عوني فرسخ أصدر الكنيست الإسرائيلي في قراءة أولى مشروع قرار بمنع الأذان بالقدس، وهو مشروع لم يقتصر على منع استخدام مكبرات الصوت في رفع الأذان، وإنما يقضي بمنع رفع الأذان بالمرة، باعتبار القدس في نظر التجمع الاستيطاني العنصري الصهيوني ورعاتهم على جانبي الأطلسي مدينة يهودية، لا يجوز أن يرتفع فيها حسب قناعتهم نداء غير يهودي، الأمر الذي استفز النائب أحمد الطيبي وزميله أبو عرار بحيث رفعا الأذان في الكنيست في تحد عربي رداً على التحدي الصهيوني. وفي اليوم التالي أعلن المطران عطا الله حنا تضامن المسيحيين مع أشقائهم المسلمين ضد الإجراء الصهيوني، مؤكداً صمود المقدسيين العرب في مدينة آبائهم وأجدادهم، وأن الأذان سيظل يصدح وأجراس الكنائس تقرع في القدس. وفي تجاوب مع دعوة المطران المشهود له بمواقفه الوطنية والقومية تعالى الأذان من فوق عشرات أسطح البيوت العربية في القدس وبقية الضفة الغربية المحتلة، كما رفع الأذان في إحدى كنائس بيت لحم. والثابت في تاريخ الصراع العربي - الصهيوني أن ليس غير تصعيد الممانعة والمقاومة ما قد يردع نتنياهو وغلاة اليمين عن المضي قدماً في تحدي شعب فلسطين وأمته العربية بمنعهم الأذان ، أبرز شعائر الإسلام. كما سبق لهم التراجع عن قرار قسمة المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، عندما جوبهوا برفض عربي وإسلامي مجمع عليه ما اضطر رعاتهم الأمريكان للتدخل ضد القرار العنصري الصهيوني. وحين ندعو لتصعيد مقاومة مشروع القرار الصهيوني حتى لا يجري التصديق عليه في الكنسيت ويصبح قانوناً ملزماً لكل حكومة إسرائيلية، ننطلق من إدراك أن إسرائيل لم تعد كما كانت عليه صباح نكسة 1967 وإنما فقدت قوة ردعها ، وسقطت أسطورة تفوقها جراء ما جرى لها في جنوب لبنان وقطاع غزة. ثم إن الادعاء بأن القدس مدينة يهودية غير تاريخي، فالثابت تاريخياً أن القدس عربية النشأة أقامها اليبوسيون عرب الأصول، وتوالت على سكناها وإعمارها شعوب وقبائل تعود في أصولها لشبه الجزيرة العربية. وإن كان هذا لا ينفي صلة اليهود الروحية بالقدس باعتبارها مقدسة عند أتباع الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام. وعدا الصلة الروحية ليس لليهود أي صلة تاريخية بالقدس وفلسطين، كما انتهى إلى تأكيد ذلك أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب شلومو ساند في كتابه الموثق اختراع الشعب اليهودي، متفقاً في ذلك مع العديد من علماء الآثار، وبينهم كثير من اليهود، الذين نفوا وجود أي يهودي في القدس أو في عموم فلسطين، أو أن يكون المسجد الأقصى قد شيد على أنقاض الهيكل الثالث حسب الادعاءات الصهيونية. وما يدل على انعدام صلة اليهود المعاصرين بالقدس، عدا الصلة الروحية السابق ذكرها، كونهم جماعة بشرية متعددة الأصول، وأوطان النشأة، واللغات والثقافات وأنماط السلوك، جرى تهجيرها من أوطانها الأصلية بقرار استعماري كي تشكل المادة البشرية لتجمع غريب عن الشعب العربي ومعاد له، وإسكانه في فلسطين وعلى تخوم مصر، كي يسهم في منع وحدة العرب القاعدة المادية لتجاوزهم واقع التجزئة والتخلف والتبعية، كي يتواصل الاستغلال الاستعماري للوطن العربي موقعاً وموارد وأسواقاً وقدرات بشرية. غير أن تهجير اليهود إلى فلسطين لم يؤد كما كان مخططاً له من قبل بريطانيا في ثلاثينات القرن العشرين إلى إفراغها من شعبها العربي الذي ظل صاحب الأكثرية السكانية، والمالك لمعظم الأراضي الزراعية، برغم الدعم البريطاني المتواصل للمستوطنين الصهاينة والدفق المالي الذي تلقوه من الجاليات اليهودية خاصة الأمريكية، بحيث إن فلسطين كانت عربية الهوية عند انتهاء الانتداب البريطاني سنة 1948 كما يقرر المؤرخ الإسرائيلي الجديد إيلان بابه، في كتابه التطهير العرقي في فلسطين. ولقد تواصلت مقاومة الشعب العربي الفلسطيني للمشروع الصهيوني ورعاته في تصاعد طردي، والمثال الأخير فعالية فتيان وفتيات القدس وبقية الضفة الغربية المحتلة في انتفاضة أطفال سكاكين مطابخ الأمهات التي لم تزل إسرائيل عاجزة عن قهر إرادة فتيانها وفتياتها في القدس وبقية الضفة الغربية المحتلة. ناهيك عن عجزها المريع عن قهر ممانعة ومقاومة قطاع غزة المحاصر. ولما كانت القدس بشطريها الغربي والشرقي محتلة كبقية الضفة الغربية. وكان القانون الدولي يشرّع للمحتلة أرضهم مقاومة المحتل بكل وسائل المقاومة المتاحة بما في ذلك الكفاح المسلح. ما فيه الدلالة على انفساح المجال لمقاومة سلمية فاعلة ضد مشروع منع الأذان بالقدس، قبل إقراره في الكنيست بالقراءة الرابعة ويصبح قانوناً ملزماً: وليس بالمستبعد حينها أن منع رفع الأذان قد يسري على قرع أجراس الكنائس، ما يجعل مقاومة مشروع رفع الأذان مطلوبة من كل عربي ، مسلماً كان أو مسيحياً. admin@afcocpa.ae
مشاركة :