وجه حسن عريبي، نائب عن جبهة العدالة والتنمية، وعضو بلجنة الدفاع الوطني في الجزائر، الأسبوع الماضي، سؤالًا كتابيًا إلى وزير المالية حاجي بابا عمي، متسائلًا عمّا اعتبرها فضيحة تهريب 75 مليون دولار من احتياطي العملة الصعبة نحو الخارج من طرف واحدة من أكبر شركات الاتصال بالبلاد ومن وصفهم بالمتواطئين معها. وقال عريبي في سؤاله الذي حصلت CNN بالعربية على نسخة منه، إن شركة أوريدو حصلت عام 2014 على حوالي 481 ألف لوح إلكتروني من الحجم الصغير، وبينما لا تتجاوز قيمة الجهاز 40 دولارًا للوح الواحد، صرحت الشركة بقيمة مزيفة تصل إلى مائتي دولار، ممّا يعني "تهريب الشركة لحوالي 75 مليون دولار"، متحدثًا عن أن مصالح الجمارك تحتفظ بهذه البيانات. وتساءل النائب: "هل وزارة المالية على علم بهذه الفضيحة، وإذا كانت كذلك، فلم لم تبادر إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لاسترداد الأموال المهرّبة ومتابعة الجناة؟"، مضيفًا: "أين هي أجهزة الرقابة المالية أم أن أذرع أخطبوط الفساد تحيط برقبة السلطة فتخنق الأنفاس وتمنع مصارحة الناس؟". ويلزم القانون العضوي الذي يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وعملهما، وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة بتقديم الأجوبة عن الأسئلة التي يطرحها النائب في أجل أقصاه 30 يوما، وعلى هذا الأساس، فإن "وزير المالية أمام خيارين إما الإقرار بالفضيحة وتحويل الملف إلى القضاء أو تفنيد ما جاء في السؤال"، وفقا لما صرح به القانوني عمار خبابة لـCNN بالعربية. وأفصح النائب عريبي لـCNN بالعربية، أن بحوزته ملفًا ثقيلًا عن تفاصيل ما وصفها بـ"الفضيحة المسكوت عنها"، متابعًا "أرّجح أن الهيئات المعنية على علم بكل التفاصيل، غير أن هناك تواطؤ ما"، متسائلًا عن دور البنك المركزي ومديرية الضرائب وكذا الجمارك الجزائرية في عدم مواجهة ما وقع. ولأجل معرفة رأي الشركة في الموضوع، اتصلت CNN بالعربية بالمكلف بالاتصال داخل شركة أوريدو، رمضان الجزائري، الذي رفض الخوض في الموضوع قائلا "أظن أن السؤال موجه لوزير المالية وبالتالي ليس لدي أي رد"، السؤال نفسه حملناه إلى مدير الإعلام والاتصال بوزارة المالية بن عوماري حميدو، الذي التقته CNN بالعربية على هامش جلسة مناقشة قانون المالية بالبرلمان، إلّا أنه جزم أنه "ليس لدي أي علم بالقضية". وبغية تتبع خيوط القضية وتفاصيلها، أَطلعت CNN بالعربية، الخبير المالي، فرحات آيت علي، بوثائق القضية التي قام بمقارنتها وتأكيدها من جهات رسمية وخلص إلى عدة نتائج مفادها أن "مشتريات الشركة المذكورة في القضية تبلغ 7.9 مليار دينار جزائري في الخمسة أشهر محل الدراسة، بما يقابل 96.39 مليون دولار، لاقتناء حوالي 482 ألف لوحة من نوع (+Q7a)". وتابع كلامه قائلا: "إذا اعتبرنا أن هذا السعر الذي قدمته الشركة خال من كل الرسوم عند وصول المنتج إلى الجزائر، ستكون تكلفته عند الوصول إلى الشركة باحتساب الرسوم الجمركية و الرسم على القيمة المضافة ب 20.000 دينار جزائري". إلّا أن الغريب في الأمر ، بحسب المتحدث ذاته، أن "الشركة كانت تعرض هذا المنتج، بأقل من 10 آلاف دينار، كتشجيع على بيع شرائح الجيل الثالث، ما يشكل عبئا يقدر ب 10 آلاف دينار على الشركة ، وذلك يمثل عبئًا إجماليًا لا يقل عن 4.9 مليار دينار