وتنبت شقائق النعمان

  • 3/21/2014
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

نعيش اليوم بدايات فصل الربيع، الربيع الذي يعقبه الصيف. في عالمنا العربي بدأت إرهاصات الربيع بدءا من تونس الياسمين، حتى اليمن السعيد، مرورا بمصر وليبيا وسورية. سورية التي كشفت أحداثها طبيعة هذا الربيع، فلم تنم فيها "شقائق النعمان" مثل كل عام! ورود شقائق النعمان ذات اللون الأحمر الداكن الجميل، ممتعة ومفيدة في الوقت ذاته، ولكن لن يكون نموها مرة أخرى في سورية أمرا سهلا.. لن تنمو بعد كل هذه السنوات بسهولة، ربما نجدها بين شقوق حجارة منزل متهدم، أو بين صخور تحطمت إلى جزيئات من أثر الحديد والنار!. الثورات عادة لا يصنعها الأرستقراطيون، بل أولئك الفقراء والكادحون الذين ليس لديهم ما يخسرونه، لكن من يرثها هم أصحاب الأصوات المرتفعة، الذين لا يريدون أن يموتوا، ويعتقدون أنهم يحيون أبدا، وهذا ما جعل "الربيع العربي" قصير المدى وصيفا لاهبا طويلا لا يتمناه أحد. لكن من يدري "قد يكون الغيب حلوا"، وربما يخبئ المستقبل شيئا جميلا يستعيد فيه الإنسان العربي إنسانيته بعد أن ينمو فكره ويتطور. ميزة هذه الحياة أنها متغيرة غير ثابتة على طول الوقت، ومشكلة الإنسان العربي أنه غير قادر على التكيف مع هذا التغير المستمر، فالمساحات القاحلة في وطننا العربي الكبير شاسعة، فقيم الصحراء ما زالت حاضرة بداخله، حيث لا يأتي الربيع إلا نادرا، ولا يشعر هذا الإنسان بتغير الفصول إلا أحيانا، وهذا ما يخلق حالة من "النمطية" لديه تجعله على روتين واحد حتى في الإدارة والسياسة.. وهذا هو الروتين القاتل. كان يمكن للمجتمعات العربية أن تتجاوز كوارث ربيعها لو أن الإحساس بالطبيعة المتغيرة كان حاضرا لدى السياسي الذي لا يرى العالم إلا من منظوره الأنانيّ الخاص، إلا أن العالم الآخر "هناك" ليس بريئا أيضا، فهو المتأهب كوحش يتربص بفريسة.. ولنقرأ التاريخ، فقد تخلى ذلك العالم عن أعتى الحلفاء وصادق ألدّ الأعداء لأنه "ليس هنالك عداوات دائمة ولكن مصالح دائمة"، وهذا ما يجعل العالم العربي دوما على كف ذلك "العفريت" الذي نسمع به ولم نره يوما، وربما خير لنا ألا نراه أبدا. إن المعركة الوجودية التي يخوضها الإنسان العربي اليوم، ليست خاضعة للمنطق والحسابات الرياضية أبدا، ولهذا نجد أن الثورة في سورية مثلا أشبه برحلة للعثور على واحة وسط الصحراء ـ كما يرى الكاتب البريطاني روبرت فيسك ـ وهنا نجد أن الأطراف التي تتسابق لإيجاد هذه الواحة "الحلم" سينجو أول طرف يستطيع إيجادها لأنه لن يموت عطشا. الوضع العام في العالم العربي غير مفهوم، لأن الأوراق اختلطت كثيرا، لكن الواضح أن الإنسان العربي أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الحياة أو الموت، وسوف نجد أن هنالك من يحاول اختيار أحد الخيارين على طريقة "الموت ولا المذلة" وسنجد أيضا من يريد أن يعيش كل فرص الحياة. أصبحت سورية اليوم حقل اختبار حقيقي، للصراعات الإقليمية والدولية، خاصة أن السوريين قد قرروا مبكرا مصيرهم بأنفسهم، كانوا لا يريدون إلا تحسين الوضع من خلال مستوى مناسب من الكرامة والحرية، إلا أنهم ربما فوجئوا بأن الثمن كان باهضا.. غير أن الثابت في الأمر هي قاعدة "لا تحارب شخصا ليس لديه ما يخسره" لأن ميزان الخسارة لن يكون موجودا في قاموسه. معضلة أخرى أمام الإنسان العربي اليوم، هي التخلص من الفكر الديني المتطرف الذي يسوقه إلى المزيد من الوحشية والقتل والتدمير، فهذا الفكر هو الذي يعيد إنتاج مفاهيم "التوحش" في أزمنة مختلفة فيكون بمثابة مشنقة الإنسانية، ولذ فالطريقة الأفضل للتخلص منه، هي جراحته حتى يتم فصل هذا الفكر عن الثقافة، لتكون كرامة الإنسان وحريته أهم الأولويات.. فتنبت شقائق النعمان.

مشاركة :