«وساطة صعبة» للفاتيكان في الأزمة الفنزويلية

  • 11/24/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

د. صدفة محمد محمود انطلقت في الحادي عشر من الشهر الجاري في كراكاس جولة جديدة من المحادثات بين الحكومة الفنزويلية والمعارضة اليمينية المنضوية في إطار طاولة الوحدة الديمقراطية، وذلك بوساطة الفاتيكان. ويأتي قبول الفاتيكان للقيام بدور الوسيط في محاولة لنزع فتيل الأزمة المتصاعدة في هذا البلد الواقع في أمريكا الجنوبية، بعدما التقى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو ببابا الفاتيكان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. حيث دعاه البابا لأن يسلك بشجاعة طريق الحوار الصادق والبناء من أجل التخفيف من معاناة الشعب الفنزويلي وخاصة الفقراء. تجري الجولة الجديدة من المحادثات في ظل أجواء يشوبها التوتر الشديد، خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تشهدها الدولة صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم، والارتفاع غير المسبوق في معدل التضخم الذي من المتوقع أن يبلغ 475 في المئة هذا العام. الأمر الذي كان له عواقب وخيمة على الحياة اليومية للمواطنين، الذين يعانون النقص الحاد في الأدوية والأغذية والسلع الأساسية. فضلاً عن تفاقم الأزمة السياسية، بعدما جمدت السلطات الانتخابية إجراءات الاستفتاء على عزل مادورو، الذي يؤكد تمسكه بالبقاء في منصبه حتى انتهاء ولايته الرئاسية عام 2019، وذلك بالرغم من أن استطلاعات الرأي العام تظهر أن ثلاثة من كل أربعة فنزويليين يرغبون في أن يترك مادورو منصبه هذا العام. ناهيك عن تدهور الأوضاع الأمنية وانتشار جرائم القتل التي أصبحت مسؤولة عن 12 % من إجمالي حالات الوفاة في البلاد. وسوف تناقش المحادثات، بشكل منفصل، أربعة موضوعات أساسية، هي: السلام واحترام دولة القانون والسيادة، والحقيقة والعدالة والحقوق الإنسانية وتعويض الضحايا والمصالحة، والجانب الاقتصادي والاجتماعي، فضلاً عن بناء الثقة ووضع برنامج انتخابي. ويدور الحديث عن إحراز بعض التقدم في المحادثات بين الطرفين، خاصة مع قيام كل طرف بإبداء بعض المرونة في مطالبه قبيل انطلاق المحادثات؛ حيث قامت المعارضة بإلغاء احتجاجات شعبية ومحاكمة رمزية ضد مادورو في الكونغرس، بعدما هدد الأخير باعتقال قادة المعارضة إذا بدأوا مسعى لإقالته في البرلمان. وفي الوقت نفسه قامت الحكومة بالإفراج عن عدد قليل من المعارضين، بعدما دعا مبعوث البابا، مادورو إلى إعطاء مؤشرات على أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل الأزمة، كما تعهدت الحكومة والمعارضة بالعمل على الحفاظ على أجواء يطبعها السلام والتفاهم. وساهمت هذه الخطوات في تخفيف حدة التوتر بين الطرفين نسبياً، وساعدت على انطلاق الجولة الجديدة من المحادثات. خاصة أن مبعوث البابا الأسقف كلوديو ماريا سيلي كان يخشى من سقوط قتلى في المظاهرة التي كانت المعارضة تعتزم تنظيمها خلال الأيام الماضية. وقال: لو سقط قتلى فما هو الحوار الذي يمكن إجراؤه. على الرغم من ذلك، فإنه من غير المتوقع أن تمثل وساطة الفاتيكان عاملاً حاسماً لحل الأزمة الراهنة في فنزويلا، خاصة أن هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها الفاتيكان بدور الوسيط، حيث سبق أن توسط في الأزمة السياسية بين المعارضة والرئيس الراحل هوغو شافيز، دون أن يحدث تغييراً ملحوظاً في مسار الأزمة. ويمكن تفسير ذلك بأسباب عدة، منها: تعقد الأزمة التي تشهدها فنزويلا على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، وتداخل أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فضلاً عن تدخل عدة أطراف دولية وإقليمية فيها وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبعض القوى الإقليمية في أمريكا اللاتينية وفي مقدمتها البرازيل، وكذلك دور بعض المنظمات الإقليمية مثل اتحاد أمم أمريكا الجنوبية الأوناوسور، وكذلك الميركوسور الذي يطالب بعض أعضائه بضرورة تجميد عضوية فنزويلا فيه بدعوى انتهاكها للميثاق الديمقراطي للمنظمة الإقليمية. علاوة على سيادة أجواء من الشك والريبة وعدم الإيمان بجدوى المحادثات، ففي الوقت الذي أشاد مادورو بالحوار الذي بدأته الحكومة مع المعارضة، برعاية الفاتيكان، متهماً الأخيرة بتشويه نتائجه. قاطع 15 حزباً من تحالف طاولة الوحدة الديمقراطية المحادثات، حتى إن قادة بعض الأحزاب اليمينية الذين أعلنوا عن مشاركتهم، أكدوا أنهم سيفعلون ذلك بتشكك وارتياب، إذ يخشى خصوم الرئيس الاشتراكي من أن تكون المحادثات وسيلة للمماطلة ومحاولة للتخفيف من وطأة الضغوط الشعبية المفروضة عليه. ناهيك عن غياب الإرادة السياسية لحل الأزمة، وتشدد وتمسك كل من الحكومة والمعارضة بمطالبهما. فبينما تطالب المعارضة بالإفراج عن مزيد من المعتقلين السياسيين وتنادي بضرورة احترام الجدول الزمني لإجراء استفتاء شعبي على عزل مادورو من منصبه، وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، في حين يرفض الأخير توجيه الإنذارات إليه، كما استبعد الرئيس الفنزويلي التفاوض مع المعارضة حول مخرج انتخابي لأزمة البلاد. وقال مادورو في تصريحات صحفية: مخرج انتخابي؟ مخرج للذهاب إلى أين؟، يجب ألا يختبئ أحد وراء هذه الآليات الانتخابية التي ليست موجودة في الدستور. ومن العوامل الأخرى التي يمكن أن تسهم في إضعاف فرص نجاح وساطة الفاتيكان في الأزمة في فنزويلا أن هناك تراجعاً في الدور السياسي للكنيسة الكاثوليكية في فنزويلا خلال مرحلة ما بعد التحول الديمقراطي. فعلى الرغم من أن المسيحية هي أكبر الديانات؛ إذ إن حوالي 92 في المئة من إجمالي السكان من أتباع الكنيسة الكاثوليكية؛ فبخلاف الجيش، لا تعد الكنيسة الكاثوليكية قوة سياسيّة رئيسية في فنزويلا، مثلما الحال في كولومبيا. فضلاً عن التراجع النسبي في القوة الروحية للكنيسة الكاثوليكية، كما يعتبر البروتستانت الإنجيليين أكثر تديناً من الكاثوليك، من حيث المواظبة على الصلاة يومياً، وقراءة الكتاب المقدس، والالتزام بالصوم الكبير، وفقاً لما كشفت عنه الدراسة التي أجراها مركزبيو للأبحاث عام 2014. ناهيك عن المضايقات التي يتعرض لها بعض رجال الكنيسة الكاثوليكية من قبل السلطات الحكومية، الذين يؤكدون على أن الحكومة الاشتراكية تشن حملة ضد الكنيسة الكاثوليكية المحلية بهدف تشويه سمعتها، وذلك بدعوى مساندتها للمطالب المشروعة للشعب الفنزويلي بإجراء استفتاء على عزل مادورو. وإذا كان الفاتيكان سبق أن لعب دوراً محورياً في جهود التقارب بين كوبا والولايات المتحدة، وساهم بصورة كبيرة في التوصل لاتفاق السلام التاريخي بين الحكومة الكولومبية وحركة التمرد الفارك، فإنه من غير المتوقع أن ينجح هذه المرة في فنزويلا؛ حيث لا ترغب الحكومة أو المعارضة بصورة جدية في التوصل لحل وسط لهذه الأزمة. ويظل التحدي الرئيسي أمام الحكومة والمعارضة هو كيفية منع المحادثات من الانهيار على نحو يفضي إلى تصاعد وتيرة العنف ووقوع مواجهات دموية جديدة بين قوات الأمن الفنزويلي والمحتجين المعارضين لمادورو. في ظل تحذيرات مبعوث الفاتيكان من أن النتيجة المؤكدة لفشل المحادثات بين الحكومة والمعارضة ستكون سفك الدماء.

مشاركة :