جزائري على عاتق ميزانية الشركة، ممّا يستوجب عليها استدراكه ببيع الاشتراكات الهاتفية و خدمات الانترنت". وبالعودة للعروض التي قدمتها الشركة في سنة 2014، يتضح، كما هو معلن على الصفحة الرسمية للشركة على الفايسبوك، أن اللوحة المعنية روجت ضمن عروض الجيل الثالث التي أطلقتها الشركة وكان سعرها في البداية 9500 دينار زائد اشتراك لشهرين انترنيت، وفي شهر يونيو/ حزيران 2014، أطلقت الشركة عرضا خاصا للجيل الثالث زائد مسبق الدفع بدون التزام مقابل 6990 دينار مع حصول الزبون على لوحة مجانية معبأة ب قيمة 6990 انترنيت. ويشكك الخبير المالي في أن يكون سعر الوحدة عند التصدير من الصين بـ 40 دولار في تلك الفترة، كما أشار لذلك عريبي، لأنه باحتساب النقل وباقي أعباء التسويق والتأمين يكون السعر أكثر، أما سعر 200 دولار فهو مبالغ فيه من طرف الشركة، لاسيما أن اللوحة المعنية بالصفقة، تعتبر من النماذج البسيطة و القاعدية في التصميم و القدرات، و لذلك "لا أظن أنها تتعدى 70 دولار على أقصى تقدير عند استلامها من الزبون النهائي في بلد الاستيراد". ويؤكد آيت علي "أن الفواتير مبالغ فيها بـ130 دولار للوحدة، ما يرفع حجم المبالغ المسربة في الصفقات المذكورة إلى 62 مليون دولار نحو هونغ كونغ، و"ما يعزز الشك هو فوترة منتجات صينية مصنعة في مناطق أخرى من الصين من هونغ كونغ"، و إذ يعتبر "هذه المنطقة من آخر الجنات الضريبية التي لا تخضع لمراقبة دقيقة من السلطات المحلية و الدولية فيما يخص حركات الأموال". وفي الإطار عينه، حاولت CNN بالعربية الاتصال بالشركة الأم في مقرها الرئيسي بقطر للاستفسار عن رأيها، ولكن أحدا لم يُجب على الأرقام التي وفرتها الشركة لمكتب العلاقات العامة فيها، كما عادت الرسائل الإلكترونية المرسلة من قبل الشبكة إلى الشركة. ويرى الخبير أنه كان على إدارة الجمارك و البنوك المحلية بما في ذلك بنك الجزائر، مقارنة تلك الصفقات بصفقات مماثلة لمتعاملين آخرين استوردوا المنتج نفسه من نفس المصنع الصيني، لمقاربة الأرقام في أول نظرة للتصريح الجمركي، وتقع "عملية المراقبة على عاتق بنك الجزائر الذي يضطلع بمراقبة حركة العملة الصعبة من وإلى الجزائر بطريقة تبدو سطحيا ستالينية، و لكن لم تثبت نجاعتها على ما يبدو في ما يخص بعض المتعاملين المحليين والأجانب"، على حد قوله. وخلص الخبير آيت علي في الأخير إلى أن "مثل هذه التصرفات و تصرفات أخرى في تضخيم الخدمات المستوردة والمنتجات والأعباء، الطريقة الأسرع و الأنجع لتحويل إرباح الشركات إلى الخارج دون التعرض لمضايقات الإدارة و البنك المركزي". وتحدثالخبير آيت علي عن الشركة المصنّعة للجهاز قائلا إنها "لا وجود لها بين الشركات المعروفة في ميدان الهواتف"، مرجحا أن تكون "شركة ذات مسؤولية محدودة وأن نشاطها منحصر في مدينة شنزن بشرق الصين و لا سمعة لها في صناعة الألواح"، ويؤكد المتحدث أن "كل الأبحاث على هذه الشركة تعيدني إلى أوريدو التي يظهر أنها زبونها الوحيد في العالم". وفي انتظار أن يرد وزير المالية عن سؤال النائب إما بإحالة القضية إلى العدالة للحكم فيها أو تفنيد ما جاء في السؤال إذا ثبت العكس، إلى ذلك، علمت CNN بالعربية من مصدر مسؤول، أن المصالح الأمنية باشرت تحقيقا معمقا في القضية بطلب من وزير المالية ذاته لمعرفة ملابسات القضية.
مشاركة :