طريقتهم في التعامل مع حركة المرور، فلا يلاصقون محطات الوقوف أبدا حتى لا تعطلهم السيارات الرابضة أثناء الانطلاق من جديد، كما أنهم يستعملون الجزء الخلفي من الحافلة للسيطرة على الطريق لأنه الأقوى في الحافلة بحسب أحمد، الذي يقول “يا ويل من يعاندهم”. :: اقرأ أيضاً

مشاركة :